آخر تحديث :الخميس-28 مارس 2024-12:22م

ملفات وتحقيقات


أمن الطاقة العالمي: اطلالة على حروب القرن21 (الحلقة السادسة)

الأحد - 20 سبتمبر 2020 - 05:19 م بتوقيت عدن

أمن الطاقة العالمي: اطلالة على حروب القرن21 (الحلقة السادسة)

عدن (عدن الغد) خاص:

                                                                         
 كتب/  د. احمد محمد سميح
 
 
 ملامح الصراع الدولي على موارد (بحر قزوين ) واسيا الوسطى :  

في إطار سياسة تنويع مصادر الحصول على موارد الطاقة من الأقاليم الأخرى تعمل الولايات المتحدة على تعزيز دور شركات الطاقة الامريكية للاستثمار في بلدان آسيا الوسطى وحوض بحر قزوين (بحر الخزر) الغنية بموارد الغاز والنفط. هذه المنطقة اصبحت تلعب دوراً حاسماً في نظام أمن الطاقة العالمي، لأن لديها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز. وتمتلك ثلاث دول من دول حوض بحر قزوين (مساحة بحر قزوين حوالي 380000 كيلو متر) وهي - أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان - ما يصل من 50مليار برميل (7مليار طن) من النفط الخام (حوالي 3.5٪ من اجمالي الاحتياطيات العالمية المؤكدة) وحوالي 12.5تريليون متر مكعب من الغاز – (حوالي 6.8٪ من احتياطيات العالم) .
الولايات المتحدة "منذ العام 2005م اصبحت "اللاعب الثالث" المنافس بقوة على الموارد النفطية في إقليم أسيا الوسطى الى جانب الصين وروسيا. فالولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز "امن الطاقة الخاص بها في هذا الاقليم" وتعمل بكل قوة لكبح "تطلعات الصين وإبعاد " تطلعات" كل القوى الإقليمية الأخرى الطامحة أيضا في منافستها على موارده، بما في ذلك إبعاد الخطر "الإيراني والخطر الهندي المتصاعد ". الشركات الأمريكية والاوربية المتعددة الجنسية "" أصبحت تستثمر أموال طائلة في البنى التحتية الخاصة بنقل "الهيدروكربونات – من بلدان هذا الإقليم عبر خطوط النقل" الى اوربا. ففي أذربيجان على سبيل المثال تلعب شركة بريتيش بتروليوم البريطانية دورًا رائدًا في تطوير مجمع عملاق من حقول النفط البحرية في منطقة أزيري- شيرات- جونيشلي باحتياطي 1 مليار برميل وحقل غاز شاه دنيز باحتياطي يصل الى 1.2تريليون متر مكعب.  

  تزايد الشكوك  
  
 ونظرا لصعوبة ضخ النفط من هذا الإقليم عبر "نقاط ترانزيت" تمر عبر الأراضي الإيرانية وتزايد الشكوك تجاه "نوايا الحكومة الروسية" التي تتبنى إستراتيجية "حروب الطاقة " عملت حكومة بيل كلينتون السابقة وبالشراكة مع شركات بعض الدول الاوربية على المشاركة الفاعلة في مد خط" أنابيب "باكو- تبليسي- جيهان التركي" كثاني أطول خط في العالم لنقل النفط من القوقاز الى الأسواق الأوربية (بطاقة نقل تصل الى 2مليون برميل / ي، اي 1% من امدادات النفط للسوق العالمية)، ويبلغ طول الخط 1.776 كم ويمتد من العاصمة الآذرية باكو إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، ويمر الخط عبر الأرضي الجورجية بعيدا عن أراضي روسيا وإيران.  
هناك تغيرات جذرية حدثت في سياسة الولايات المتحدة بعد أحداث 11سبتمبر 2001 تجاه منطقة اسيا الوسطى و "دول حوض بحر" قزوين" ومنطقة القوقاز عموما. فقد تحول هذا الإقليم الى المترتبة الثانية بعد اقليم الشرق الاوسط في اهتمامات الادارة الأمريكية في إطار إستراتيجية " محاربة الإرهاب" و "تامين " مصادر الهيدروكربونات. في عام 2002 أعلنت لجنة تخطيط السياسة الخارجية الأمريكية " بان أحد أهداف الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر تتلخص في حماية مناطق انتاج النفط الممتدة من "بحر قزوين" حتى "الخليج الفارسي" والحفاظ على حركة الإمداد وتدفق موارد الطاقة ذات الصلة وحمايتها.  
الحضور الأمريكي القوي في هذه المنطقة تمكن من تحقيق عدد من الأهداف أبرزها:  
- الاحتواء النسبي لتأثير روسيا على احدى اهم مناطق " النفوذ السوفيتي السابق" وتمكنها من الاقتراب من حدود الصين ونصب طائراتها التكتيكية الحاملة للرؤوس النووية بالقرب منها وامتلاكها امكانيات لوجستية كبيرة قادرة على التأثير في العلاقة القائمة بين روسيا وإيران المثيرتان لقلق الولايات المتحدة. 
- في نفس الوقت وضعت الولايات المتحدة نصب "اهتماماتها " احتواء كل من أوزبكستان وتركمانستان وهما البلدان الآخران الواقعان في مناطق النفوذ "السوفيتي السابق" والغنيتان بموارد "الغاز الطبيعي". وما يثير حساسية "الولايات المتحدة" و "انزعاجها" في مسالة "امن الطاقة العالمي" هو إمكانية ان تكون الصين والهند وباكستان من البلدان الرئيسية المستهلكة للغاز "الروسي " وتوجه صادرات الغاز الروسي شرقا في المستقبل القريب، كما ان عجزها في الوصول للغاز "الايراني" يضاعف من "قلقها" ويدفعها للاهتمام بالاحتياطات الضخمة في "جمهورية تركمنستان.". وابعاد يد موسكو وطهران عن تلك الاحتياطات.. 
 
