آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

ملفات وتحقيقات


تحليل سياسي: لماذا قَبِل المؤتمر الشعبي- على مضض- التوزيع المتفق عليه للحقائب الوزارية؟

السبت - 31 أكتوبر 2020 - 08:44 ص بتوقيت عدن

تحليل سياسي: لماذا قَبِل المؤتمر الشعبي- على مضض- التوزيع المتفق عليه للحقائب الوزارية؟

(عدن الغد)خاص:

ما هي التضحيات التي قدمها المؤتمر في سبيل وحدة اليمن وسيادته؟

ما مصير الحكومة الشرعية ومن يتربص بها.. وما مخاوف بن دغر؟

هل نحن بالفعل أمام المحاولة الأخيرة لإنقاذ الشرعية؟

ما هي استراتيجية النصر على الحوثيين والمشروع الإيراني؟


قراءة / بديع سلطان:

ما فتئ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي،
والمشاورات الجارية في العاصمة السعودية لتشكيل الحكومة الجديدة، تثير
حفيظة الكثير من السياسيين والمراقبين اليمنيين.

فالتعتيم الإعلامي حول نتائج المشاورات، ووصف ما خرج منها مؤخرًا إلى
وسائل الإعلام المحلية فيما يخص الحكومة المرتقبة بأنه مجرد "تسريبات"،
يوحي بأن ما يدور في كواليس مشاورات تشكيل الحكومة يمكن أن يرتقي إلى
مستوى "الحرب السياسية" بين المكونات والأحزاب اليمنية المشاركة.

وباستثناء موقفي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي، لم تعلن بقية
المكونات، سواء الحزبية منها أو الحراكية، مواقفها من التسريبات وتوزيع
حقائب الحكومة القادمة، غير أن المؤكد أن تثير هذه المحاصصة المسربة
حفيظة الكثير من الكيانات السياسية، إلا أنها لم تبح بذلك علانيةً.

ويبدو أن السياسي اليمني، ومستشار رئيس الجمهورية الدكتور أحمد عبيد بن
دغر، والذي نُشر مؤخرًا، هو الوحيد الذي وجد في نفسه جرأةً للحديث عن
تعرض حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يشغل بن دغر منصب نائب رئيس الحزب
فيه، للهضم في عملية توزيع الحقائب الوزارية.

ولإبداء وجهة نظره، ومن المؤكد وجهة نظر حوب المؤتمر الشعبي تجاه تلك
المعضلة، نشر الرجل مقالاً حمل الكثير مما يوحي بذلك الاستياء تجاه
المحاصصة السياسية لحقائب الحكومة الجديدة، من قبل العديد من المكونات،
وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام.

غير أن مقال بن دغر لم يقتصر على استعراض وجهة نظر المؤتمر الشعبي إزاء
المحاصصة، بل حمل الكثير من الإشارات والدلالات حول رؤيته- كسياسي يمني-
لواقع اتفاق الرياض ومشاورات تشكيل الحكومة، بل وحتى مصير حكومة الشرعية
اليمنية، وهذا ما أهّل مقال الرجل وجعله تحت طائلة التحليل والقراءة
المعمقة لكل ما جاء فيه.

تحفظ المؤتمر

بالنسبة لعملية توزيع الحقائب الوزارية خلال مشاورات الرياض، كشف بن دغر
في مقاله سعي- المؤتمر الشعبي العام- إلى ضمان الوصول لآلية توزيع أكثر
"عدلاً"، بحسب وصفه، حيث قال: "لقد بذلنا جهدنا لتكون آلية توزيع الحقائب
الوزارية أكثر عدلاً".

لكن يبدو أن المؤتمر الشعبي العام قَبِل بمقترح المحاصصة، مع إعلانه عن
تحفظه لدى جميع المكونات، وأبلغ المؤتمر هذا التحفظ لرئيس الجمهورية
ورئيس الوزراء المكلف، ووفق ما جاء في مقال بن دغر، غير أنه ألمح ضمنياً
عن استيائه من تسريب المقترح إلى وسائل الإعلام.

