كريتر ( crater ) تعني فوهة البركان واطلق عليها هذا الاسم بعد الاحتلال البريطاني ، وهذة المدينة عبارة عن شبه جزيرة تبلغ مساحتها حوالي ( 200 كم مربع ) تمتد كرأس صخري في مياه خليج عدن ، وهي بمثابة بركان خامد مساحة امتداده في مياه خليج عدن حوالي ( 8.5 كم ) ، ويربطها بالبر برزخ رملي يعرف ببرزخ ( خور مكسر ) ، وتحيط بفوهة البركان سلسلة جبلية بركانية تكونت خلال الزمن الجيولوجي الثالث مع تكون أخدود البحر الاحمر ، وقد ساهمت في تشكيل تضاريس مدينة عدن وخليجها تلك السلسلة الجبلية المحيطة بها من جهة الشمال والغرب والجنوب الغربي تتفرع من جبل العر عمودها الفقري ، وساعد موقع مدينة كريتر الجغرافي وما وهبتها الطبيعة من مميزات على ان جعل ميناءها أشهر وأهم الموانى اليمنية منذ القدم ، وهذا الميناء الوحيد الذي تميز بعمقه ، وتحيط به الجبال الأمر الذي سهل للبواخر والمراكب من الرسو بأمان وحجبها من الرياح . ومن اهمية هذا الميناء أنه كشريان حركة للتجارة العالمية عبر العصور تشكل تاريخ مدينة عدن ، وظلت باستمرار محط أطماع الغزاة منذ فجر التاريخ ، وتحتوي على معالم أثرية ذات بعد هندسي وقيمة اقتصادية وجوانب روحية كالصهاريج والمساجد القديمة والقلاع والاسوار والتحصينات والانفاق وبقايا المنشأت السكنية العتيقة ، وكل تلك المعالم بصورها المتعددة هي التجسيد الحي للتواصل بين حلقات الحضارة الانسانية ، واثناء الاحتلال البريطاني عملت السلطات البريطانية على صيانة الاسوار والتحصينات القديمة للمدينة لحمايتها تم بذأت بتنفيذ تخطيط مدينة كريتر ( 1854م ) ، وغيرت اغلب الاحياء القديمة واستبدلتها بأحياء جديدة منظمة ورصفت الشوارع المستقيمة الحديثة .واصبحت كافة شوارع كريتر واحيائها تندرج ضمن مخطط عام لها يجمع بين الخدمات المتنوعة السكنية والتجارية والصحية والتعليمية والامنية ، وتطورت عبر المراحل التاريخية حتى صارت على ماهي عليه اليوم . ومن هذة الأحياء السكنية واهمها (حي القطيع) :القطيع :سُميت القطيع بهذا الاسم بحسب مارواه البعض كونه كان يتواجد فيه حظيرتين كبيرتين لقطعان من الأبقار والمواشي لذلك أُطلق عليها بـ (القطيع) وكانت هذة الحظائر المبنية بطريقة حضارية منظمة وكانت تقوم بتزود السكان يومياً بالألبان الطازجة وبأسعار زهيدة جداً ، هذة الحظائر كانت تسمى بالعامية (زرايب ) الأبقار ، وقد أُغلقت في نهاية الستينيات وبُني على أنقاضها في منتصف سبعينيات القرن الماضي مباني حديثة لمواطنين من المدينة ،المنشآت والمرافق الحيوية في القطيع :يعتبر حي القطيع واحداً من اعرق واهم الأحياء في المدينة ، بحكم موقعه بالقرب من البحر لذلك فقد شُيدت فيه منذ فترة مبكرة من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عدد من المباني السكنية والمنشآت الحيوية والمنشآت الرياضية وغيرها من المرافق الحيوية فقد أُنشى فيه عدداً من الاندية الرياضية منها نادي التنس العدني العريق الذي أُنشئ في عام 1902م ، كما يوجد فيه اعرق الأندية الكروية في المنطقة العربية وهو نادي (الإتحاد المحمدي) الذي تأسس في عام 1905م ، ومع تزايد عدد السكان فقد تأسس ناديان اخران هما (نادي القطيعي ) ( 1955م) (ونادي الأحرار الرياضي ) ( 1955م) ، وفيه ايضا نادي صيرة للتنس الذي بُني على انقاضه مبنى ادارة الهجرة والجوازات حالياً ، كما يتواجد فيه ايضاً مقر نادي التلال الرياضي الذي كان قبلاً مقرا لنادي (البينيان) ثم لنادي التضامن المحمدي فيما بعد و بعد عملية دمج الأندية الرياضية في كريتر اصبح نادي التلال الرياضي ، وذلك في عام 1975م .الطابع العمراني للمباني :يتكون هذا الحي من عدد من المباني الحجرية التاريخية القديمة التي زينت بالطراز المعماري القديم ، وتمتاز القطيع بشوارعها الواسعة المستقيمة وفي نهاية الخمسينيات شُيد في هذا الحي مايعرف بمباني التربويين التابعيين لوزارة المعارف آنذاك ، وقد وُزعت هذة الفلل الصغيرة لأعرق التربويين العدنيين ومنهم شاعر الجنوب الكبير المرحوم (لطفي جعفر أمان) الذي كان آنذاك وكيلاً لوزارة المعارف المسجد التاريخي لحي القطيع :وفي هذا الحي يوجد مسجد (العلوي) الذي شيده احد الأئمة الصوفيين وهو الأمام السيد (علوي بن محمد بن عيدروس) في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري ، ويقول بعض المؤرخون القدامى ان هذا المسجد بُني مكان مسجد صغير