  الصراع على ثروات  
  
الصراع على ثروات "بحر قزوين" يعكس تناقض المصالح الدولية وتصادمها. ولفهم الخطوط العريضة لـ طبيعة هذا الصراع و "اللعبة الكبرى" في هذا الإقليم ينبغي النظر الى خارطة خطوط الأنابيب الرئيسية لإمدادات النفط والغاز والتي تمثل شبكة عنكبوتية تمتد على طول القارتين الأوروبية والآسيوية ويقع عمقها في الاراضي الروسية ويتم التحكم بها عبر احتكار شركتي Gazprom   Transnetالروسيتين. فهاتان الشركتان تتحكمان بإمدادات الطاقة الى أوروبا والصين وكذا الى بعض دول شرق اسيا وتعززان دور روسيا المحوري في أسواق الطاقة وفرض هيمنتها على الخارطة الجيوسياسية لمراكز الطاقة العالمية. لذا تسعى الولايات المتحدة التي لا تكاد تستورد النفط والغاز من روسيا، الى اضعاف نفوذ موسكو في هذا الاقليم عبر دعم شركاتها للوصول إلى احتياطيات الطاقة في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين واضعاف هيمنة الشركات الروسية بوضع مسارات جديدة لخطوط نقل الطاقة من اسيا الوسطى و "القوقاز الى مناطق الاستهلاك الرئيسة بعيدا عن الأراضي الروسية. 
 بحسب وجهة نظر دول الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة فان موارد الطاقة في هذا الإقليم وكل إقليم آسيا الوسطى ينبغي ان يتم تصديرها عبر الأنابيب دون الحاجة إلى مرورها بأي جزء من الأراضي الروسية وضرورة التعامل مع روسيا في هذا الجانب باعتبارها كتلة مستقلة بحد ذاتها فيما يتعلق بموارد الطاقة. هذه الطروحات ترفضها موسكو وتعمل بكل السبل لمجابهتها من خلال اتفاقية شنغهاي مع الصين والاتفاقات مع بعض دول الكومنولث الروسي الذي بفضلها تمكنت موسكو من وضع يدها بصورة شبه مطلقة على حقول الغاز في تركمنستان.  الاتحاد الأوروبي من جهته أصبح يلعب دوراً بارزاً في ضمان أمن دول القوقاز الثلاث - أذربيجان وأرمينيا وجورجيا - لأسباب ليس أقلها حماية خطوط أنابيب الممر الجنوبي المهمة جدًا لنقل الغاز الى دول الاتحاد. وفقًا للخبراء الأوروبيين، بحلول عام 2030، سيزداد اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الهيدروكربون من 50٪ إلى 65٪. الطلب على النفط سيرتفع من 82٪ إلى 93٪ والغاز - من 57٪ إلى 84٪. وبالتالي ستعمل دول الاتحاد بكل قوة للحفاظ على مصالحها في هذا الإقليم لتامين أكبر قدر ممكن من موارد الطاقة.  
 
