آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-11:46ص

ملفات وتحقيقات


الاحتجاجات الأخيرة في حضرموت.. هل هي فعلاً مطلبية أم مسيّسة؟

الخميس - 08 أبريل 2021 - 12:43 م بتوقيت عدن

الاحتجاجات الأخيرة في حضرموت.. هل هي فعلاً مطلبية أم مسيّسة؟

(عدن الغد) القسم السياسي:

لماذا محافظة حضرموت ولماذا الآن؟

من يقف وراء هذه الاحتجاجات ويمولها؟

هل الهدف إسقاط البحسني وتصفية حسابات سياسية؟

هل المطالب واقعية والمواطنون يعانون فعلاً؟

من يشعل النار بحضرموت؟

 

تبرز محافظة حضرموت، كبقعة من الأرض مغرية للاعبين المحليين، وكذلك للدوليين.

لم تكن حضرموت التاريخية، يوماً، بمنأى عن أية أحداث تشهدها اليمن، بل

على العكس، كانت في القلب من مختلف المستجدات التي عاشتها البلاد.

ولم يحد الموقع القصي للمحافظة عن مساهمتها في لعب أدوار مهمة وحيوية في

مسارات ومنعطفات سياسية واقتصادية ضخمة مرّت بها اليمن.

فعشية الاستقلال الوطني، أبى رفاق الجبهة القومية إلا إلحاق حضرموت

وجارتها المهرة، بالدولة الناشئة عقب رحيل الإنجليز، ورغم أن حضرموت

وجارتها كانتا دويلات ذات سيادة شبه كاملة، إلا أن الرفاق أدركوا مبكرًا

أهمية إلحاقها بدولتهم.

ولعل هذه المكانة لم تكن في نظر القوميين الجنوبيين فقط، بل حتى اللاعبون

الإقليميون، ركزوا اهتمامهم على حضرموت، وحاولوا السيطرة عليها في

مواجهات وحرب مطلع السبعينيات، بين جمهورية اليمن الديمقراطية ودول

الجوار.

ولم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل أن حضرموت بدت كطوق نجاة لنظام عدن،

خلال حرب صيف 1994، فكانت الملاذ الأخير، والخطة (ب)، في حالة سقوط عدن

بيد نظام صنعاء.

وهو ما تحقق بالفعل، خلال أواخر مايو/أيار من ذات العام، حين أُعلن فك

الارتباط عن الوحدة اليمنية من مدينة المكلا بالذات، بداية الحرب بين

الجنوب والشمال.

عقب 2015، عانت حضرموت من سيطرة الإرهابيين، ربما بتوجيهات من لاعبين

وقوى سياسية وحزبية لأغراضٍ معينة، غير أن حضرموت باتت بعد ذلك رقماً

صعباً.

تحقق ذلك حين فرضت حضرموت بمؤتمرها الجامع وحلفها القبلي، تواجداً

حقيقياً في المعادلة السياسية لليمن برمته، وليس في الجنوب وحسب، وأصبح

لحضرموت حصة سياسية مخصصة لها بالتحديد في الحكومة الحالية.

كل تلك المحطات، عكست الأهمية التي شكلتها حضرموت، منذ أكثر من ستة عقود،

وانعكست على ما تشهده اليوم من حالات فوضى واحتجاجات، وربما تحركات

عسكرية وأمنية قد تؤثر على وضعها العام.

 

المحافظة المسالمة

ورغم كل المنعطفات الحساسة التي مرّت بها حضرموت، والمواقف الصعبة التي

استخدمت من خلالها كأداة ضغط أو أحياناً لتوازن سياسي واقتصادي، إلا أن

المحافظة حافظت على سلميتها على طول الخط.

حتى شخصياتها وأعيانها وسياسيوها، وفي مختلف المراحل، كانوا مثالاً

للنخبة السياسية والفكرية والاقتصادية والمالية، وتبوأوا مراكز ومناصب

عليا، ولم تشبهم أي شائبة في أعمالهم ووظائفهم الرسمية.

حتى باتت المحافظة مصدرة للكفاءات والشخصيات الفاعلة البعيدة عن أية ريبة

أو شكوك، التزاماً لما تمثله محافظتهم من سلمية واستقرار.

 

ما الذي يجري في حضرموت؟

منذ أكثر من عام، تعاني المحافظات المحررة، وخاصةً الجنوبية منها،

أوضاعاً معيشية وخدمية سيئة، تمثلت في ارتفاع أسعار المواد الغذائية

الأساسية؛ نتيجة تدني سعر الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

بالإضافة إلى تأخر المرتبات وانعدام الخدمات العامة كالكهرباء والمياه

وغيرها، وهو وضع عام دفع المواطنين للخروج بعفوية للاحتجاج والتظاهر،

للمطالبة بحقوقهم الخدمية.. وهذا أمر مشروع وطبيعي.

وحضرموت كانت إحدى المحافظات التي شهدت مثل هذه المظاهرات والاحتجاجات،

وإن كانت نتائجها وما ترتب عليها من تبعات سقوط ضحايا وقتلى ومصابين أكثر

إيلاماً من غيرها.

الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات، من قبل المراقبين والمتابعين، ولعل

أبرزها: لماذا حضرموت، وفي هذا التوقيت بالذات؟.

حتى أن البعض حاول الإجابة عن هذه التساؤلات بالإشارة إلى أن أطرافاً

سياسية تسعى إلى ممارسات ضغوط على غيرها من أطراف لتمرير تفاهمات معينة

أو الحصول على مكاسب وموطئ قدم!.

