بحث وترجمة: بلال غلام حسين:
كلما قدمت لأتفقد الأرشيف الخاص بتاريخ عدن, لا أجد سوى تاريخ عظيم وعريق عراقة هذه المدينة التاريخية وأهلها ومعالمها, كل موقع كل مبنى وكل شخصية في هذه المدينة الجميلة لها تاريخ جدير بالتعرف عليه, تاريخ يراد له بأن يمحى, ولكن هيهأت, طالما هناك قلب ينبض, ودماً يجري في عروقنا, سنظل نكتب عن هذا التاريخ لنعرف الأجيال عن عدن, عدن التاريخ.. عدن منار العلم والثقافة.. عدن عروس الجزيرة العربية.. سوف نسطر عبر هذه الصفحة تاريخ مدينتنا حتى تعلم الأجيال عنها وعن تاريخها العريق. سنغوص اليوم في تاريخ معلم صناعي له تاريخ عريق, وهو مملاح عدن أو (أيدن سولت وركس ) كما يسمى بالإنجليزية.
هذا الموضوع يتحدث عن أهمية صناعة الملح في عدن, في بداية العام 1951م. حتى يومنا هذا يعتبر مملاح عدن أقدم مملاح لا زال يعمل حتى وقتنا الحاضر, حيث كان معروفاً في السابق بالمملاح الأيطالي. تم منح عقد إيجار لمدة 99 عاماً لمساحة قدرها 642 فدان, بتاريخ 1 يناير 1886م, لعائلة إيطالية تعمل بالتجارة من قرية تراباني في صقلية.
كانت جميع عقود الإيجار سابقاً مدتها 30 عاماً وعادةً ما تكون دون إيجار, أي عقد تأجير مجاني, حيث كانت الشركات المُستأجرة لمملاح عدن في السابق كانت تدفع إتاوات وقدرها 8 عانات للطن الواحد من الملح.
وفي العام 1909م, تم تأجير 240 فداناً إضافية للشركة الإيطالية, وتم تجديد العقد لهم في العام 1939م, ولتلك الفدادين الإضافية كانت الشركة تدفع إيجار سنوي وقدره 1690روبية. وعند تجديد العقد للشركة في العام 1939م, سنحت للحكومة الفرصة لفرض ضريبة إضافية وقدرها 7 روبيات لكل 55 طن من الملح يتم تصديره إلى الخارج.
لاشك عندما أنشئت هذه العائلة الإيطالية تجارتها استندت أساساً على صناعة الملح بين مارسالا و تراباني. وقبل يوم أو يومين من إعلان إيطاليا الحرب ضد بريطانيا وفرنسا لمساعدة هتلر في حربه في يونيو 1940م تم انتهاء عقد الإيجار للمساحة الأضافية وقدرها 240 فداناً, وتم اعتقال الموظفين الإيطاليين وعددهم 14 موظفاً, وبعد إنتهاء الحرب لم يعودوا إلى عدن.
ولتطوير العمل وسرعة الإنتاج نتيجة لنقص العمال تمت إضافة مضخات لطواحين الهواء تدار بواسطة محركات صغيرة, وتم طلاء أحواض الملح بمشاهد خلابة, وتم نشر طواحين الهواء على أطر شبكية خشبية حيث تعكس على المياه الزرقاء فتعطيها منظراً خلاباً,.
كانت المرحلة الأولى من أصل عملية التبخر تتم بنقل مياه البحر من محطة الضخ إلى الأحواض الداخلية, ومن تم ضخها عبر نظام مجموعة من السلاسل المتحركة للمساعدة في عملية التبخر ليصبح المحلول الملحي أقوى في كل مرحلة ليصل في النهاية إلى الأحواض عبارة عن كتلة متبلورة, ليتم تجميعها, في أوعية معدنية تحمل إلى الحزام الناقل ليشكل في النهاية كومة الملح يتم نقلها بواسطة عربات ناقلة تجرها الجمال ليتم تحميلها على السفن الشراعية لتكون جاهزة للتصدير.
