آخر تحديث :السبت-20 أبريل 2024-12:26ص

ملفات وتحقيقات


قراءة تحليلية لرؤى قادة أطراف الصراع في اليمن ونظرتهم لواقع ومستقبل الحرب الدائرة

السبت - 26 سبتمبر 2020 - 11:34 ص بتوقيت عدن

قراءة تحليلية لرؤى قادة أطراف الصراع في اليمن ونظرتهم لواقع ومستقبل الحرب الدائرة

تحليل / بديع سلطان:

بعد ست سنوات من الحرب.. كيف ينظر المتصارعون إلى مستقبلها؟

 إلى أين وصلت الحرب.. ماذا حققوا.. وماذا خسروا؟

 لماذا دعا الرئيس هادي المجتمع الدولي إلى "الاستنفار"؟

 هل يتشبث الحوثيون بالبقاء.. وبالحرب؟

 كيف يواجه التحالف العربي أدوات طهران؟

 مستقبل الحرب في اليمن؟

 حفلت الأيام الماضية بكلمات عددٍ من قادة الأطراف المتحاربة في اليمن، والتي جاءت بمناسباتٍ أممية، وأخرى ثورية، تتخذ منها الشخصيات السياسية فرصةً للتعبير عن توجهاتها ورؤاها وتطلعاتها.

وليس هناك أفضل من هذه المناسبات ليحدد فيها القادة سياستهم ويرسمون أفق مستقبلهم، ومستقبل الأحداث التي يعاصرونها ويواجهونها.

ولعل هذا ما أعطى أهميةً لدى كثير من المتابعين للشأن اليمني لرصد وتحليل كلمات عدد من القادة اليمنيين وقادة التحالف العربي، والتي ألقوها مؤخراً، خاصةً وأن ارتباطات هذه الكلمات والخطابات بالحرب الدائرة في البلاد كان وثيقاً.

وبالفعل.. كان المتابعون لهذه الكلمات على حق وهم يرصدون ما قالته رؤوس الأطراف المتصارعة، حيث لاحت من خطاباتهم توصيفات ورؤى واقع ومستقبل الحرب، وكيف يمكن أن يتعامل هؤلاء القادة مع ما هو قادم من استحقاقات ثقيلة فيما يتعلق بالأزمة اليمنية.

هذا بحسب مجموعة من المراقبين الذي يعتقدون أن ثمة ما يمكن البناء عليه، في كلمات القادة؛ لتوقع ما هو قادم من أحداث.

لكن ثمة من يقلل من شأن تلك الكلمات والخطابات، ويرى فيها مجرد حديث إنشائي من العموميات والألفاظ الخالية من المباشرة أو التفصيل، يسهر عليها صحفيو أولئك القادة في كل مناسبة؛ بهدف الظهور الإعلامي ليس إلا.

وحتى وإن بدت الخطابات مليئة بالحشو اللغوي والعموميات اللفظية، إلا أن هناك بين ثنايا تلك الكلمات ما يمكن الإمساك به لمعرفة كيف ينظر المتصارعون للحرب الدائرة في البلاد، ومستقبلها ومآلاتها.. وهو ما سنحاول فهمه فيما يلي من سطور.

 هل تخلى هادي عن التحالف؟

في كلمته المتلفزة بمناسبة الدورة الاعتيادية الخامسة والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، دعا الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، المجتمع الدولي إلى ما أسماه "الاستنفار"؛ لمساندة الحكومة اليمنية ومواجهة التحديات الاقتصادية، وتحقيق استقرار العملة المحلية والأوضاع المعيشية.

واعتبر محللون أن هذه الدعوة من هادي تأكيد على تخليه عن التحالف العربي، الذي لم يقم بأي خطوة لإنقاذ الملف الاقتصادي، بحسب آراء المحللين، رأوا أن الرئيس فضّل اللجوء لدول العالم الأخرى لانتشال اليمن من محنتها الاقتصادية والمعيشية الأخيرة.

ويمكن أن يكون هذا التحليل في محله، إذا ربطنا إشارة هادي خلال كلمته، بأن تدهور الأوضاع المعيشية يأتي نتيجة الحرب، وكان الأولى به التوجه للرياض بدلاً عن المجتمع الدولي، باعتبار السعودية طرفاً أصيلاً في الصراع.

وبعيداً عن الملف الاقتصادي، يفند آخرون فرضية تخلي الرئيس اليمني عن السعودية، من خلال حديثه عن جهود المملكة لتحقيق الاستقرار في مدينة عدن، وجهودها في تنفيذ اتفاق الرياض، بحسب توصيف هادي، الذي أعلن تمسكه و"ثقته" بالسعوديين للمضي في استكمال تنفيذ الاتفاق.

