آخر تحديث :الجمعة-29 مارس 2024-12:35ص

ملفات وتحقيقات


(تقرير).. هل ينجح محافظ عدن في تفكيك مراكز القوى التي تشكلت خلال ست سنوات؟

السبت - 17 أكتوبر 2020 - 08:44 ص بتوقيت عدن

(تقرير).. هل ينجح محافظ عدن في تفكيك مراكز القوى التي تشكلت خلال ست سنوات؟

(عدن الغد)خاص:

تقرير يبحث في أبعاد ودلالات حملة إزالة العشوائيات والبسط على الأراضي
بإشراف محافظ عدن

هل ستمتد أيادي الحملة إلى (هوامير) الأراضي والنافذين الكبار؟

معركة الرجل مع قوى الفساد.. أين سيبدأ.. وكيف سينجح؟

الدعم الشعبي للحملة هل سيمنح المحافظ مزيداً من القوة في مواجهة قوى الفساد؟

كيف يمكن للمحافظ لملس أن يدخل التاريخ إذا نجح في استعادة وجه عدن؟

لماذا يجب أن يدعم (الانتقالي.. الشرعية.. التحالف) وجميع الأطراف المحافظ لملس؟

القسم السياسي (عدن الغد):

بخطى ثابتة.. يمضي محافظ محافظة عدن، أحمد حامد لملس في وضع بصماته
وتأكيد وجود الدولة، منذ الوهلة الأولى لتسلمه مهامه.

فرغم الوضع المزري الذي وصلت إليه عدن، وما زالت تعاني منه، ورغم تشكيك
العديد من الجهات والشخصيات بقدرة المحافظ على إحداث أي تغيير على هذا
الوضع المتردي، غير أن لملس أثبت عكس ذلك.

ولا يخفى على كثيرين ما تسببت به الأبنية العشوائية التي غزت مدينة عدن
بشكل جنوني عقب حرب 2015، بالإضافة إلى ممارسات البسط والنهب التي طالت
أراضي المواطنين الخاصة، وممتلكات الدولة وعقاراتها العامة، من تشويه وجه
المدينة وجمالها.

وهي ممارسات فاقمت من الواقع المنفلت الذي تعيشه عدن منذ ست سنوات، والذي
لم يقدر أن يلملم جراحاته أيٌ من المسئولين والمحافظين الذين توالوا
وتعاقبوا على المحافظة.

غير أن التوافق السياسي لأطراف الصراع في عدن والجنوب عموماً، والرغبة
الجامحة لوضع حدٍ لمسلسل التردي الاقتصادي والمعيشي والخدمي وحتى
الجمالي، صنع حالةً جمعية من الضغط المجتمعي نحو تغيير هذا الواقع،
وتقويم اعوجاجه.

ويبدو أن هذا الإحساس الجمعي بخطورة استمرار الأوضاع على ما هي عليه، هي
من دفعت المحافظ، بصفته الوظيفية، أو ربما حتى أي مسئول آخر كان يمكن أن
يضعه القدر مكانه، إلى تبني هموم الناس والعمل على انتشال أسباب التردي،
ومعالجة كافة الاختلالات.

لكن هذا الدافع، لا يخلو أبداً من المخاطر والتحديات والصعوبات، فكما أن
هناك من ينزعج من مثل هذه الممارسات التي شوّهت وجه عدن الحضاري- وهم
أغلبية- هناك من ستتضرر مصالحه- رغم أنهم قلة قليلة- غير أنهم استفادوا
من بقاء الأمور على انفلاتها، وغياب يد الدولة.

وهنا تكمن المعضلة، والتحدي الأكبر، فحملة إزالة العشوائيات، على
أهميتها، إلا أنها تبدو مثل عملية جس نبض، وانطلاقة صغيرة نحو ما هو أكبر
وأكثر أهمية، والنجاح في هذه المهمة هو نجاح للمحافظ والراغبين في تغيير
أوضاع عدن للأفضل، وتمثل بداية لعودة يد الدولة وهيبتها من جديد.

أعوام من التجاوزات

دخلت مدينة عدن منعطفاً خطيراً عقب تحريرها من الحوثيين الانقلابيين
ومليشياتها التي عاثت في المدينة الفساد، وكانت مرحلةً من اللادولة التي
بدأت حتى قبيل دخول المليشيات الحوثية إلى عدن.

وتشكلت بناءً على تلك المرحلة ملامح مجافية ومنافية لما عُرف عن عدن
وأهلها، حيث انتشرت الأسلحة، والجماعات والعصابات المسلحة في كل أزقة
وشوارع مديريات المدينة، تحت مسميات المقاومة- زعماً وادعاءً- فالمقاومة
منهم براء؛ نتيجة تصرفاتهم وممارساتهم.

