آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-05:27م

أدب وثقافة


برائحة التربة

الثلاثاء - 06 أبريل 2021 - 11:14 م بتوقيت عدن

برائحة التربة

((عدن الغد)): بقلم الكاتب/ سام البحيري

أشم رائحة الأرض بعد تقليبها بمحراث كان فتاقه على يد حداد ماهر،
تثملني تلك الرائحة وهي تفوح في شاجبة الحول إثر عبث الأطفال بدبة الماء -الشليته- على كومة وبلٍ مركون جوار عروق شجرة السدر.
لا شيء يضاهي رائحة التربة في روحي، لا شيء لا شيء
حتى وإن قدمت فرنسا بكل عطورها في قنينة واحدة.

مشاهدة الضّمد -أثوار الحراثة- أكثر اغراء من رحلة سياحية في مدينة السبع التلال، وأعظم من تأمل النصب التذكاري في نيويورك.
يخطر في بالي
دوي النحل عند السادسة فجرا على زهر أشجار الحقول، وكذا هرولة الأغنام صوب الأحول المصونة لتنال رعيها الوفير قبل غيرها من القطيع، نشوة صغار الأغنام على جدران الشواجب وكل طفل قد سمى كل تيس ومعزة صغيرة باسمه...

تقام حفلة صاخبة في صدري،
حفلة قائد الماسترو فيها مزارع نشيط بمهاجله الزراعية وقد سابق بها شروق الشمس ونافس أصوات الطيور قائلا:

واليوم والله واليوم دائـــــــم
يــارب بــارك واسقي الجرائــب
واجالـي الهم بين الحبائـــــب

تتجول أمام عيني صغار الطيور،
هناك في طرف الحول تحديدا في المكان الذي اكتمل بتلته قبل نصف ساعة حيث تحلق الجوالب والعناصر الصفراء ومن على شجرة الثُعب صوت اليُبيُب وطائر الجوال وقد أخذتهم العزة بالعشق وهم يتظرون أيام الصراب.

الأمهات وعلى رؤوسهن القُبعات المصنوعة من أشجار النخيل يجابهن الشمس، يفعلن ذلك وقد استراح على وجوههن قليل من الكركم وتركن المشاقر تصلي على خدودهن صلاة الضحى.

الفتيات الزاهيات بزِنانهن القروية المزركشة وتفانيهن بربط المَقارم على رؤوسهن بأسلوب فريد ومن مثلهن وقد خرجن من كل بيوت القرية للإلتقاء في عقمة الوادي.

فتيات القرى حدائقهن الوديان، ومنتزهاتهن قمم الجبال، ولاشيء يضاهي رعيتهن الأغنام ولكل صبية قصة مع صغار أغنامها وهمس الشواجب والسَبول.

يغمرني شعور الفلاح حين يستريح تحت ظل أشجار الشواجب، هناك حيث يستريح بكل نشوة حب التربة وراحة اكمال المِهرة
لحظتها تصل غداء البتول مميزة عن البقية احيانا،
هناك حيث تفوح رائحة الفطير والكَدر والسمن واللبن البلدي، وبجوارهم ثلاجة شاهي وعلاقيات القات وقد جهزت لكل من كان يعمل ليستريح بعد يوم عذب في أرضه وماله.

يمر أمامي مشهد سقوط المطر بعد كل أعمال الحراثة والرعوية، وترتسم في مخيلتي ملامح أبي في طاقة الدار ينظر لمدارب السيل وللمشارب والسيول كيف تنهمر في الحول وبيده قلص شاهي وضع عليه ورق النعناع وكيف يرتشف الشاهي، تماما كما يستقبل الحول أول دفقة للسيل بكل شغف وارتواء.

لمجرد ذكرها
طافت بي سعادة فلاح نام على وميض البرق، واستيقظ على محاجن مبللة وأقطان راويات.

سام البحيري