آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-12:11ص

حوارات


مع كتابات.. حميد الشامي: كل أحلامي منفى يمتلك المبدع فيه أزمنته وحريته وحيواته

الثلاثاء - 23 مارس 2021 - 10:51 م بتوقيت عدن

مع كتابات.. حميد الشامي: كل أحلامي منفى يمتلك المبدع فيه أزمنته وحريته وحيواته

عدن (عدن الغد) حاورته- سماح عادل:

 “حميد الشامي” شاعر وكاتب يمني، مواليد عام ١٩٨٩، حاصل على ليسانس آدب انجليزي من جامعة صنعاء. بدأ نشر نصوصه الشعرية في 2013 في الصحف والمواقع العربية. نشر له مجموعة شعرية في مجلة الكلمة اللندنية بعنوان “يثير اللهفة وشيئا كهذا”، وصدر له  مجموعة شعرية بعنوان “كنا فيك ملاذ.. عقاقير وأصابع”،عن دار “رقمنه”- استوكهولم/ السويد. أخذت خمسة نصوص شعرية له لترجمتها للغة الألمانية، ضمن انطولوجيا تصدر بالغتين هناك بعنوان “الكتابة في ظل الحرب”.

إلى الحوار:

متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– بدأ شغفي في الكتابة منذ نهاية دراستي الثانوية العام ٢٠٠٨، وكانت الطريقة الوحيدة لأعبر فيها عن ذوات وحيوات وعوالم تترك أثرا بالغ في هذا الصبي الحالم لدراسة السينما، كرغبة أولى لنثر هذا الأثر، لكنها رغبة تولد ميتة في جغرافيا، أبعد ما تكون عن السينما والمسرح. لذا تولد لدي هذا الشغف للكتابة، بوصفها حياتي الفعلية أو البديلة، أو بوصفها “تحقيقا مع هذا العالم” كم يصفها أحد الشخوص بفلم فرنسي لا أتذكر اسمه.

في كتاب (كنا فيك ملاذ.. عقاقير وأصابع) تتلاعب بمفردات اللغة، تشكلها بطريقة جديدة هل تحاول عمل لغة مميزة لك؟

– في واقع الأمر لا أكترث لأمر اللغة كثيرا، وهذا بأثر “درويدي”. اللغة لدي هي ما تحمل الصورة والفكرة الشعرية فحسب، لكن انتقائي للمفردة واللعب بها أحيانا. مجرد محاولة لخلق قالب لغوي شفاف لتلك الصورة أو الفكرة نفسها، وهذا في اعتقادي ما يميز النص الشعري عن بقية أشكال الكتابة الأخرى.

في كتاب (كنا فيك ملاذ.. عقاقير وأصابع) غزل معجون بحزن وشجن ويأس وإحساس عال بعبثية الحياة حدثنا عن ذلك؟

– قد يكون هذا الأثر الأكثر صدقا الذي تتركه بداخلنا التجارب والرغبات والعثرات، في هذه الجغرافيا المعاقة ذاتها. حيث تتعدد السلطات على حريات الفعل، فتولد الحرية في الهامش وغير المألوف بفعل القمع، إذ نتناول كل شيء بنوع من الاستهزاء والإسراف والنهايات المفتوحة.

وهذا ما يميز الحكاية والصورة في مجتمعاتنا “المغلقة”، إذ ننتزع “حرية مسروقة” من فم الموت تنعكس في العاطفة والتجربة والشعور. كما هي في” ألف ليلة وليلة”، عندما تأتي الدهشة  من الأعماق، من بدائية الفعل والشعور ومآلاتهما.

ماذا يعني أن تقدم نموذجا كابوسيا للكتابة في ظل الحرب والصراعات في وطنك؟

– في الحرب العالمية الأولى والثانية.. عاشت البشرية ذاك الشعور بالعدمية وكارثية الوجود، حيث البشاعة والمأساة طالت كل شيء وتركت أثرها المدمر في كل مسائل الحياة. في المقابل أنتجت هذه التراجيديا “الكابوسية” آلاف الحكايات والموائد “الإبداعية” وابتكرت مدارس واتجاهات، ومازالت حتى اللحظة المادة الأكثر إدهاشا في الآداب والفنون.

لهذا أكتب الآن بنزعة “كابوسية”، ربما كمقاربة لحياة تتلاشى، وبدلا عن الانتحار. وأظنها تجربة مثيرة أن يعيش كاتب من جيلي هذه المفارقة والتجربة “العبثية” في الألفية الثالثة. أن تكتب بينما يغفو الموت والرعب تحت شرفتك.

كيف هي صورة المرأة في شعرك؟

– المشترك “الموازي” للشعور لكل شيء, المرأة في مجمل يومياتي ونصوصي هي الملاك والشريرة التي تلهمني. لهذا تولد نصوصي “Bisexuality” لا تعبر عن نزعات الرجل فحسب، إنما عن المشتركات في الأحلام والرغبات والمعاناة، وبنكهة أنثوية في الغالب.