ومضت سلوكيات هؤلاء في تغيير طبيعة عدن الحقيقية، ونشر الانفلات والتردي
الأمني الذي انعكس على كل مناحي الحياة، لكنه كان أكثر وضوحاً في جانب
البناء العشوائي والبسط والنهب الذي طال الخاص والعام على السواء.

كانت الممارسات الدخيلة تنتشر في كل مكان، وتنتهك حرمات المعالم الأثرية،
والمتنفسات العامة والحدائق، وحتى المدارس والمستشفيات، ووصلت حتى اقتحام
حرمة الموتى ومقابرهم.

أما الأراضي البيضاء، فيمكن الحديث عنها بلا حرج، حيث أنها من أوائل
المواقع التي يسيل لها لعاب الباسطين والناهبين، سواء كانت تابعة لعقارات
الدولة أو ممتلكات خاصة، هي ومنازل وأحواش وڤلل المواطنين الشخصية.

كل هذا كان يحدث خلال فترة السنوات العجاف الماضية، 2015 - 2020، بلا
رقيب أو حسيب، وكانت قوة السلاح والتدخل العنيف هو ما يستقوي به هؤلاء
النافذون والباسطون، رغم أن كثيرين منهم منتسبون لأجهزة الدولة، بل وحتى
الأجهزة والمؤسسات الأمنية، وهو ما يدعو للغرابة.

اتهامات بتورط الجهات المعنية

يُرجع البعض تلك الممارسات التي شهدتها عدن خلال السنوات الست، إلى
الوافدين إليها من خارج المدينة، غير العارفين بحرمة مناطقها وسهولها
وجبالها التي تم البسط عليها.

غير أن تبريراً مثل هذا يسقط مع أول مواجهة وتفنيد منطقي، فالباسطون
والناهبون ينتمون إلى أجهزة ومؤسسات كان يفترض بها أن تقوم بحماية كل ما
تم البسط عليها، أو نهبه، أو البناء العشوائي عليه.

وحتى وإن لم ينتم الباسطون إلى مؤسسات رسمية، إلا أن من يبسط أو يبني
يستعين بأطقم عسكرية وأمنية، تحمي انتهاكاته واعتداءاته على أراضي عدن
وجبالها ومعالمها التاريخية.

وهي حقائق تؤكدها قبل مشاهدات المواطنين، التقارير الرسمية الصادرة عن
المنظمات الحقوقية، والتي تشير إلى تورط شخصيات ومنتمين لجهات معنية،
بعمليات البسط والبناء العشوائي.

يل أن من يحاول الكشف أو اتهام تلك الجهات أو من ينتمي إليها يعرض نفسه
للخطر والتهديد، وهو يثبت أن هناك مراكز قوى ومتنفذين يقفون خلف كل تلك
الممارسات، لا يمكن لأي محافظ أن يقف في وجههم بمعزلٍ عن دعم الدولة
والمواطنين أيضاً.

تفكيك مراكز القوى

لا يختلف اثنان على أن التركة التي يواجهها محافظ عدن حالياً ثقيلة،
والملفات التي جاء لمعالجتها ساخنة، لدرجة أنها قد تحرق أيدي من يحاول
الاقتراب منها.

إلا أن الطريق الذي رسمه المحافظ لنفسه، حين كان يكرر مراراً في كل
مناسبة تسنح له الفرصة فيها، ويؤكد "أنه جاء لخدمة عدن وأبنائها، وإن لم
ينجح في إحداث أي تغيير فعليه أن يرحل"، أو هكذا كان يقول.

ومن خلال كلمات لملس تلك يتضح حجم إدراكه لخطورة المهمة، ويقينه أن ثمة
مراكز قوى في عدن، لن تسمح له بأن يضر مصالحها، حتى وإن بدت تلك المصالح
في بناء عشوائي على جبل أو معلم تاريخي أو مقبرة.

فانتصار المحافظ في أي عمل يقوم به، حتى وإن ظهر صغيراً، إلا أنه يعني
الكثير في طريق تجاوز مراكز القوى والمتنفذين الذين أسسوا لثقافة
الاستيلاء والبسط والنهب منذ سنواتٍ ستٍ مضت.

ومن الطبيعي أن يعاني المحافظ ومن معه من فريق، وقد يجد مشقةً وهو يمضي
في هذا الدرب الصعب، لكن ما دام أنه نذر نفسه لهذا العمل فلا بد أن يكمله
حتى النهاية، إذا أراد الخير لعدن وأهلها، كما قال وأكد في أكثر من
مناسبة.

ويرى محللون أن الرجل يسير بخطى ثابتة ومدروسة؛ عطفاً على ما قام به خلال
أشهرٍ ثلاثة أو تزيد، منذ بداية توليه المهمة.