وبدا ذلك من الفقرة التي تضمنها المقال والتي أشارت إلى: "... تحفظنا على
المقترح الذي يعرفه الجميع، وتم تسريبه لوسائل الاعلام، وأبلغنا موقفنا
هذا في حينها للأخ رئيس الوزراء والأخ الرئيس".

ويقترح مراقبون أن بن دغر كان يشير إلى تحفظ المؤتمر الشعبي على أمرين،
الأول التحفظ على "نوعية" الوزارات المخصصة للمؤتمر، باعتبارها وزارات
"هامشية"، أما الأمر الآخر فيتعلق بتحفظ المؤتمر على منح المجلس
الانتقالي وزارات معينة، رغم تأكيده الترحيب بالتوافق حولها، ملمحاً إلى
أن المؤتمر يقدم أي توافق جماعي على أية مصالح حزبية قد يراها
المؤتمريون.

إلا أن بن دغر جدد التأكيد على سعي المؤتمر الشعبي الحصول على توزيع
"عادل"، لعملية "التحصيص الوزارية"، من خلال اقتراح آلية محددة.

جاء ذلك في قوله: "... مرحبين بما تم التوافق عليه في شأن الوزارات التي
أسندت للمجلس الانتقالي، مقترحين آلية عادلة فيما تبقى من الوزارات".
بحسب المقال.

القبول على مضض

يبدو أن المؤتمر الشعبي العام آثر الإبقاء على علاقاته السياسية محلياً
وإقليمياً ودولياً بالمكونات اليمنية واللاعبين الدوليين المؤثرين، رغم
عدم اقتناعه بعملية المحاصصة والتوزيع الوزاري.

كما أن هذا الإيثار السياسي جاء على حساب نصيب المؤتمر في التشكيل
الحكومي القادم، رغم رفضه المستمر، لولا تدخلات خارجية وضغوطات دولية على
الفرقاء اليمنيين، ساهمت في تمرير المحاصصة السياسية.

يشير بن دغر في مقاله إلى: "كان هناك رفض مستمر، صاحبته تدخلات من بعض
السفراء تم الإيعاز بها، وكان أمامنا خياران، إما القبول بما عرض علينا،
أو الرفض وعدم المشاركة في الحكومة، فنبدو متطرفين معرقلين، وفي أحسن
الأحوال مغردين خارج السرب أمام حلفائنا في الشرعية وأشقاءنا في التحالف
وأصدقائنا في المجتمع الدولي، فالرفض والقطيعة في بعض التفاصيل ليست من
الحكمة والكياسة في شيء".

ومن الفقرة الماضية التي تضمنها مقال نائب رئيس المؤتمر، يتأكد أن ثمة
ضغوطات جرى ممارستها على السياسيين اليمنيين من جهات دولية، أشار إليها
بن دغر صراحةً ودون مواربة، ونتيجة لذلك فضل المؤتمريون الموافقة على
طريقة المحاصصة للحفاظ على علاقة الحزب بالجميع.

مخاوف بن دغر

عُرف عن بن دغر انه رجل دولة، وسياسي مخضرم، بغض النظر عن الاختلاف أو
الاتفاق معه، إلا أن تاريخه السياسي والحزبي يشفع له.

لهذا فإن المقال الأخير للرجل حمل الكثير من التحذيرات المتعلقة بالأحداث
الجارية، كما تضمن استشرافاً للمستقبل، في كل ما يتعلق باتفاق الرياض
الذي لم ينفذ بعد، بالإضافة إلى مخاوف عديدة على مصير الحكومة الشرعية
الذي يعتبر بن دغر أحد رموزها ورجالاتها.

حيث دعا إلى ضرورة تطبيق بنود اتفاق الرياض السياسية والعسكرية بالتزامن
دون تأخير إحداها عن الآخر، وهنا يبدو حديث بن دغر مليئاً بالتحذير
والتلميحات من إمكانية عدم تطبيق بنود الاتفاق الأمنية والعسكرية.