ما رأيك في حال الثقافة في اليمن؟

– كيف يمكنني الحديث عن ثقافة في بلد لم يعد فيه اليوم مجلة أو برنامج أو ملحق ثقافي واحد، أو حتى مساحة آمنة للإبداع.. بلد يعيش المبدع فيه مطاردا ومشردا يعاني الإهمال والقمع والبطالة.

هل يجد الكاتب المبتدئ الدعم في الوسط الثقافي اليمني؟

– للأسف الشديد لا.. هذا الوسط مريض، منذ عرفته، ينعكس “الوضع العام”  السيئ على مزاجات هذا الوسط. فيحارب “الصوت الجديد” لكونه صوت نقي وعصامي، لم يمر بتلوثاته الاعتيادية في الشللية والتبعية والأيدلوجيات المتناقضة مع روح المعرفة والإبداع.

كيف أثرت الحرب في اليمن على الثقافة والإنتاج الأدبي؟

– أدخلتهم إلى العناية المركزة أو الموت السريري، باستثناء كون الحرب ذاتها تجربة حية للألم والكتابة. لاحقا لم يتبق للثقافة والأدب شيء. لا توجد دار نشر واحدة اليوم في اليمن، ولا دوريات أو صحف، المكتبات مغلقة والفعاليات متوقفة منذ ست سنوات.

هل مازالت قصيدة النثر تثير الجدل أم استقرت في منطقة الشرق وأصبح لها تقاليدها وقواعدها؟

– استقرت وأصبحت في مقام الريادة في كل الدوريات والفعاليات والندوات والإنتاجات الأدبية أصبحت قصيدة النثر تشكل 80%منها.

من مجلة شعر وتحولات أدونيس وأنسي الحاج، كما عند الماغوط ووديع سعادة وغير هذا وقصيدة النثر تشكل العمود الفقري في النص الشعري الجديد في الشرق.

كيف يحاول الشباب من جيلك التجديد في الشعر وما ملامح هذا التغيير؟

– هذا جيل بلا أيدلوجيات متعدد في وسائل المعرفة والتلقي وكذلك النشر، مع مدخلات العولمة والإنترنت. هذا جيل حر خارج الوصاية والأبوية، ومن كل هذا يحاول جيلي أن يضع تجربته وبصماته الخاصة، من خلال مساحة حرية التلقي والانتشار المتاحة له اليوم. حيث يمثل صوت شعري تأتي تجربته من أعماق الإنسان والحضارات والثقافات والأمكنة وتداخلات الفنون والآداب.

ما هي أحلامك اليوم على المستوى الشخصي والإبداعي؟

– الهجرة.. هي كل أحلامي الآن، البحث عن منفى لائق أقل قسوة من هذا المنفى. منفى يمتلك المبدع فيه أزمنته وحريته وحيواته، بلا خوف أو مكابدة، بلا شقاء أو عزلة.

نصوص ل”حميد الشامي”..

العودة واقفاً..

هذا الإسفلت الضيق بالكاد يوصل لحزنك

ثم..

دعيني أداعب طفولتك الآن:

بين قطيع الأغنام التي تغني بدلا عنك, لخلل في الصوت

وزوجين عجوزين يغسلان بعضهما أسفل النبع ويرددان الحكايات نفسها عن تلاشي الأشياء

ستكبرين لاحقاً

لتطلقين سراح فساتينك القديمة ويحشونها بالوسائد ثم توزع على الفقراء على أسرتهم الحجرية

ويصل الإسفلت لردهة قلبك تماماً

ستكبر ضحكتك

وتقسمينها بالتساوي على الأسطح والنوافذ المواربة للضجر والحاجة التي تأكل نفسها

ستدربينها على المشي مثلاً

ثم الركل الأنيق للنظرات الجائعة من دماء سوداء, تضيء أبدية الحي للموت

ستكبرين

لأن ثمة أصابع تطارد نعومتك على الطرقات

تشاركينها احتفالات أناملك الخائفة في أمسيات الصيف

وتعلمينها وقع القطرات الثقيلة على هشاشة الغصون

ستصنعين طقوسك للانزواء الكثير

ومدنك المجففة على الأكمة

تدارين بشر يسنون سكاكينهم

لأن الرب قال ذلك دون توقيع: وتضحكين لهذا

سرطانهم للبقاء صار غير حميد لهذا يخجل فيتقافزون

لأن الكثيرين سيمرون رغم ذلك

أشبال القرية سيرتبون نشوة تخصهم

يتعاطون الجنس المثلي: ويبكون بعد كل نشوة

من افتراض العواطف وتصنيف الأخطاء

ثم يغنون بشجن أسطوري كأننا نحن حناجرهم المتآكلة

للمطرب الوسيم ابن قريتك

«مسكين قتيل الهواء الله يرحمه, من مات في العشق يا نعم القتيل»

لقد كبر هو الآخر

صار له آلاف المعجبين وثلاث زوجات قاصرات

وبعض الخبثاء الذي يطاردون ضالة إناثهم بداخله ويذوبون

بعد كل حفلة: يطاردونه لردهات الفنادق ويتوسلون الدفء

ستكبرين حد أن احتضنك الآن بملايين القبلات

فأنتِ خفيفة لأن الموتى تخلوا عن فكرة زيارتك كل يوم,

يشاركونك وجباتك وفروضك المدرسية

ويتلذذون طقوس شنيعة على شجن الأخوات

ستكبرين

لأن الإسفلت أوصلني لجسدك كاملاً

ونسي

كل أشيائك لأجلي ..