وكما ذكرت سابقاً كان مملاح عدن هو أقدم مملاح, وكان ثاني أقدم مملاح في عدن هو التابع (لشركة إندو/ عدن لصناعة الملح والتجارة المحدودة), والتي تم منحها عقد تأجير لمدة 30 عاماً في نوفمبر 1908م, لمساحة الأرض والمقدرة ب 907 فدان.
وكان على الشركة دفع الأتاوات نفسها التي كانت تدفعها جميع الشركات, ولكن عند تجديد العقد في العام 1938م, كان هناك إيجار سنوي وقدره 7000 الف روبية يلزم على الشركات دفعها, بالإضافة إلى رسوم صادرات كانت تفرض على كل 55,000 طن من الملح يتم تصديره, كما كانت هُناك ضريبة سنوية تفرضها الحكومة عند بداية السنة الضريبية في نوفمبر تشرين الثاني من كل عام.
بالإضافة إلى الشركتين كانت هُناك شركة ثالثة تزاول نفس العمل, وهي: (شركة إتحاد صناعات الملح المحدودة,) وكانت هذه الشركة عبارة عن شركتين مدمجتين مع بعضهما وهما: (شركة مملاح هاجيبوي عدن المحدودة و شركة مملاح كتش,) وفي في العام 1941م, امتلكت شركة هاجيبوي عدن المتحدة حصة شركة مملاح كتش من الأسهم وتم دمجهم تحت إدارة شركة واحدة, تحت أسم: (شركة إتحاد صناعات الملح المحدودة.) وتم منحها عقد تأجير لمدة 30 عام في يوليو 1922م, لمساحة وقدرها 860 فدان, وعقداً أخر لمساحة إضافية وقدرها 86 فدان في مايو 1928م.
كان الإيجار السنوي لشركة هاجيبوي 8000 الف روبية للمساحة الأولى وقدرها 860 فدان, و 770 روبية للمساحة الإضافية وقدرها 86 فدان. وعند تجديد العقد في العام 1952م, أصبحت شركة إتحاد صناعات الملح عرضة لنفس رسوم الصادرات السنوية التي كانت تفرض على الشركتين الإيطالية والهندية المذكورتين أعلاه.
وعند تجديد العقد كانت شركة إتحاد صناعات الملح تأمل في التفاوض مع الحكومة على عقد تأجير أخر للحصول على مساحة إضافية وقدرها 289 فدان. بالإضافة إلى الشركات الثلاث الكبرى كانت هُناك شركة رابعة وهي: (شركة ملح عدن الصغرى للصناعات المحدودة) وكانت هي أصغر الشركات الأربع العاملة في صناعات الملح, هي, وكان العقد الخاص الممنوح لها هو لمدة 30 عاماً للمساحة المقدرة بـ 1600 فدان في البريقة, إبتداءً من مايو 1923م, بإيجار سنوي وقدره 7000 ألف روبية. وكانت الشركة تأمل بالتوسع, بإستئجأر مساحة إضافية وقدرها 252 فدان.
في العام 1941م, تم إنتهاء إحتكار تجارة الملح في أثيوبيا من قبل الحكومة والتي كانت معظم وارداتها من الملح تأتي من أفريقيا, وفي الوقت نفسه كانت معظم صادرات ملح عدن تذهب إلى الهند, وبذلك سنحت الفرصة لرجل الأعمال السيد أنتوني بس, للدخول في مضمار صناعة وتصدير الملح لجس النبض حيث عمل على تصدير كمية من الملح من عدن إلى أثيوبيا على متن المراكب الشراعية التابعة له.
ونتيجة لذلك راودت أنتوني بس فكرة شراء مملاح عدن, ولكنه قرر عدم المضي قدما. واليوم عندما ننظر إلى هذا الصرح الصناعي التاريخي العريق, والذي كان يدخر لعدن بالعملة الصعبة على مدار قرون عدة, لا نرى غير أوباش وعصابات الفيد عملت كل ما في وسعها الاستيلاء عليه ونهبه وجعله ملكية خاصة لها.
صورة للعمال وهم يجمعون الملح في زنابيل خاصة
صورة تبين أكوام الملح بينما العمال منهكمين في نقل الملح
صورة للعمال وهم يجمعون الملح في اكياس خاصة
مكاتب الشركات التي كانت تدير المملاح