 التمسك بالسلام وفق ضغوط وتنازلات

كلمة هادي الأممية كشفت عن تأكيداته بتقديم "تنازلات" للحصول على السلام، وهذا التوصيف من هادي دفع المحللين للقول بأن الرئيس اليمني تعرض، ويتعرض، لضغوطات سياسية تجبره على تقديم تنازلات مع الانقلابيين الحوثيين وغيرهم.

كما كشف نيته ورغبته للوصول إلى سلام دائم وكامل، ومباركة جهود الامم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، وهو الذي يتهمه كثيرون بالضغط على الحكومة والعمل على تمرير امتيازات تفاوضية عديدة لخصومها الحوثيين.

ورغم رفض هادي لتواجد التجربة الإيرانية في اليمن، عبر أدواتها الحوثية، واعترافه برفض المليشيات و"تعنتها" ومواصلة حربها على المحافظات اليمنية، واستهداف المدنيين بالصواريخ البالستية، إلا أنه أصر في كلمته على إتاحة الفرصة للمبعوث الأممي لإحلال سلام شامل، بحسب وصفه.

ولم تشر كلمة الرئيس اليمني إلى أي مصطلح حسم عسكري أو التركيز على مواجهة الحوثيين بطريقتهم وأساليبهم العنيفة والدموية، حتى أنه اكتفى بالاستجداء بالمجتمع الدولي- بدلاً عن التحالف العربي- ومطالبتهم بوضع حد لتعنت الحوثيين والضغط على داعميه الإيرانيين لوقف إراقة الدماء والتدمير!.

 خلاصة كلمة هادي

ويمكن القول هنا إن كلمة الرئيس هادي لخصت الوضع المعيشي الصعب، والتدهور الاقتصادي الذي يضرب اليمن بسبب استمرار الحرب، بالإضافة إلى استمرار المليشيات الحوثية بالحرب، والهجوم على مأرب والبيضاء والجوف، وقصف المدنيين بالصواريخ البالستية، كما رفض التدخل الإيراني ودعم الانقلابيين الحوثيين.

لكن الملاحظ في كلمة هادي أنه استنجد بالمجتمع الدولي، ودعاه للتدخل لوضع حدٍ لتغول الحوثيين في ممارساتهم القتالية والعدائية، بينما كان الأولى به أن يستحث التحالف العربي بقواته وترسانته وإمكانياته الضخمة لتحقيق هذا الهدف.

وتحدث الرئيس اليمني عن واقع الحرب بمأساة كبيرة، وربطها بالتدهور المعيشي الحاصل في البلاد، واستجدى العالم لوضع حدٍ لها.

أما حول رؤيته المستقبلية للحرب، فبحسب مراقبين فإن هادي ركز على التدخل الدولي في الشأن اليمني، وهو تطور خطير وفقاً لوصف محللين.

وهذا قد يفضي في النهاية إلى تهميش دور التحالف في اليمن، وقد يفتح الباب واسعاً أمام قوى إقليمية ودولية للتدخل، وهو ما لن ترضى عنه الرياض او
تسمح به.

 الحوثيون متشبثون بالبقاء.. وبالحرب

وعلى الطرف الآخر من الصراع، يقف الحوثيون ليعلنوا للعالم من خلال كلماتهم وخطاباتهم أنهم باقون، كما جاء على لسان رئيس سلطة الامر الواقع الحوثية في صنعاء، مهدي المشاط.

كان خطاب المشاط بمناسبة الذكرى السادسة للانقلاب الحوثي على مؤسسات الدولة، 21 سبتمبر والذي يسمونه "ثورة"، حيث قال: "إن هذه الثورة وجدت لتبقى وتستمر وتدوم".

وفي ذلك إشارة إلى أن المليشيات الحوثية تسعى للسيطرة على ما تحت أيديها من مناطق في شمال اليمن، بل وتسعى لضم المزيد، من خلال الهجوم على عددٍ من المحافظات، وهو ما اعتبره محللون بأنه إطالة في أمد الحرب.

حيث يعتقد كثيرون أن بقاء المليشيات الحوثية يكمن في بقاء الحرب واستمرارها، وتوقفها يعني انتهاء الصفة التي تسمح للحوثيين بالاستمرار، باعتبار أنهم جماعة لا تستطيع فرض أفكارها الطائفية والسلالية إلا بالقوة والعنف والإجبار، وليس بسواها.