فقد بدأ بوضع لبنات أولى لعمله، وهو ما زال في الرياض، ولم يتسلم بعد
مهامه داخل عدن، حيث استطاع وضع مصفوفة عملية، كانت على قائمتها الجوانب
الخدمية، بالإضافة إلى البسط والنهب والبناء العشوائي، بحسب المحللين.

كما أنه بدأ بتغيير مدراء المديريات، وهو إجراء كان لا بد منه، بعد أن
قعدت القيادات السابقة طويلاً، ولم تقدم شيئاً، رغم إخلاص عدد منهم
وإثبات جدارته، إلا أنه كان لزاماً ولا بد من تغيير الدماء على رأس
المديريات الثمان.

وهي أولى إرهاصات التغلب على مراكز القوى، وفقاً لتأكيدات المراقبين،
الذين ربطوا بين تغيير مديري المديريات، وبين مواجهة المتنفذين، وحتى وإن
بدا الأمر وكأنه لا وجود لأي علاقة، إلا أن هذا الإجراء لا يخلو من
الرمزية.

حيث أن السلاسة والعفوية التي سارت فيها عملية الاستلام والتسليم، وحتى
سرعة إنجازها، جملت مؤشرات لا يمكن إغفالها، أولها أن التغيير قادم لا
محالة، وأن هذا التغيير سيتم بطريقة ناعمة وسهلة، كما أن التغيير الحقيقي
للواقع في عدن سيبدأ من المديريات.

وبهذه الطريقة، يمكن للمحافظ لملس أن ينجح وينتصر في مهامه على مراكز
القوى التي بدأت تتململ وتضجر مما بدأ يلوح في الأفق من تغيير حتمي
يحتاجه العدنيون ويرنون إليه بشدة.

تصعيد الحملة واستهداف (الهوامير)

ثمة شعور مجتمعي وشعبي بحصول المحافظ لملس على دعمٍ في حملته ضد البناء
العشوائي والبسط على الأراضي والبناء عليها خارج القانون.

وبدأ هذا الشعور بالتنامي مع توجيهات المحافظ بإزالة الاستحداثات على
متنفسات صيرة قبل نحو شهر أو يزيد، وتضاعف هذا التعاطف مع بدء حملة إزالة
البناء العشوائي الحالية التي تركزت على جبل شمسان ومرتفعات المعلا
وكريتر وغيرها.

وهو ما دفع بالأهالي والمواطنين إلى دعوة المحافظ لملس بتصعيد حملته التي
نالت رضا المواطنين، وحظيت بدعمٍ شعبي، من خلال عدم الاكتفاء باستهداف
استحداثات المواطنين البسطاء، بل والتركيز بشكل أكبر على كبار الباسطين.

وهو ما كان واضحاً من المطالبات التي تم رصدها عبر وسائل التواصل
الاجتماعي، التي حثت المحافظ على استهداف هوامير البناء العشوائي، وكبار
النافذين، ممن يتوجهون نحو أراضي عدن البيضاء، في ضواحيها وأطرافها؛
لإدراكهم أنها تساوي ذهباً، غير آبهين بأنها ملك للدولة أو حتى لمواطنين.

ويعتقد المواطنون أن المحافظ من خلال أخذه على يد هؤلاء النافذين بإمكانه
أن يضع قدمه على أول الطريق للقضاء على كبار الفاسدين، ليس فقط في مجال
الأراضي والبناء العشوائي والبسط، بل في كل المجالات.

ولا يخفى على أحد تغول وحش الفساد في مختلف مرافق عدن العامة والعملاقة،
فالأخذ على أيدي الفاسدين هناك، من شأنه أن يعيد رونق عدن، ويحقق النجاح
للمحافظ، ويستعيد ثقة المواطنين بمدينتهم ومسئوليهم.

فحملة البناء العشوائي، ليست سوى بداية نحو ما هو أهم وأعمق من إجراءات
وأعمال تسترجع عدن من ناهبيها والباسطين عليها، وتضع حداً للفاسدين
والعابثين بإمكانياتها وقدراتها، والتي متى ما تم إيقافهم يمكن لعدن أن
تتمتع بما تمتلكه من مزايا وثروات.

ولن يتم كل ذلك إلا من خلال قطع أيادي الفاسدين وكبار العابثين
والمتنفذين، ووقف عبث الباسطين على مرافق عدن وثرواتها، قبل الباسطين على
أراضيها ومعالمها التاريخية وقبورها.

عدن.. إلى سابق عهدها

يمكن للمحافظ أحمد حامد لملس أن يلج التاريخ ويدخله من أوسع أبوابه، في
حالةٍ واحدة فقط.

تلك الحالة تكمن في إعادة مدينة عدن إلى سابق عهدها، كمدينة سلام تحتوي
الجميع، وتتميز بالجمال والمعمار الحضاري، ورقي أهلها وانفتاحهم وتعايشهم
رغم اختلافاتهم.

