آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-11:27ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. صراع النموذجين بين عتق وعدن.. من سيقود من؟

الإثنين - 30 نوفمبر 2020 - 10:29 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. صراع النموذجين بين عتق وعدن.. من سيقود من؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يتناول مقارنة بين الأوضاع التنموية والخدمية الأمنية والعسكرية في
عدن وعتق
هل ينجح نموذج عدن أم نموذج عتق؟

ما أسباب تطور شبوة وتراجع عدن؟

عدن وعتق.. قصة مدينتين

(عدن الغد) القسم السياسي:

خضعت محافظة شبوة، عقوداً طويلة، لسياسة الحرمان والتهميش التي طالتها
منذ فترة ما بعد الاستقلال الوطني.

لم تستثنِ أية حكومة أو نظام سياسي منذ لك التهميش الحرمان الذي رزحت
تحته شبوة، سواء كانت أنظمةً جنوبية أو حتى بعد تحقيق الوحدة اليمنية.

شبوة.. ضحية الأنظمة

منذ ما يزيد على أربعة عقود، لم تطأ التنمية أرض شبوة، ولم تزرها الخدمات
أو تتوفر لأهاليها الاحتياجات الأساسية، وهي الجهة من الأرض التي لم تكن
في اهتمامات القادة والسياسيين، أو في حسبانهم، ولم تمثل لهم سوى مجرد
(غلة موارد طبيعية) لا أكثر.

وفي الحقيقة، فإن شبوة لم تتحول إلى (غلة موارد)، سوى في آخر فترة عهد
الدولة الجنوبية، التي لم تستفد من اكتشاف النفط في شبوة كأول محافظة
جنوبية يتم استخراج هذه الثروة منها.

كان الأمر بمثابة دعاية سياسية لنظام ما بعد يناير 1986، كما يصف ذلك
المؤرخون، حيث احتاج النظام حينذاك إلى تطمين الجماهير بأن القادم سيكون
أفضل، في ظل توفر الموارد النفطية، لكن في الواقع، لم يحدث شيء من هذا.

فسرعان ما تكالبت عوامل الوحدة اليمنية التي تحققت فجأةً، لتفشل دولة
الجنوب في الاستفادة من نفط شبوة، أو تنمية المحافظة، بل أن نظام الوحدة
الذي أعقب ذلك لم يعط هو الآخر المحافظة أي اهتمام.

وبقيت شبوة مهملةً من الأنظمة السياسية، رغم أن هذه الأنظمة لم تتعامل
معها أو تنظر إلى المحافظة إلا كونها (بقرة حلوب) مليئة بالنفط والغاز
والثروات الطبيعية الأخرى، حتى بعد إنشاء مشروع استراتيجي مثل مشروع
الغاز الطبيعي المسال وتصديره عبر بلحاف.

التركيز على عدن.. فقط

في المقابل، كان نظام ما بعد الاستقلال مهتماً جداً بمدينة عدن، التي
مثلت حاضرة بريطانيا العظمى في المنطقة، وميناءها الذي لا تغيب عنه
الشمس.

ورغم أن دولة الجنوب الوليدة لم تستثمر عدن ولا ميناءها، إلا أنها أولتها
أهميةً سياسية تفوق تلك التي أعطتها لبقية المحافظات الأخرى، باعتبارها
عاصمةً للدولة.

قد تكون مساحة الجنوب المترامية والبعيدة عن مركز الدولة في عدن، غرباً،
ما جعل إهمال مناطق شرق عدن أمراً منطقياً، كما صعّب من جهود الوصول
إليها او تنميتها.

غير أن محللين يرفضون مثل هذا الطرح، ويعتبرونه هروباً من المسئولية
التنموية، ويرمون باللائمة على أكثر من عامل، أدى إلى اهتمام نظام ذلك
العهد بعدن فقط، وإهمال ما دونه من مدن ومحافظات جنوبية أخرى.

وأبرز تلك العوامل تكمن في النظام السياسي والاقتصادي المتبع وقتذاك،
والقائم على الأيديولوجية الاشتراكية، التي تصادر الممتلكات الخاصة
وتضمها للدولة دون أن تنعكس على المجتمع والناس، أو تظهر في صورها
التنموية الحقيقية.

وعامل آخر، يتمثل في انتهاج سياسة المناطقية الإقصائية التي تسببت في
حرمان مناطق معينة من التنمية؛ بحجة ولاءاتها للأنظمة "الرجعية" ما قبل
الاستقلال من بريطانيا، وكانت محافظة شبوة في قلب تلك السياسة التي
استهدفتها بشكل مباشر.

