آخر تحديث :الثلاثاء-19 مارس 2024-07:51ص

ملفات وتحقيقات


من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد: لماذا قال الأمير محمد الحسين للصحفيين أن منطقة الوديعة أرض يمنية وما سبب اتهام الأمير السديري له بالتنكر لمعروف السعودية ؟

السبت - 28 نوفمبر 2020 - 01:21 م بتوقيت عدن

من مذكرات الرئيس علي ناصر محمد: لماذا قال الأمير محمد الحسين للصحفيين أن منطقة الوديعة أرض يمنية وما سبب اتهام الأمير السديري له بالتنكر لمعروف السعودية ؟

(عدن الغد)خاص:

"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( السابعة و الاربعون )

متابعة وترتيب / د / الخضر عبدالله :

تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق لــ" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .

وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .

وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .

حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيه ..

اتصال الأمير سلطان بالأمير محمد الحسين كان لهذا السبب !

أثناء نشر مذكرات السيد علي ناصر الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الدميقراطية الشعبية ما يسمى قديماً ( جنوب اليمن ) نكتشف بين ثنايا هذه المحطات التاريخية , امور وكأن بعض القراء لايعلمون بها سبيلاً ففي العدد الفائت تعرفنا كيف نصح الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر بعدم تصعيد الحرب في الوديعة مع السعودية . وماذا كان موقف الشيخ أبو لحوم وحسن العمري بمساعدة الجنوبيين في معركتهم ؟ وفي هذا العدد يروي لنا حديثه مع الامير محمد الحسين وكيف اتصل به الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدفاع والطيران طالباً منه دعم القبائل الموالية للسعودية للقتال إلى جانبها .. ثم يتحدث عن العلاقة بين الجمهورية العربية اليمنية والمملكة العربية السعودية بقية التفاصيل نتركها للسيد الرئيس يرويها لنا حيث استطرد قائلاً :" وروى لي الأمير محمد الحسين أنه أثناء معركة الوديعة عام 1969، اتصل به في الطائف الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وزير الدفاع والطيران، وطلب منه التوجه إلى الشرورة، وفي اليوم التالي توجه إلى الشرورة، وكان في استقباله هناك الأمير خالد السديري، أمير نجران (آنذاك)، وكان الهدف من هذه الزيارة طلب الدعم من القبائل الموالية له للقتال إلى جانب القوات السعودية، وقال إنه وصل وأبلغه الأمير أنّ الأمور حُسمت، والمعركة انتهت مع النظام الشيوعي في الجنوب، باستعادة الوديعة وإعادة حرس الحدود والجيش إليها، وشكر ابن الحسين على حضوره، لكنه طلب منه أن يتحدث مع الصحفيين الذين جاؤوا لتغطية أخبار "حرب الوديعة"، وكان هؤلاء الصحفيون متلهفين لمعرفة مجريات الأحداث في المعركة، فنظر الأمير خالد السديري إلى الأمير محمد بن الحسين، وقال له:
أسألك بالله أن تتحدث مع الصحفيين بكل صراحة، هل هذه الأرض يمنية أم سعودية؟
حاول الأمير محمد بن الحسين التهرب من السؤال، وقال: أعفني من هذا السؤال. لكن الأمير السعودي أصرّ على سؤاله أمام الصحفيين والحاضرين!


الامير محمد الحسين للأمير السديري الوديعة أرض يمنية !

وحول قول وأمام إلحاح الأمير السديري، انحنى الأمير محمد بن الحسين إلى الأرض، وأخذ حفنة من التراب، ونظر إلى الأمير خالد السديري، وقال له: والله إنّ هذا التراب ملمسه يمني، ورائحته يمنية، وإنني أقف على أرض يمنية.
فانزعج الأمير خالد السديري، وقال له: ماذا تقول يا ابن الحسين؟
قال الأمير محمد: لقد سمعتها.
قال الأمير السعودي: قُلها مرة أخرى!
فكررها الأمير محمد بن الحسين على مسمع الأمير السعودي مرة ثانية، فقال الأمير السعودي: أنت بلا معروف، وتنكر ما قدمته لك المملكة التي راهنت بملكها ومالها لتعيدكم إلى صنعاء، وهذا هو الجميل!
فردّ عليه ابن الحسين، قائلاً: جميلكم في أعناقنا... وفي أعناق الشعب اليمني... ولكنني لم أقل إلا الحقيقة، لأنك سألتني بالله.
وهذه رواية الأمير حول حرب الوديعة (1) عندما التقيته في حفل إفطار بمنزله في عمّان عام 1994 لأول مرة، بحضور أخيه الحسن، ومستشار الملك الحسين السيد محمد السقاف، والشيخ محسن أبو نشطان.
المهم أننا لم نعد إلى عدن إلا وقد انتهى كل شيء، وقُضي الأمر، وجرى فيما بعد بمبادرة من الصليب الأحمر الدولي تبادل الأسرى بين البلدين.
وكانت هذه المواجهة مدخلاً أمام تطبيع العلاقة بين الجمهورية العربية اليمنية والسعودية. فقد بدأ الطرفان في التطبيع لمواجهة ما سمَّوه "الخطر الشيوعي من عدن"، وأنه لا يمكن السماح بإحراق خيمة شبه الجزيرة العربية من طرفها الجنوبي، ويعني الملك فيصل بذلك أنّ النار بدأت من عدن في أقصى جنوب الجزيرة!