 انقلاب الحوثيين المدعوم إيرانياً

اللافت في كلمة الحوثي مهدي المشاط أنه ادعى عدم حصول انقلابه (ثورته) على أي دعم خارجي أو أنها لم تمد يدها إلى أي جهة، ووصفها بأنها "وطنية الوجه واليد"، ولم تتوفر هذه الصفات لأي ثورة يمنية أو عربية من قبل!، بحسب قوله.

غير أن الواقع مجافٍ لما ذهب إليه المشاط، فمن المعروف أن إيران ونظامها يقفان إلى جانب المليشيات الحوثية في اليمن، منذ بداية انقلابهم (ثورتهم)، وهو ما يؤكده الإيرانيون أنفسهم قبل الحوثيين.

لكن الشيء الذي أصاب فيه المشاط في خطابه الثورجي هذا، وكان صادقاً إلى حدٍ بعيد، هو أنه أشار إلى انعدام الخلفية الفكرية أو النظرية للانقلاب (الثورة)، وقد كان موفقاً في هذا التوصيف لأن الفكر الحوثي سلالي طائفي منغلق، خالٍ من الأفكار أو الأطروحات السياسية أو الاقتصادية، او تلك التي تسعى للارتقاء بالشعوب وتحسين ظروفها.

كما كان صادقاً حين تحدث عن "اقتحام" الانقلاب لحياة اليمنيين، حيث كان اقتحاماً عنيفاً لكل ما له علاقة بالحياة والعيش الطبيعي الكريم، فقد كان انقلاباً (ثورةً) خاليا من أية أخلاقيات أو مبادئ أو قيم، وفق توصيف محللين.

 تناقضات الحوثيين

قدم النشاط في خطبته تلك- هي أقرب للخطبة من الخطاب الرسمي- تناقضاً فاضحاً لواقع الحرب والانقلاب الحوثي الذي نشر كل قيم الشر في اليمن، وأرجع البلاد آلاف السنين إلى الخلف.

وتجلى تناقضه حين وصف انقلابه (ثورته) بأن لديها ثقافة مرتكزة على مناهضة الظلم والفساد والإرهاب والاستبداد، بينما يشير مراقبون إلى أن الواقع ينضح بالظلم وإجبار التجار على دفع الإتاوات للمجهود الحربي، وحرمان الموظفين من مرتباتهم، كما أن الإرهاب الذي قالوا إنهم يناهضونه تجسد في تفجير المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، وتدمير القرى والمدن السكنية بصواريخهم البالستية وقذائفهم الحارقة.

بالإضافة إلى تطرق المشاط لإرساء قيم التسامح والتعايش، كما زعم أن الثورة الانقلابية على الدولة ادت إلى تبني سياسة العفو والصفح عن الخصوم، في الوقت الذي تمارس جماعة المشاط سياسة الإقصاء بحق خصومهم، وتهجير أصحاب المذاهب المتعارضة مع مذهبهم السلالي، واعتقال كل معارض، والتنكيل بالصحفيين، وغيرها من الملامح الجليّة البيّنة، في واقع الحرب والحياة اليومية التي نتجت عنها.

كما أن المضحك في الأمر ادعاؤه أن الانقلاب أبقى خصوم الحوثيين السياسيين ىفي مناصبهم، بينما سعت الجماعة لاستبدال الوظيفة العامة بكل من له علاقة بالسلالة الهاشمية أو الحوثية في كافة المناصب السياسية والعسكرية والإدارية بالمؤسسات التي يستولون عليها.

وعن هذه الرؤية لواقع الحرب كما يراها الحوثيون، تنبأ عدد من المحللين بمضي المليشيات وفق هذه السياسة ما دامت تسيطر على مناطق واسعة من
البلاد.

 المضي قدماً نحو الحرب

تنقل رئيس سلطة الانقلاب في صنعاء مستخدماً تقنية الإنشاء والتعابير الجزلة، واصفاً ثورته المزعومة بالمنقذة والملهمة والقائدة لآمال اليمنيين، بل أنها هي من دفعتهم نحو مزيدٍ من الصمود، حد قوله.

وهذا الصمود بالذات هو ما ركز عليه في كلمته، مشيراً إلى أن سياسة الحوثيين في الحرب الدائرة هي المزيد من المواجهة والاستمرار في القتال، والتمسك بخيار الدمار.

وهو ما يجعلنا نجدد أن تمسك المليشيات بالحرب وتشبثهم باستمرارها يسهم في بقائها وديمومتها كسلطة أمر واقع، تقتات على الحرب وعلى الأزمات، وتموت في بيئات السلام والاستقرار، وفقاً لتأكيدات محللين.