غير أن مثل هذا الرأي يمكن تفنيده بمجرد إدراكنا أن نظام صنعاء عقب
الوحدة سار على نفس الحرمان الذي انتهجته الأنظمة من قبله في الجنوب،
وبقي مركزاً على الاهتمام بعدن فقط، ومهملاً ما دونها من محافظات جنوبية
وشرقية، بما فيها شبوة.

تغيرات واضحة

غير أن هذا الوضع لم يدم طويلا، فمجرد زيارة لمدينة عتق، حاضرة محافظة
شبوة، اليوم، سيرى أي شخص مدى التطور التنموي الذي حظيت به المحافظة
مؤخراً، حتى باتت أفضل من المدينة التي يعتبرها كثيرون أنها عاصمة الجنوب
أو حتى عاصمة اليمن المؤقتة، عدن.

بل أن كثيرين يعتبرون عتق وشبوة عموماً المعقل الحقيقي للحكومة اليمنية
الشرعية، خاصةً عقب أحداث أغسطس 2019، وما نتج عنها من طرد للحكومة من
عدن، وتحويل كافة موارد الدولة المرصودة للتنمية في شبوة والبناء في
شبوة.

حيث نجحت مدينة عتق خلال عام مضى في انتزاع الأضواء من مدن يمنية كثيرة،
ومنها عدن ومأرب والمكلا وسيئون.

وفي حين كانت مدينة عتق، مهجورةً وقصية، ولا يقبل المسافرون التوقف فيها؛
لقلة الخدمات والبنى التحتية واضطراب الأوضاع القبلية والأمنية، إلا أنها
تحولت اليوم إلى المدينة الأكثر إقبالاً للآلاف من الزوار من عموم
المحافظات اليمنية الأخرى.

وحتى أعوام قليلة كانت مدينة عتق تستورد كل احتياجاتها من عدن، غير أنها
نجحت حالياً إلى حد كبير في انجاز عملية تحول ضخمة فيما يخص قطاعات
البنية التحتية واجتذاب حركة مشاريع استثمارية عديدة في مختلف المجالات.

صراع النموذجين

مؤخراً.. برز صراعٌ حول نموذجين تنمويين في الجنوب، الأول تتبناه الحكومة
الشرعية المعترف بها دولياً في عتق، والمشروع الآخر يقوده المجلس
الانتقالي الجنوبي في عدن.

حيث يصارع المجلس الانتقالي لتقديم عدن كمنموذج للمدينة التي تديرها
القيادات الموالية له، ورغم أن قطاعا كبيرا من المؤسسات الحكومية لايزال
يعمل في عدن الا ان الأنظار باتت مشتتة ما بين عدن وعتق والمكلا ومدن
يمنية أخرى.

ويتنافس الطرفان والنموذجان منذ أشهر لإظهار كل مدينة على أنها الأفضل،
حكماً وإدارةً واستقراراً أمنياً، وعكست حالة التنافس هذه نفسها على وضعي
المدينتين، حيث يلاحظ الزائر لعدن وعتق حجم الجهود المبذولة للخروج من
مظاهر الحرب والصراع التي عصفت بالمدينتين.

ورغم أن غالبية المشاريع المنفذة في عدن تقوم بها جهات رسمية تابعة
للحكومة الشرعية أو البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن إلا أن
الانتقالي يؤكد رعايته ودعمه لمثل هذه الجهود. بينما في عتق تفاخر
السلطات هناك بأن جميع مشاريعها المنفذة تستمدها من إيرادات محلية خالصة.

وفي الوقت الذي تعيش فيه شبوة استقراراً نسبياً على المستوى الأمني؛
تتحدث سلطات عدن عن أن أسباب الانفلات الأمني الحاصل في المدينة نابع من
حالة التآمر ضدها وعرقلة أعمالها، من قبل جهات وأحزاب تنتمي للحكومة
الشرعية ذاتها.

ومنذ نحو عامين.. لا يزال التنافس بين الطرفين قائماً، حيث يحاول كل طرف
تقديم المدينة الواقعة تحت سيطرته على أنها الأفضل على جميع الأصعدة.

غير أن إثبات أي منهما الأفضل، يحتاج إلى استعراض لواقع المدينتين
تنموياً وخدمياً وأمنياً، وهو ما ستتضمنه السطور التالية.

تنموياً وخدمياً

بنظرة مجردة لما يدور في شبوة، خلال العامين الأخيرين، وبحسب الإحصائيات
والأرقام التي تحدثت عنها مصادر في ديوان محافظة شبوة، فإن هناك أكثر من
60 مشروعاً تنموياً نفذت في قطاع الطرق في المحافظة خلال الفترة المشار
إليها.