يقول في مقاله: "... ليس هذا فحسب بل لا زلت ورفاقي في قيادة المؤتمر حتى
هذه اللحظة مع تطبيق متزامن للشقين السياسي والعسكري في اتفاق الرياض،
قبل الإعلان عن الحكومة، وهذا ليس مطلبنا فحسب بل إنها التزاماتنا
المشتركة المنصوص عليها في الاتفاق وآلياته الموقع والمتفق عليها".

ويُرجع بعض المحللين مخاوف بن دغر من عدم تنفيذ البنود العسكرية إلى
علاقته غير المستقرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، والتي لم تكن على ما
يرام حين كان رئيساً للحكومة الشرعية في عدن، بل أن تلك القوات التي يحذر
الرجل من عدم انصياعها لاتفاق الرياض سبق وأن حاربت وجوده في عدن خلال
مواجهات يناير 2018.

إلا أن كثيرين ينفي صفة الشخصنة في نهج بن دغر وسلوكياته، وحتى تلميحاته
في هذه الفقرة من مقاله، ولكنه يستشهد بالمرجعيات التي يمثلها اتفاق
الرياض والتزاماته وآلياته المزمنة لتسريع تنفيذه، والذي لم يتم حتى
اليوم.

مخاطر على سيادة اليمن

لم يقتصر حديث الدكتور بن دغر في مقاله على موضوع المحاصصة، وموقف
المؤتمر الشعبي العام منها، وتحفظه على نقاط عديدة فيما يخصه، بل تعدى
ليتناول قضية مصير الوحدة اليمنية، وسيادة الدولة اليمنية واستقرارها
وأمنها.

وكل ذلك في مقال بن دغر كان مرتبطاً بطريقة تنفيذ اتفاق الرياض، الذي رأى
الرجل أن طريقة تنفيذ بنوده يمكن لها أن تؤثر على مصير سيادة الدولة
اليمنية، بالإضافة إلى مخاطر التنفيذ الجزئي للاتفاق، والتي من المحتمل
أن تنعكس تأثيراتها ليس على اليمن فقط، بل وحتى على المنطقة برمتها.

يقول بن دغر: "إن عدم الإصرار على تنفيذ الاتفاق كاملا غير مجزأ وغير
منقوص كما نصت بنوده وكما جاء في الوثائق الأخرى التي تم التوقيع عليها،
إن عدم الإصرار بل والتصلب فيه يحمل في طياته مخاطر جمة وحقيقية على وحدة
وسيادة وأمن واستقرار اليمن، وعلى المنطقة كلها، وقد أبلغت وزملائي
موقفنا هذا للرئيس ولرئيس الوزراء المكلف وللأشقاء ولمن طلبوا رأينا من
المجتمع الدولي".

وتبدو رؤية الرجل لمستقبل البلد والمنطقة في حالة التنفيذ المنتقص لاتفاق
الرياض، وثيقة العلاقة بالمنطق، بالنظر إلى الانقسام الذي يمكن أن يحدث
في اليمن، نتيجة عدم نزع أسلحة الكيانات المناهضة للحكومة الشرعية،
باعتبار أن هذه الأخيرة هي من تمثل الدولة اليمنية، ووحدتها وسيادتها.

كما أن أي انتقاص او اجتزاء لاتفاق الرياض الذي ينظر إليه العالم
والمجتمع الدولي بأنه بداية للحل الشامل والتسوية النهائية للصراع اليمني
حتى مع الحوثيين، قد يؤدي البلد إلى مزيد من التشظي والانقسام، وبالتالي
ارتهان قرارها السيادي لسيطرة الخارج، سواء كان هذا الخارج البعيد أم كان
الجار القريب.

المحاولة الأخيرة لإنقاذ الشرعية

ورغم النظرة السوداوية التي حملتها بعض فقرات مقال بن دغر، وتوقعاته "غير
الوردية" لمستقبل اليمن وسيادته، جراء عدم التنفيذ الجيد لاتفاق الرياض،
إلا أن المقال حمل في طياته إشارات أمل، حتى ولو كانت ضئيلة وغير كافية.