وتجلى هذا في حديث المشاط حين قال: "إن 21 سبتمبر (المجيد) يضعنا اليوم أمام مواصلة المسير واستكمال المشوار، بعد مآلات ست سنوات من الحرب".

 سياسة التحالف

وفيما يتعلق برؤية التحالف العربي للحرب في اليمن، فقد عكستها كلمة العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز المتلفزة، بمناسبة الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث أشار إلى أن المملكة تنتهج في محيطها الإقليمي والدولي سياسة تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، ودعم الحلول السياسية للنزاعات.

وهو ما اعتبره مراقبون أمر متفاوت، مرتبط برغبات المملكة نفسها في تعاملها مع الملفات والتحديات التي تواجهها، فهي رغم عدائها العلني لإيران، إلا أنها لم تغامر بمواجهتها عسكرياً، واكتفت بالمواجهة السياسية أو الدبلوماسية.

بينما على العكس تماماً فيما يتعلق بالملف اليمني، حيث تدخلت- وما زالت- بعنف في ظل استمرار الحرب التي كانت طرفاً أساسياً فيها منذ ست سنوات.

لكن أطرافاً أخرى ترى أن الرياض اندفعت لحماية أمنها القومي والاستراتيجي والذي يبدأ من خاصرتها الجنوبية (اليمن)، عبر وقف امتداد وتوسع أيادي إيران وأدواتها، والمتمثلة في المليشيات الحوثية.

وهو ما عبرت عنه كلمة الملك سلمان، حين قال: "مدت المملكة أياديها للسلام مع إيران وتعاملت معها خلال العقود الماضية بإيجابية وانفتاح، واستقبلت رؤساءها عدة مرات لبحث السبل الكفيلة لبناء علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل، ورحبت بالجهود الدولية لمعالجة برنامج إيران النووي، ولكن مرة بعد أخرى رأى العالم أجمع استغلال النظام الإيراني لهذه الجهود في زيادة نشاطه التوسعي، وبناء شبكاته الإرهابية، واستخدام الإرهاب، وتنفيذ مشاريع توسعية خارجية لإنتاج الفوضى والتطرف والطائفية".

التحالف يواجه أدوات طهران

وحول واقع التدخل السعودي (التحالف) في اليمن، برر الملك سلمان ذلك بالإشارة إلى أفعال أدوات إيران في اليمن قائلاً: "كما تستمر إيران عبر أدواتها في استهداف المملكة بالصواريخ البالستية التي تجاوز عددها ثلاثمائة صاروخ وأكثر من أربعمائة طائرة بدون طيار في انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي".

وأضاف: "إن تدخلات النظام الإيراني في اليمن من خلال انقلاب المليشيات الحوثية التابعة له على السلطة الشرعية أدت إلى أزمة سياسية واقتصادية وإنسانية، يعاني منها الشعب اليمني الشقيق، وتشكل مصدراً لتهديد أمن دول المنطقة والممرات المائية الحيوية للاقتصاد العالمي".

وهذا المبرر هو ما يتمسك به التحالف العربي، أو المملكة العربية السعودية، وهو بحسب محللين عبارة عن حرب إقليمية بين قوى المنطقة على الأرض اليمنية.

كما أكدت كلمة العاهل السعودي أن المملكة لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، كما أنها لن تتخلى عن الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد كامل ةسيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية.

وهذا ما يوحي بأن الصراع بين القوى الإقليمية سيستمر ما استمر الوجود الإيراني في اليمن عبر أدواتهم المتجسدة في الحوثيين، وهو ما يمهد لهيمنة كلا القوتين السعودية والإيرانية على الشأن اليمني من خلال دعم كل طرف لأدواته في الداخل، وفقاً لتوقعات المحللين.

 أكثر من خيار

غير أن المتتبع لكلمة الملك سلمان سيتأكد له أن السعودية ما زالت تتمسك بخيوط السلام الواهية، رغم تعنت المليشيات، وبدا ذلك من نصوص عديدة في كلمة العاهل السعودي.

حيث قال: "سنواصل دعمنا لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار اليمني الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216".

وتوحي هذه الكلمات بتمسك السعودية والتحالف بما تتمسك به الحكومة الشرعية اليمنية في مشاورات ومفاوضات السلام المتكررة مع الحوثيين، وهي المرجعيات الثلاث: المبادرة والمخرجات والقرار الأممي.