وليس شرطاً أن يعيد المحافظ مدينة عدن إلى ما قبل 57 عاماً، حين كانت
رائدة المنطقة، ودرة الجزيرة العربية والخليج ومركزها التنويري والحضاري،
ولكن على الأقل أن تعود عدن إلى ما قبل حرب 2015، كأقل القليل من أحلام
مواطنيها.

حيث يريد سكان عدن أن تنتهي أعمال "البلطجة"، والمظاهر المسلحة، والبسط
على ممتلكات المواطنين، والبناء العشوائي وانتهاكات حرمات المدارس
والمستشفيات والمعالم الأثرية والجبال وتلال عدن.

وأن تستقر الخدمات العامة، ويتم توفير الاحتياجات الأساسية، وتنتهي
الاغتيالات واختطاف الفتيات والأطفال، وأن يشعر الجميع بالأمان.

هذه الأساسيات والبديهيات من الخدمات عند غيرنا من دول العالم، تبدو صعبة
المنال في عدن!، لكن إذا نجح فيها المحافظ، خاصة وأنه يحظى بدعمٍ شعبي
وتعاطف مجتمعي كبير، حينها فقط يمكن أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

الدعم المتوقع

يشاع في عدن أن ثمة من لا يرجو النجاح للمحافظ لملس، حتى أن البعض ذهب
ينتقد حملة إزالة الأبنية العشوائية، ويجيرها سياسياً، رغم نجاحها شعبياً
وجماهيرياً.

كما يروّج البعض لوجود جهات وأطراف سياسية تعمل على عرقلة المحافظ، وتسعى
إلى إيقاف جهوده التنموية والخدمية، غير مدركين أنهم بذلك يضعون أنفسهم
أمام لعنات المواطنين، الذين ينتظرون تغييراً ملموساً في حياتهم الخدمية
والمعيشية.

لهذا.. فثمة من يتوقع أن أطراف الصراع في عدن، والتي تسببت بما وصلت إليه
عدن من تردٍ وانفلات في كل المجالات، ستقف إلى جانب جهود المحافظ وتدعمه.

فالانتقالي الذي خرج المحافظ لملس من عباءته، من مصلحته نجاح المحافظ في
حملاته الحضارية والخدمية والتنموية، خاصةً وأن البعض يرى أن أي نجاح
للمحافظ هو نجاح للانتقالي الذي ينتمي إليه لملس سياسياً، قبل أن يعين
محافظاً ويكون ولاؤه وانتماؤه لعدن، بكل انتماءات أهاليها.

كما أن من مصلحة الحكومة الشرعية أن ينجح المحافظ في مهامه، فالرئيس هادي
هو من عينه، وقراره هذا قد يعود عليه بالنجاح، إذا وفرت الحكومة أسباب
النجاح، وقد يعود بالفشل على الحكومة في حالة عرقلتها لعمل المحافظ.

وليس ببعيد عن الانتقالي والشرعية، يقف التحالف العربي، الذي تبنى جهود
المحافظ، منذ اللحظات الأولى لتعيينه، وحدد معه في الرياض مصفوفة العمل
الخدمي والتنموي المزمع تنفيذه في عدن، بالتعاون مع مؤسسات التحالف،
الإنسانية والتنموية.

فكل تلك الجهات من مصلحتها أن تدعم المحافظ، ويتوقع منها ذلك، فالفشل لن
يكون مرتبطاً بشخص المحافظ أو صفته، بقدر ما سيكون مرتبطاً بالظروف التي
لم تساعد المحافظ، والمتمثلة في صراعات الأطراف المسئولة عما وصلت إليه
عدن من أوضاع.

واجب الجميع

وبعيداً عن أساليب "التطبيل" التي قد يستشفها البعض من الكلمات السابقة
في السطور الماضية، باعتبار أن ما يقوم به المحافظ من صلب مهامه وواجباته
ولا يجب أن يشكر او يُمدح عليها، إلا أن الوضع العام لمدينة عدن، والبيئة
غير المحفزة على العمل، والتهديدات والمخاطر التي تحيط بكل مسئول ينوي أن
يقدم شيئاً؛ كل ذلك يجعل من الإشادة بأي خطوة أو إجراء نحو تغيير واقع
عدن الذي عرفناه منذ ست سنوات مضت، والوقوف إلى جانب أي شخصية تعمل على
إحياء جماليات عدن وطمس ملامح القُبح فيها، واجب على الجميع.

فمن الطبيعي أن يُنتقد أي مسئول على تقصيره، كما أنه من الواجب دعم كل من
يسعى إلى إثبات نفسه، ولو بالكلمة، خاصةً وجميعنا يدرك مدى المخاطر التي
يخوضها كل من ينوي إصلاح عدن وتغيير وضعها نحو الأفضل.