ولا غرابة في التركيز على جانب الطرقات، فشبوة "المحافظة الترابية" كما
يسميها كثيرون، حرمت من الطرق المسفلتة منذ عقود، حتى بات الوصول إلى
مدنها وقراها في غاية الصعوبة نظراً لوعورة الطرقات.

وفي مجال التعليم الجامعي هناك أكثر من تسعة مشاريع تحديثية، وبناء مبان
جديدة وقاعات إضافية، كما أن هناك أكثر من 35 مشروعاً في قطاع التعليم
الأساسي والثانوي والجامعي والمهني، من أبرزها بناء مدارس جديدة وفصول
إضافية وترميم مدارس ومباني الكليات وبناء قاعات جديدة واعتماد بناء مبنى
جديد لكلية التربية جاري تنفيذه، واعتماد نحو 1200 وظيفة تعليمية لأبناء
المحافظة.

بالإضافة إلى أكثر من 30 مشروعاً نفذ في البنية التحتية في قطاع
الكهرباء، كان أبرزها ايصال شبكة التيار الكهربائي (الضغط العالي) إلى
أكثر من 7 مديريات ظلت محرومة من التيار الكهربائي خلال السنوات الماضية.

هذا الواقع التنموي في شبوة، يقابله واقع مؤلم في مدينة تعتبر عاصمةً
للجنوب، ولليمن عموماً، غير أنها افتقرت منذ نحو عام كامل لمثل هذه
المشاريع، خاصةً في مجال الطرق.

فزيارة واحدة لمدينة عدن في ساعات الذروة تؤكد أنها بحاجة لمشاريع طرق
جديدة وتوسعة وبناء جسور للتغلب على الازدحام الحاصل في الجولات الرئيسية
والطرق العامة.

وليس أبناء عدن ببعيدين عن مهزلة مشروع الطريق البحري التي ظل شهوراً
طويلة متعثراً، وكلف أهالي عدن وقتهم وممتلكاتهم من السيارات حتى تم
تعيين محافظ جديد لعدن، أعاد إحياء مشروع الطريق البحري.

كما أن عدن افتقرت منذ سنوات لمشاريع تعليمية وجامعية، ولم تشهد المحافظة
أية توسعة أو بناء فصول دراسية، حتى مع تواجد الحكومة اليمنية الشرعية في
المدينة، ورغم استقبال عدن لآلاف الأسر النازحة من محافظات شمالية عديدة،
ومناطق الجنوب الأخرى مثل يافع والضالع، وعودة المغتربين، فاقمت فيها
الأزمات والازدحام، إلا أن شيئاً لم يطرأ على صناع القرار لمواجهة هذا
التزايد الكبير.

كما أن مشاكل الخدمات في عدن تراجعت مؤخراً ولم تتحسن كما كان متوقعاً،
فالكهرباء تنطفئ في الشتاء وهو ما لم تعهده المدينة من قبل.

بالإضافة إلى تراجع خدمات المياه وانقطاعها بالكامل عن أحياء ومناطق
مرتفعة في صيرة والتواهي والمعلا، في صورة قاتمة لمدينة عدن، التي تراجعت
فيها مظاهر الحياة وخدماتها كثيراً، مقابل انتعاش مدن أخرى كانت محرومة
لعقود، مثل عتق.

ميناء عدن ومرافئ شبوة

الطبيعة البحرية في عدن، منحتها ميناءً استثمره البريطانيون بكل ثقله
وبكل ما يحمله من قدرات ومقومات وامتيازات، حتى أنهم أدركوا أهميته
مبكراً فبادروا إلى احتلاله.

إلا أن دولة ما بعد الاستقلال لم تلقِ له بالاً، ولم تستثمره اقتصادياً
أو تجارياً، لكنها استغلته عسكرياً ومنحته للاتحاد السوڤييتي للسيطرة على
باب المندب خلال الحرب الباردة.

وبات هذا الميناء محل اهتمام وصراع للأطماع الإقليمية، حتى تم تهميشه
تماماً من 2015 حتى اليوم، رغم ما يدخله من إيرادات حالياً، بالرغم من
قلة النشاط التجاري فيه، بسبب خضوعه لسيطرة المتحكمين في عدن والمسيطرين
على مقدرات التجارة والاقتصاد والحياة برمتها.

في المقابل، ثمة نشاط وتوجه عام في شبوة، لاستعادة إحياء موانئ المحافظة
المطلة على بحر العرب، واستعادة ميناء بلحاف المصدر للغاز الطبيعي، وهي
جهود نابعة من إدراك الأهمية بعودة نشاط هذه الموانئ في خدمة المحافظة.