خسر الجانب الملكي معركته الطويلة مع النظام الجمهوري في صنعاء .. كيف كانت ؟

ويردف السيد الرئيس بحديثه قائلاً :" وهكذا يتضح أنّ مصائب قوم عند قوم فوائد، كما أشرتُ آنفاً، حيث بدأت صنعاء بمحاولة جني ثمار التوتر بيننا وبين السعودية. وخسر الجانب الملكي معركته الطويلة مع النظام الجمهوري في صنعاء، وتوزعوا في كل أنحاء العالم بعد تطبيع العلاقة بين الرياض وصنعاء، وانتقل عدد كبير من عناصر المعسكر الجمهوري المعادي للمملكة (في الحروب بين عام 1962م وعام 1970م) إلى جانب المملكة في حروبها ضد النظام في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ ذلك الحين وحتى عام 1976م عند تطبيع العلاقة بين عدن والرياض، واستمروا في انحيازهم إلى جانب النظام في المملكة حتى يومنا هذا.

ماذا قال عبدالله ( الفضول ) عن الشمال والجنوب ؟

وحول اللقاء بعدالله نعمان قال :" وبعد هذه الزيارة التقيت مع عبد الله عبد الوهداب نعمان (الفضول) أكثر من مرة، وعندما أصبحتُ رئيساً منحته وسام الآداب والفنون.
والفضول مشهور بسخريته، وأتذكر عندما قلّدته وسام الفنون والآداب على صدره، سأل عن امتيازاته، وعندما عددنا له مزايا حصوله عليه، قال: أهم شيء التنباك (التبغ) والعسل اللذي كنت أهديهما إليه بين الحين والآخر.
كتب ابنه عبد الكريم نعمان في وقت لاحق (2): في العام الذي قلّد فيه الرئيس علي ناصر والدي وسام الدولة، طلب علي ناصر من الفضول أن يبقى أياماً معدودة (نفتهن ونخزن ونرتاح من غير سياسة ومن غير رسميات)! قبل والدي بشروط مهمة ثلاثة: (القات صناحفي من صبر، والتمباك من غيل باوزير، والمداع منيباري)! وفي آخر يوم قبل سفره إلى تعز بطريق البر، قال الرئيس علي ناصر:
"يا فضول، شوف ذلحين كلنا من الجنوب وما فيش أحد من الشمال، أشتي أسألك بس تجاوب بصراحه إيش أحسن الجنوب وإلا الشمال؟!"
وبالطبع كان الرئيس يريد تعليقاً ظريفاً وذكياً من الفضول.
قال الفضول:
"الشمال شتات والجنوب جنون! وخاطركم".
فهل نريد أن نعود إلى الشتات والجنون؟!! وسامحونا يا رئيس!

وأتذكر لقاءً عابراً في مطار عدن جرى بين الشاعر الفضول والدبلوماسي المصري أحمد عطية المصري عندما حاول الأخير أن يحتضنه بحرارة، فقال الفضول:
ـ خليك بعيد... تشتي تقيسني... علشان تروحني بصندوق؟!
وذلك كناية عن اختطاف المخابرات المصرية في تلك الأيام في روما أحد المعارضين للنظام المصري (3) وترحيله إلى القاهرة في صندوق .
وفي وقت لاحق كتب النشيد الوطني، وهو النشيد الرسمي لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ثم أصبح بعد الوحدة نشيداً للجمهورية اليمنية. كلماته:
رددي أيتها الدنيا نشيدي :: رددي وأعيدي وأعيدي
واذكري في فرحتي كل شهيد :: وامنحيه حللاً من ضوء عيدي
وحدتي :: وحدتي
يا نـشـيداً رائعـاً يـملأ نفسي .. أنت عهد عالـق في كل ذمّــة
رايتي .. رايتي
يا نسيجاً حكـته من كل شمس ... اخلـدي خافقـة في كل قمــة
أمتي .. أمتي
امنحيـني البـأس يا مصدر بأسي ... واذخريـنـي لك يا أكرم أمـة
عشـت إيـماني وحبي أمميا ... ومسيـري فـوق دربي عربـيا
وسيـبقى نبض قلبـي يـمنيا ... لن ترى الدنيا على أرضي وصيّا

( للحديث بقية )..

---------------------------------
هوامش /

1- بعد لقاء عمّان في رمضان مع أبو نشطان، استمرت الاتصالات بيننا في المناسبات الوطنية والدينية والشخصية، حتى وفاة الأمير محمد في ألمانيا، واستمر التواصل بيني وبين أخيه الحسن منذ ذلك التاريخ حتى شهر شباط/ فبراير 2014 قبل وفاته بـ 10 أيام. فقد اتصل بي من ألمانيا، وشعرتُ من كلماته واتصاله بأنها كلمات وداع عندما طلب مني أن أدعو له بالشفاء، لأنه سيجري عملية في الرئة في اليوم التالي، وتمنيتُ له الصحة ونجاح العملية. وبعد العملية اتصلتُ به أكثر من مرة، لكنه لم يكن يجيب، وبعد أربعة أيام من العملية اتصل بي يعتذر عن عدم تمكنه من الرد، لأنّ وضعه الصحي لم يسمح، وأخبرني أنّ العملية قد نجحت. وتفاجأت بعد ذلك بإعلان وفاته في ألمانيا، وقدمتُ التعازي إلى أسرته وإلى الأمير علي بن إبراهيم سيف الحق، الذي يقيم في السعودية، وتربطني به علاقة منذ كان كان مقيماً في قصره ومزرعته في سورية بمحافظة ريف دمشق، وهو الذي جمع في هذه المزرعة الكلاب والذئاب التي أتى بها وهي صغيرة وتعايشت معاً في عصر لا يتعايش فيه الأخ مع أخيه.
2- عبد الكريم نعمان - ملاطم في الطريق.
3- أحمد عطية المصري : عمل قنصلاً في تعز وقائم أعمال في تنزانيا، وانتقل بعد ذلك إلى عدن عام 1969م، قائماً بأعمال للجمهورية العربية المتحدة (مصر).