فالرجل يرى أن القبول بالتوزيع الحالي للحكومة المرتقبة من قبل قيادات
حزب المؤتمر الشعبي العام، يفسح المجال لإمكانية إصلاح الوضع الداخلي
للبلد، سياسياً وعسكرياً، حتى وإن كان ذلك على حساب حصة المؤتمر ونسبته
من هذه المحاصصة.

وهو بذلك يشير إلى ما يمكننا تسميته ووصفه بـ"تضحية" المؤتمر لصالح
الوطن، وفق رؤية بن دغر، الذي برر تلك التضحية بما وصلت إليه البلد من
صراعات وأزمات، في ظل عدم وجود أي حلول ممكنة أخرى، وفق إشارته في مقاله.

غير أنه يربط هذه التضحية كما يصفها، بسعي المؤتمر الشعبي "لإنقاذ جبهة
الشرعية"، لافتاً إلى وجود أطراف- لم يسمها- ترغب في "تغييب" الشرعية عن
المشهد السياسي بشكل كلي، إلا أن المؤتمر حريص على إبقائها، باعتبارها
رمز للحفاظ على وحدة اليمن.

يقول: "... ليست المشاركة المؤتمرية في الحكومة بهذا التوزيع غير العادل
للحقائب الوزارية إلا محاولة أخرى، أخشى أن تكون الأخيرة، لإنقاذ ما يمكن
إنقاذه في جبهة الشرعية، التي تعيش مراحل صعبة من وجود يرغب البعض في
غيابه كليَّةً من المشهد السياسي، ونحرص على بقائها حرصًا على وحدة
الوطن".

هذا الخرص الذي يحرص عليه بن دغر، ويجتهد في الإشارة إليه، يربطه بأهداف
وطنية تمليها غايات حزب المؤتمر الشعبي العام، كما في الفقرة التالية،
التي تقول: "... لم نقايض مشاركتنا في الحكومة بأي شيئ، ولم نعطي لغير
الاعتبارات الوطنية مكانا في حساباتنا، ولسنا على استعداد للمقايضة،
ولكنها (مشاركتنا) في الحكومة مساهمة وطنية مؤتمرية دعماً لمقاتلينا وكل
الوطنيين الصامدين على اختلاف مشاربهم في كل الجبهات.

استراتيجية النصر

لم يكن حديث بن دغر عن مجريات اتفاق الرياض المشاورات المستمرة في
العاصمة السعودية بمنأى عن الحرب اليمنية مع العدو الحقيقي المتمثل في
المليشيات الحوثية، بالنسبة لحرب اليمنيين، ومع العدو الإقليمي المتجسد
في إيران بالنسبة للتحالف العربي.

لهذا يعتبر مراقبون أن بن دغر وضع في مقاله الأخير أهدافاً حزبية،
ووطنية، وأخرى إقليمية وعربية، وربط بينها حتى جعلها وحدةً موضوعية
مترابطة بإحكام، لم يستثني منها دور حزبه في تسهيلها والسعي نحوها، وتجلى
ذلك عبر رؤيته لكيفية الانتصار على المشروع الحوثي والإيراني على السواء.

فهو يعتقد أن النصر على الحوثيين، ومن وراءهم إيران ومشروعها في المنطقة
يمكن أن يتحقق من خلال رؤى استراتيجية بعيدة المدى، قد تبدأ بتشكيل حكومة
توافقية تضم الجميع وتوحيد جبهاتهم لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني.

وكما جاء في المقال، فإن "... مساهمة المؤتمر وقد قلبنا على كل الوجوه
مغزاها، في معركة نرى أن النصر فيها على الحوثيين وإيران ممكن، بل
وضروري، ضرورة الوجود الكريم ذاته، لكن تحقيق النصر فيها يتطلب خططًا
واستراتيجيات مختلفة".

ويبدو بن دغر موفقاً إلى حد بعيد وهو يقدم هذا التوصيف ثلاثي الأبعاد،
حزبياً ووطنياً وإقليمياً، انطلاقاً من النجاح في تشكيل الحكومة أولاً،
والتنفيذ الكامل وغير المجزأ لاتفاق الرياض، تمهيداً لمواجهة العدو الحقيقي.