ولا يختلف اثنان على أن الاحتجاجات التي شهدتها محافظات الجنوب، بما فيها

حضرموت، مطلبية في الأساس وخدمية، وخرجت بشكل عفوي وتلقائي، غير أن هناك

اتفاقا أيضاً على أنها تعرضت للاستغلال السياسي من قبل أطراف مستفيدة.

ويستدل كثيرون على أن تسييس المطالب بدأ من خلال إقحام قوى عسكرية وتوجيه

المطالب الخدمية المشروعة نحو رحيل ألوية ومحاور عسكرية، بل وحتى قادة

عسكريين، على رأسهم محافظ حضرموت اللواء فرج البحسني.

وهو ما يشير إلى أن هناك من يحاول أن يشعل النار في حضرموت، وليس مجرد

الضغط على الجهات المسئولة للحصول على الخدمات والحقوق المطلبية.

 

من يقف خلف الفوضى

بالرجوع إلى أوضاع محافظة حضرموت ما بعد تحريرها من التنظيمات الإرهابية،

بداية 2016، نرى أن المحافظة شهدت استقراراً في الخدمات والأمن، وكافة

مجالات الحياة.

حتى أن البعض كان يفضلها على عدن وغيرها من مدن الجنوب لقضاء إجازاته أو

الاستقرار فيها، وكان أبناء عدن يحسدون نظراءهم في حضرموت على ما يتمتعون

به.

غير أن ثمة أمورا كثيرة تغيرت في حضرموت، حولت ذلك الاستقرار إلى فوضى

بحسب ما يرصده اليوم المراقبون والمتابعون.

بدأ التدهور الخدمي، وانفلات الاستقرار في حضرموت منذ أواخر 2019،

وتحديداً عقب الأحداث المواجهات العسكرية التي شهدتها عدن بين قوات

الشرعية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

المكونات الحضرمية كانت قد رفضت أي محاولات للتمدد نحو الشرق، بعد طرد

الحكومة الشرعية من عدن، وتكونت بناءً على ذلك كيانات سياسية تقاوم مثل

هذا التمدد، وتنادي بالحفاظ على خصوصية حضرموت.

وهو ما يرجح افتراضية أن تكون الاحتجاجات التي تشهدها حضرموت مسيسة

بالدرجة الأولى، رغم عفوية ومشروعية المطالب الشعبية التي تم استغلالها

واستثمارها لأغراض ضيقة.

 

رأس الاستهداف

لا يخفى على كثيرين أن حضرموت تحتضن المنطقتين العسكريتين الأولى

والثانية، وتشمل محاور وألوية تدين بالولاء للحكومة اليمنية الشرعية،

وبالتالي فإن أطرافا أو بعض القوى والمكونات الجنوبية ترى تلك القوات

العسكرية بأنها قوات "احتلال".

لهذا كانت الاحتجاجات التي شهدت- للأسف- أحداثاً دموية وسقوط ضحايا وقتلى

وجرحى تتركز أولاً في مناطق المنطقة العسكرية الثانية، في وادي حضرموت.

كما أن رأس الاستهداف يكمن في قائد المنطقة العسكرية الأولى، اللواء فرج

البحسني، محافظ محافظة حضرموت.

ويرى مراقبون وسياسيون أن المظاهرات الاحتجاجية ركزت على رحيل البحسني من

سدة الحكم بالمحافظة، باعتباره أحد قادة القوات العسكرية الموالية

للشرعية، وبالتالي فإن المظاهرات تحولت من مطالبها الخدمية إلى دعوات

سياسية موجهة؛ لأغراض قاصرة وضيقة.

ويبدو أن مستغلي الاحتجاجات يستميتون بالفعل نحو زيادة زخم المطالب التي

تنادي برحيل المحافظ البحسني، والذي استشعر مدى قوة الضغط المفروض عليه

مؤخراً، فلجأ للجلوس مع عقلاء ومكونات المحافظة للخروج بحلول ناجعة

للفوضى التي تعيشها حضرموت.

ولعل هناك حلولا كثيرة قد يكتشفها الحضارم إذا ما جلسوا إلى طاولة

التفاهمات وتدارسوا أوضاع محافظتهم، واستخلصوا العبر والدروس لإخراج

محافظتهم إلى بر الأمان.

 

ركوب الموجة

قد تطالب قوى سياسية ومكونات جنوبية، بتغيير محافظي المحافظات الجنوبية،

بحسب ما نص عليه اتفاق الرياض، وفق مطالبهم.

غير أن ثمة الكثير من المستجدات التي قد تجعل مثل هذه المطالب معدومة

الأهمية في ظل التأخر بتنفيذ الجوانب والملفات الأمنية والعسكرية من

الاتفاق.

غير أن بعض القوى السياسية في الجنوب ارتأت أنه من الأنسب ركوب موجة

الاحتجاجات الخدمية والمعيشية للضغط نحو تغيير محافظي المحافظات، والذي

يبدو أنه لن يتم، في حالة عدم إتمام تنفيذ البنود الأمنية والعسكرية من

الاتفاق.

 

كعكة حضرموت

تبقى محافظة حضرموت محط أنظار القوى السياسية والعسكرية المتصارعة؛ نتيجة

مكانتها السياسية وتميزها الجغرافي الواسع والمتنوع.

ولا ننسى مقوماتها الاقتصادية وثرواتها الطبيعية ومواردها الغنية، التي

أسالت لعاب السياسيين ومكوناتهم، في محاولة للظفر بجزء من "الكعكة".

لكن هذا الصراع الذي لا يأبه بالمواطنين واستقرارهم يبدو أنه سيجني على

حضرموت وعلى البلاد برمتها، في حالة استمراره على هذا المنوال القائم على

المناكفة والحسابات السياسية الضيقة.