—————

“ربورتاج لـــــ حياة مجاورة”

بُرهة أخرَى:

يُفلت عزرائيل روحه بعد الــ”Cancer” الودود

شده من هدبه ممازحاً, وقال: خوَاف

يتعرف أجسادهم, تلهث الملح

مسجاة على أشجار الكافور

قبل توزيع الحرب على العائلات

والصمت يزيد من تدلي جيوبه للخارج, كألسنة كلاب الشوارع

بينما تكبر القُبْلة الممنوعة لـ”مُعنفة الأقارب” أكثر من جسدها

تُكبر حقاً!

إحدَاه قال:  ستصير حَجَرا بأمعَائه, يُجلس العذاب عليهَا كل يوم

إحدَاه قال: جسد لا يتسرب من الشقوق, كيف يُحقن دم المدينة؟

إحدَاه يتحسس حياته كل صبح, بينما تقرفص قطّة سوداء

على قُبْة “المهدي”, حيث تنتظر”لورا” الأمريكية

فنجَان الحليب من أصابعه العارية,

وتصريح المَارة عن الجوع والضحك

إحدَاه يسرف الكحول ورائحة الأشياء

وكنكاية بكاَئنات ما,

إحدَاه يرتب أوراق سفره من “قُبْلة” أُستثمره جيداً

لاسيما وإحدَاه” ممّرات” تسير عليه

و….

لا مزيد من الضّوء

بينما بعض الظن “عشق”..

وتقريباً

كُل شيء هكذا: يزحف إلى سَرير

برفقة موسيقى جنائزية

هيكل السيارة الأحمر والصدئ بحوش البيت

أثداء عجائز الحارة

نهر المدينة المطمور ببقايا أحذية الفلاحين البلاستيكية

عُرس حبيبة أخرى من جهة الأمُّ

طوائف تتبادل نخب الغياب بالخارج

مدينة تبتسم للغرباء من باب المجاملة

ثم القدم العاجية لــ”دي كابريو” ريفي

حتى “غاندي” البائس

الذي لا يستطيع اللحاق بمظاهرة “الخلفاء”

أسفل الوادي, تحمل لافتات  “Freedom”.

كل شيء يحدث هَكذا

إنّها تُمطر من سماء أخرى

غير أنني لن أجازف بالقفز ثانية

من شُرفتهم في الصخر؛

سأغلق الغرفة كما يجب على بنادق القرويين

فماذا عن “قُبلتهما”؟

سأذهب إلى هذا الجَبَل بالتأكيد

لنساء المرتفعات

حيث يمكنني الحصول على قُبْلة مشابهة

مع كسرة صغيرة من عسل “الأدغال”

“هنا يتوقف التصوير”

بينما مآلاتنا الأخيرة, لا تمنع من السقوط أيضاً.

 

————-

“سائق تاكسي”..

يُجالس فتاةٍ حزينةٍ طوال الوقت

كثيراً ما يرجعها لحبيبها

إذ يضع كل صبح شالاً من الضحك على كتفيه

يخطف مدينة ما…

إلى أرض مهجورة

يفتح بها حانات, يخترع منها أصدقاء

وبيوت بلا سقوف, ثم يُفلتها بقُبلة واسعة

بمحصلة لا تعرف الندم

………

يُلاعب الحرب, بسجائره

فيُخال أن قتلةً كُثر يتساقطون مع دخانها

ثم يرتطمون بدمعته في الخلف

يقتني أفلاما عشوائيةً للمساء

وعينين يستبدلهما لاحقاً

وهوة صغيره من الطريق

كي يتمرن السقوط في نومه

سائق تاكسي..

يحكي مالا يعجبه من نُكَات

 

من أشياء لا يمكن حدوثها

حتى تتسع عروقهُ للعقَاقَير

وللغائبين,

يخفضون الحرارة عن ذاكرته

سائق تاكسي..

يصطدم بوجهه كل برهة فيبصق النعاس

والوقت عن جسده, كعدوين مزمنين

يديران رقصةّ للتمويه

تترجل جثةٍ له عن سيارته, وتمضي دون تلويح

سائق تاكسي..

كمن يركل قلبه عن غابات تحترق

يسعل أمام إشارات المرور

يحب الله عنوة,

ويكره تخيل الأشياء…

أحيان يوصل ظلاً إلى منزله, بدون أي مُقابل!.