تسببت موجة من الاحتجاجات الجديدة في إغلاق طرق رئيسية في أنحاء لبنان يوم الأربعاء بعدما أغضب الرئيس ميشال عون المتظاهرين بتصريحات حث فيها على إنهاء المظاهرات المناهضة لفساد النخبة الحاكمة.وقال عون في وقت متأخر من مساء الثلاثاء خلال لقاء تلفزيوني إن لبنان يواجه ”نكبة“ إذا لم يعد المحتجون إلى ديارهم، مما أشعل موجة جديدة من المظاهرات لقي خلالها أحد المحتجين حتفه بالرصاص بعد احتكاك مع جنود لبنانيين قرب بيروت.وحادث إطلاق النار في منطقة خلدة جنوبي بيروت هو الأول من نوعه منذ نحو أربعة أسابيع من الاحتجاجات واسعة النطاق ضد النخبة الحاكمة في لبنان مما يزيد من التوتر في بلد يعاني من أزمة سياسية واقتصادية عميقة.والقتيل من أنصار الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي كان خصما لعون خلال الحرب الأهلية. وحث جنبلاط أنصاره على التحلي بالهدوء.وقال محتجون إن تصريحات عون تظهر أن القادة السياسيين منفصلون عن الواقع.وقال مروان الأمين وهو من بين عشرات احتشدوا قرب القصر الرئاسي ”الأمر يبدو وكأنهم منفصلون عن الواقع.. وكأن الناس ليس لهم رأي ولا صوت“.وأدلى عون بتصريح فُسر على نطاق واسع على أنه يخبر المحتجين الذين لا تعجبهم طريقة إدارة البلاد أن يغادروها إذ قال ”لم أر أبدا عبر التاريخ، كالذي يحصل اليوم، حيث يوجد خلاف من دون حوار. فهل توجد أي ثورة من دون قائد؟... إذا لم يكن هناك ’أوادم‘ بينهم في هذه الدولة يروحوا يهاجروا وما رح يوصلوا للسلطة“.وقالت ليندا بولس مكاري (33 عاما) وهي تشارك في إغلاق طريق في منطقة نهر الكلب في بيروت إن عون خاطب المحتجين وكأنهم أطفال وأضافت ”بعض الاحترام... الاحترام لمن ينامون في الشارع منذ شهر“.وظلت المدارس والبنوك مغلقة لليوم الثاني على التوالي كما ظلت مغلقة لأغلب الأسابيع الأربعة منذ بدء الاحتجاجات ضد القيادات السياسية التي يعتبرها المحتجون فاسدة وغير قادرة على إنقاذ البلاد من تفشي الفقر والبطالة.وقال مصرفي إن كل التحويلات البنكية مجمدة في الوقت الحالي.وقالت جويل بيتراكيان التي تشارك في احتجاج أغلق طريقا سريعا في وسط بيروت ”رد الفعل كان عفويا جدا. شعر الناس أن علينا زيادة الضغط“ ووصفت مقابلة عون بأنها ”منفرة جدا“. وأضافت ”أعتقد أنهم يحاولون بكل السبل تهدئتنا لكن على العكس.. لن نتوقف“.وجلس عشرات المحتجين على مرأى من الجنود والشرطة لقطع الطريق المزدحم في العادة بينما استمر تصاعد الدخان من حطام أشعل فيه محتجون النار خلال مظاهرات ليل الثلاثاء بسبب تصريحات عون.وفي حديث تلفزيوني في وقت الذروة أشار عون إلى عدم حدوث انفراجه في المحادثات بشأن تشكيل حكومة جديدة تحل محل حكومة سعد الحريري المستقيلة. وقال إن الحريري الذي استقال في 29 أكتوبر تشرين الأول متردد في تولي منصب رئيس الحكومة مجددا.وقال عون أيضا إن حكومة التكنوقراط التي يطالب بها الكثير من المحتجين لن تكون قادرة على حكم لبنان ويجب أن تضم عددا من السياسيين.وقال مخاطبا المحتجين في حديثه ”إذا ستكملون هكذا سوف تضربون لبنان وتضربون مصالحكم. مصالحكم بتروح وبنروح معها وأنا أضعكم أمام هذا الخيار. نحن نعمل ليلا نهار لنرتب الوضع واذا بقيوا (ظلوا) مكملين في (ستحدث) نكبة وإذا توقفوا مازال هناك مجال لأن نصلح“.