الصراع على الطاقة 

الصراع الحالي على موارد الطاقة في منطقة اسيا الوسطى (تركمنستان- كازاخستان -طاجيكستان – قرقزستان- أوزبكستان) ومنطقة "بحر قزوين " (روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان) هو امتداد لصراع تاريخي للسيطرة على ثروات هذه المناطق بما في ذلك الموارد الطبيعية لبلاد فارس وأفغانستان المجاورة لإقليم اسيا الوسطى. (في القرن التاسع عشر حاولت بريطانيا السيطرة على بلاد فارس الغنية بالنفط والحال كذلك لروسيا القيصرية التي فرضت سيطرة مطلقة على الحقول الآذرية لعقود طويلة).  اليوم يعيد التاريخ نفسه ونرى تصادم لمصالح نفس القوى العظمى وبمشاركة قوى اقتصادية وعسكرية صاعدة جديدة على موارد الإقليم (الهند والصين). بحسب الصحيفة الفرنسية «Le Nouvel Economiste», فان الحرب ضد طالبان في أفغانستان هدفت في المقام الأول الى  تعزيز الوجود الأمريكي في مناطق "أسيا الوسطى" التي يمتد جزء كبير من أراضي دولها بمحاذاة "بحر قزوين". ، إضافة الى تجديد مساعيها في "بث الروح " في مشروعها القديم بمد أنبوب نقل الغاز من حقول "تركمنستان في أسيا الوسطى" الى المحيط الهندي مرور بالأراضي الأفغانية والباكستانية.  
بهذا الصدد الولايات المتحدة في صراعها على ثروات هذا الإقليم عملت و بالتعاون مع بعض الدول الأوربية على إنشاء خط انابيب لنقل النفط عبر كل من أذربيجان و جورجيا و صولا الى تركيا (خط باكو – تبليسي – جيهان التركي) وإنشاء كذلك خط آخر لنقل الغاز من نفس المنطقة ( باكو – تبليسي – ارضوم-2006م) الذي ينقل حوالي 25مليار متر مكعب سنويا من حقول الغاز الآذرية عبر جورجيا الى تركيا و منها الى اوربا ، وكذا خط نابوكو (2009) لنقل الغاز الى اوربا والذي يعبر قاع بحر قزوين إلى أذربيجان و أراضي تركيا و العديد من الدول الاوربية وصولا الى النمسا دون المرور بروسيا . 
 محاولات تزويد اوربا بالغاز من دول الإقليم عبر انابيب النقل بعيدا عن أراضي روسيا استمرت بوتيرة عالية ، حيث تم التوقيع في عام 2012على اتفاق بين أذربيجان و تركيا لنقل الغاز الأذري باتجاه اوربا تحت اسم" خط الغاز عبر الأناضول "تاناب و في عام  2019اعلن عن استكمال بناء الانبوب ووصوله الى الحدود التركية – اليونانية  ومن المقرر ربط هذا الانبوب لاحقا بالأنبوب الذي يمر عبر البحر الأدرياتيكي "تاب"  المقرر له ضخ الغاز عبر اليونان و البانيا الى إيطاليا في اطار ما سمي بمشروع ممر الغاز الجنوبي الذي سينقل حوالي 16مليار متر مكعب من الغاز صوب الأسواق الاوربية (ستة مليارات الى السوق التركية و عشرة مليارات صوب اوربا).  
في المقابل، تسعى روسيا جاهدة الى اعتماد بديل آخر لمناطق عبور "موارد الطاقة" من قزوين بربطها بخط أنبوب يمتد من أراضي أذربيجان ليعبر عمق الأراضي الروسية و صولا الى ميناء نوفوراسيسك الروسي على البحر الاسود (خط باكو –نوفوراسيسك )". وتمكنت موسكو في عام 2003 من ابرام اتفاق مع تركيا لمد انبوب ناقل للغاز من سواحلها على البحر الأسود الى تركيا (مشروع السيل الأزرق) وإطلاق خط النقل في العام 2004 (السيل التركي) لنقل الغاز الروسي عبر تركيا الى اوربا وأصبحت روسيا من خلال خطوط النقل " السيلين الشمالي والتركي" تفرض هيمنة شبه مطلقة على الأسواق الاوربية وتغطي حوالي ثلث واردات اوربا من الغاز.  
الصين هي الأخرى لاعب رئيسي في منطقة القوقاز واسيا الوسطى وتعمل على اقتطاع جزء من موارد الطاقة في هذا الإقليم لمصلحتها وتنافس شركاتها الشركات الاوربية والامريكية والروسية على ثروات الإقليم الطبيعية. ففي غضون 2.5سنة فقط، تمكنت شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) من بناء خط أنابيب بطول 2.2 ألف كيلومتر لنقل الغاز من آسيا الوسطى من حقول الامتياز الخاصة بها في شمال تركمانستان (Bagtyyarlyk )- عبر أوزبكستان وكازاخستان - إلى منطقة شينجيانغ  الويغورية ذات الحكم  الذاتي في شمال غرب الصين لضخ حوالي 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويا( قابل للارتفاع الى 250مليار متر مكعب بحلول(2020.). بالإضافة إلى ذلك تعمل الشركة الصينية CNPC في تطوير حقل South Yoloten الذي وفقًا لتقديرات شركة الاستشارات البريطانية المستقلة Gaffney، Cline & Associates، يحتوي على ما لا يقل عن   4تريليونات متر مكعب من الغاز (هذا الرقم قابل للارتفاع إلى   14تريليون متر مكعب). ويعتبر من أكبر الحقول العالمية للغاز الطبيعي وتسعى تركمنستان من خلاله تصدير غازها ليس فقط الى الأسواق الصينية بل وكذلك الى روسيا وإيران ودول الاتحاد الأوربي والهند والباكستان في حال استقرار الأوضاع في افغانستان.  
 