ورغم أن غالبية الموانئ في شبوة مجرد مرافئ لم ترتقِ بعد إلى مستوى
الميناء، إلا أن ثمة توجها حكوميا لإحيائها وتطويرها، وهو أمر إذا نجحت
فيه السلطات المحلية قد يؤدي بالفعل إلى تهميش ميناء عدن عملياً.

أمنياً وعسكرياً

وعلى المستوى العسكري، يلاحظ مراقبون أن الجيش اليمني في شبوة يأتمر
بإمرة قيادة موحدة، تابعة للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ذات الحال
بالنسبة للأجهزة الأمنية المختلفة.

وهو ما انعكس واضحاً وجلياً في معارك شبوة التي خاضتها ضد قوات المجلس
الانتقالي والنخبة الشبوانية في سبتمبر 2019، والتي استطاعت فيها القوات
الحكومية طرد النخبة والوحدات الموالية للانتقالي من عتق ومديريات شبوة
الأخرى.

حتى وإن طالت هذا الجيش اتهامات بانتماءاته الإخوانية والإصلاحية،
وتمويله القادم من تركيا وقطر، بحسب موالين للانتقالي، إلا أن واحديته
وارتباطه بقيادة واحدة جعل منه ثابتاً في مواجهة قوات الانتقالي حينها،
ودعمه مؤخراً لقوات الحكومة المتواجدة في أبين خلال معاركها الأخيرة مع
قوات الانتقالي.

ورغم ما يطال السلطات الأمنية في شبوة من اتهامات بقمع المتظاهرين
السلميين، واعتقال النشطاء الحقوقيين والإعلاميين المناهضين للسلطات
المحلية، وهي حوادث أثبتتها تقارير المنظمات الراصدة، إلا أن ما يميز
أجهزة الأمن في شبوة عن نظيرتها في عدن، هو انخراطها في مؤسسة واحدة، غير
متعددة الانتماءات والولاءات والمسميات.

وهي حقيقة مؤلمة ملموسة في عدن، فثمة مسميات وجهات أمنية متضادة، بل وحتى
متقاتلة فيما بينها، كما حدث قبل نحو عام من اقتتال فصائل أمنية في كريتر
بعد محاولات إعادة الانتشار وتوزيع المهام والمسئوليات بين قادة الأجهزة
الأمنية.

حتى أن أهالي المعتقلين والمخفيين لا يعرفون أي جهة مسئولة عن اعتقال
ذويهم وأبنائهم.

وهذا ما انعكس على واقع الأمن في المدينة، التي تعيش انفلاتاً أمنياً إن
لم يكن فوضى أمنية، أبرز عناوينها الاختطافات والاغتيالات، التي تفاقمت
مؤخراً بتسجيل أربع حالات اغتيال في أقل من 24 ساعة بمدينة عدن.

لكن كل ذلك لا يعني أن أمن عدن عاجز عن تحقيق إنجازات أمنية أو اعتقال
متورطين في جرائم جنائية أو إرهابية، بل أن حادثة اكتشاف شحنة المخدرات
قبل نحو شهرين، تؤكد الجهود التي يبذلها أمن عدن، وغيرها من ضبط
المتورطين في جرائم الاغتيالات والسرقات ومروجي المخدرات.

بالإضافة إلى قدرات الوحدات العسكرية على التصدي للقوات الحكومية قبل
أشهر، ومنعها من دخول مدينة عدن، واستمرارها حالياً بالمشاركة في معارك
أبين، كل ذلك يؤكد تماسك قوات الانتقالي، حتى ولو لم تكن منخرطة في مؤسسة
أمنية وعسكرية واحدة.

عدن ينتظرها الأفضل

قد يُرجع كثيرون الإنجازات التي تحققت في شبوة إلى وجود محافظ حريص على
تنمية محافظته وخدمة أبنائها مثل المحافظ محمد بن عديو، وهو ما ينسب إليه
كل ما تحقق تنموياً وخدمياً وأمنياً وعسكرياً.

وبغض النظر عن صحة هذا الأمر من عدمه، تملك عدن محافظاً لا يقل شأناً عن
بن عديو، هو المحافظ أحمد حامد لملس، الذي أثبت في شهوره الأولى أنه قادر
على انتشال عدن من واقعها، واستعادة أمجادها ومكانتها الاقتصادية
والتنموية والتجارية.

وهو ما ينتظره أبناء عدن ويتوقون إليه، حتى لا تبقى مدينتهم أقل شأناً من
غيرها، وهو تنافس يصب في خدمة وتطوير كل المدن والمحافظات اليمنية.

فلا ضير من أن تكون هناك أكثر من مدينة متطورة ومستقرة وآمنة، ومكتفية
تنموياً وخدمياً.