وذكر الحريري عبر حسابه على تويتر أنه اتصل بقائد الجيش وقائد قوى الأمن الداخلي ”مشددا على وجوب اتخاذ كافة الإجراءات التي تحمي المواطنين وتؤمن مقتضيات السلامة للمتظاهرين“. كما اتصل الحريري بجنبلاط لتقديم التعازي.* دولارات ”تحت الوسادة“قال عون يوم الأربعاء إن الأوضاع الاقتصادية في لبنان تزداد ترديا نتيجة ما تمر به البلاد لكن بدء التنقيب عن النفط والغاز، المتوقع قريبا، سيساعد على تحسن الوضع تدريجيا. ونُشرت تصريحات عون على صفحة رئاسة الجمهورية اللبنانية على موقع تويتر.وقالت الرئاسة اللبنانية إن عون التقى مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو الذي سلمه رسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبدى فيها استعداد بلاده لمساعدة لبنان في الظروف الراهنة.وتفرض البنوك التجارية قيودا صارمة على التحويلات المالية للخارج وعلى سحب الدولار سعيا للحيلولة دون نزوح رؤوس الأموال. ولم تعلن السلطات قيودا بشكل رسمي على تحركات رؤوس الأموال.وأغلقت المصارف في لبنان أبوابها مجددا يومي الثلاثاء والأربعاء بسبب إضراب الموظفين الذين يشعرون بمخاوف على سلامتهم من عملاء يطالبون بسحب أموالهم ومحتجين تجمعوا عند البنوك. وكانت البنوك قد أغلقت أبوابها نحو نصف أيام شهر أكتوبر تشرين الأول.وحث عون اللبنانيين كذلك على ألا يهرعوا إلى البنوك لسحب الأموال، التي قال إنها آمنة. وقال ”أطمئن اللبنانيين ألّا يركضوا نحو المصارف، فأموالهم مضمونة وستصلهم كاملة وسنعالج هذه الأزمة“.وقال عن نقص السيولة في الدولار ”إن الدولارات موجودة تحت الوسادة، عندما تكون هناك حاجة باستطاعة اللبنانيين أخذ أموالهم، إن الدولار غير مفقود في لبنان إلا أنه يتم إخراجه من الودائع إلى المنازل، وهذا ما يخرب الأمور“.وتقول مصادر سياسية إن الحريري يرغب في أن يكون رئيس وزراء لحكومة من التكنوقراط يعتقد أنها ستكون في وضع أفضل للحصول على الدعم المالي الدولي الذي تحتاج إليه البلاد بشدة.لكن جماعة حزب الله المدججة بالسلاح وحليفتها حركة أمل تعتقدان أن الحريري يهدف في الأساس لإبعاد حزب الله عن الحكومة حسبما أفاد مصدر مطلع على رأي الجماعتين الشيعيتين.وتصنف الولايات المتحدة جماعة حزب الله منظمة إرهابية. وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوم الاثنين إن المحادثات مستمرة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وإن حزب الله يرغب في ترك المجال مفتوحا أمام التوصل إلى اتفاق.وأغلق محتجون الطريق الرئيسي في خلدة، وهي المنطقة التي شهدت سقوط القتيل يوم الثلاثاء، بإحراق إطارات سيارات، حدادا على مقتله.وقال أحدهم ”هذا شهيد لبنان.. شهيد الثورة.. ودمه برقبة كل واحد قاعد على الكرسي من رئيس الجمهورية ونزول... نحن هون اليوم عصيان مدني ممنوع حدا يمرق (يمر)“.وقال محتج يدعى عاطف يبلغ من العمر 50 عاما في صيدا جنوب البلاد ”نحنا مستمرين وما هنتراجع أبدا أبدا .. خاصة إنه نحنا عم نتقابل مع سلطة لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم... لا بل تتكلم بلغتها... لغتها اللي بتتجاهل الحراك اللي أثبتها امبارح كلمة رئيس الجمهورية“.