الصين يهتم بجارتها  كازاخستان  

 الصين تولي كذلك اهتمام خاص وكبير بالموارد الاقتصادية الضخمة لجارتها كازاخستان الواقعة في الجنوب الشرقي لحدودها (تمتلك كازاخستان احتياطي من الغاز يقارب 1.82تريليون متر مكعب بما يعادل 1.7%من الاحتياطات العالمية- وفقا لتقرير شركة بريتيش بتروليوم -2009) وتعتبركازاخستان بلد محوري في إقليم اسيا الوسطى وتلعب دورا حيوي في تحديد المستقبل الاقتصادي والسياسي لكل بلدان الاقليم. كما أنها واحدة من أغنى الدول في العالم من حيث الموارد الطبيعية: وتقدم لها الصين مختلف القروض الائتمانية بشروط ميسرة وتضخ استثمارات ضخمة في اقتصادها لتطوير صناعتها النفطية بهدف ضمان مصالحها وحصصها من الثروات. في عام 2009 ضاعفت الصين حضورها في قطاع الطاقة لكازاخستان بشكل ملحوظ – وقدمت قروض ميسرة بلغت ما يقرب من 13مليار دولار لسد العجز في ميزانية البلاد لأسباب ارتبطت بتراجع اسعار النفط في السوق العالمية عام 2009. كذلك قامت شركة النفط والغاز الوطنية الصينية (CNPC) بشراء شركة Mangistaumunaigas الكازاخية مقابل 2.6مليار دولار.  
  التوقعات تشير مستقبلا الى ان صادرات كازاخستان من النفط والغاز سوف تذهب بشكل أساسي إلى الصين. (الطلب على الغاز الطبيعي في الصين سيرتفع في عام 2020 الى 300 مليار متر مكعب والقدرة الإنتاجية لتغطية الطلب ستصل الى 200 مليارمتر مكعب وتسعى الصين الى تغطية العجز من جارتها كازاخستان—) وبالتالي، فإن دور الصين كمنافس للموارد النفطية في الشرق الأوسط سينخفض وسيتم تعويض جزء كبير من احتياجاتها من إقليم اسيا الوسطى. والى جانب الصين تهتم كل من الهند ودول الاتحاد الأوربي بثروة النفط والغاز في كازاخستان، حتى روسيا التي لا تحتاج إلى نفط كازاخستان تلعب دوراً رئيسياً في التحكم بصادراتها، نظرا لسيطرتها على نظام خطوط الأنابيب في آسيا الوسطى.
 الولايات المتحدة في إطار سياساتها تجاه دول إقليم اسيا الوسطى تسعى بأي ثمن إلى منع التحالف الاقتصادي خاصة في مجال الطاقة بين - كازاخستان وروسيا كقوتين مؤثرتين في امن الطاقة العالمي، لكن الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية مع روسيا اقوى من ان تؤثر عليها مثل هكذا توجهات. الشي شبه المؤكد بخصوص افاق الصراع العالمي على موارد الطاقة في هذا الإقليم انه سيشهد مزيد من التعقيد نظرا لتقاطع مصالح كثير من الدول، وبالتالي كل الاحتمالات واردة من ان تتحول شدة المنافسة على موارد الإقليم ذات يوم الى صراع يكرر مأساة كثير من مناطق انتاج النفط والغاز في العالم ويكون صورة مماثلة لمناطق انتاج الطاقة الملتهبة في الشرق الأوسط وافريقيا.