بنته السيدة الحرة ”بهجة“ أميرة من أميرات بني زريع ، إلا انه للأسف فقد طُمس هذا المعلم التاريخي الديني بطابعه القديم في إطار مخططات نظام الإحتلال اليمني الهادفه الى طمس المعالم التاريخية في الجنوب بحجة إعادة بنائه في مطلع تسعينيات القرن الماضي ، مدرسة القطيع : نتيجة لتوسع البناء في هذا الحي وتزايد عدد السكان فيه بإضطراد نظراً لأهمية وحيوية هذا الحي قامت الحكومة البريطانية في نهاية الخمسينيات ببناء مدرسة (المرسابة) للبنين بطراز معماري جميل ومن دور واحد ، وقد عمل في هذة المدرسة شخصيات تربوية قديرة كان على رأسها ( الجوهري وعمر عبدالعزيز ) وغيرهم من التربويين ، وهي تعرف اليوم بمدرسة (البيحاني) . وعلى مسافة ليست ببعيدة من المدرسة بالجهة الغربية كانت توجد مطبعة صغيرة قديمة لطباعة الكتب والوثائق والمستندات والدفاتر والنشرات وهي مطبعة (بهادر) التي أُنشئت في منتصف القرن الماضي من قبل احد السكان .مستوصف الفارسي بالقطيع :تاريخ هذا الحي زاخر فمن لايتذكر مستوصف كان يقدم خدماته الطبية للمواطنين بالمجان وهو ماكان يعرف بمستوصف (الفارسي أدلجي) ، وهنا لابد من التوقف قليلاً للحديث عن هذا المستوصف العتيق بمبناه التاريخي الفريد الذي كان يقدم خدمات جليلة إنسانية للمواطنين من الرجال والنساء والأطفال ، يقع هذا المبنى خلف البنك المركزي حالياً وعلى امتداد طوله وهو مبنى مطلية جدرانه الداخلية والخارجية باللون الأبيض ومصمم من الداخل بطراز معماري فريد يتوسط المبنى من الداخل مساحة مربعة تقدر (من 20 الى 25) متر مربع في وسطها يوجد بئر ، وكان يعمل مع هذا الطبيب الفارسي صيدلي عدني اسمه (الموشجي) وهو في الحقيقة ليس صيدلي وانما ممرضا مجتهدا يأتمر بأوامر من الفارسي الذي كان يصنع الأدوية محلياً، وهي أدوية بسيطة عبارة عن سوائل يحفظها في قنينات زجاجية كبيرة ويصرف منها للمرضى في زجاجات صغيرة واحياناً يطلب من المرضى جلب زجاجات فارغة معهم لمنحهم الأدوية ، وفي المستوصف قسم خاص في الجهة الغربية منه يهتم بتضميد الجراح للشباب والاطفال وحتى النساء ، هذا القسم كان يعمل فيه شخصية عدنية بسيطة بشوشة لديه دولاب داخل جدار فيه الضمادات والزجاجات الخاصة بالمطهرات الى جانب بعض المراهم الخاصة بالجراح والتي كانت تصنع من قبل الطبيب الفارسي ، وبجانب الدولاب وُضع كرسيان خشبيان طويلان ليحلس عليه الجرحى بشكل طابور يأتون اليه ليس من حي القطيع فقط بل ومن بقية الأحياء في كريتر كحي العيدروس والخساف وحي الطويلة وحي الروزميت .هذة الشخصية المحببة للاطفال التي كانت تلامس جراحهم وتداويها كان اسمه (البهديله) وشهرته في القطيع واسعة الكل يعرفه صغارا وكبار ، حتى أن الاطفال كانوا يدخلون الى هذا القسم وهم يصرخون من الألم والخوف ولكنهم كانوا يخرجون وهم يضحكون ويبتسمون فرحين فقد خفف عنهم البهديله آلامهم وداوى جراحهم .مستشفى الولادة :وعلى مقربة من مستوصف الفارسي من الجهة الشرقية توجد مستشفى الولادة (كيلينيك) وكان يُطلق عليها العوام (الكُنين) ، وهي مستشفى ضخمة فيها أسرة وأقسام مختلفة وكان بعمل فيها أطباء وطبيبات أجانب من الجنسيات الهندية والإنجليزية ايضاً ، وتُعرف اليوم بمستشفى (الشعب) او البعض يُطلق عليها مستشفى (الصين) لانه في السبعينيات تحولت هذة المستشفى الى مستشفى عام كل طاقمها الطبي كانوا صينيين ، وللأسف الشديد ايضاُ اُهملت هذة المستشفى اليوم التي كانت تقدم الخدمات الطبية لكل اهالي عدن واصبحت أطلال ينعق فيها الغراب ويتم التآمر من قبل نافدين في سلطة الاحتلال للإستيلاء على المبنى ، حتى المستشفيات لم تسلم من اعمال الفيد والسلب والنهب والبسط ومصادرة المنشآت الخدمية الطبية والتربوية وغيرها ، شوارع القطيع :لايوجد في القطيع أزقة (زغاطيط) ، فقد تم تخطيط شوارعها وفقاً لتخطيط المدن الحديثة بشوارع عريضة وواسعة وارصفة مسفلته وتمتد شوارعها بخطوط مستقيمة ومتقاطعة ومن اهم شوارع القطيع بتسمياتها القديمة هو (شارع السلام ــ شارع اللبن ــ شارع سكينة ــ شارع البدو ) وهي اسماء انتهت ولايوجد لها اثر اليوم برغم حلاوتها وذكرياتها الجميلة وفي انهاية السبعينيات اُطلق على حي القطيع اسم جديد وهو (حي الصمود) ولكن القطيع باسمها الجميل التاريخي الشائع طغت على هذا الاسم الذي فُرض بقرار سياسي في تلك الفترة من عهد النظام الشمولي . مقبرة القطيع الشهيرة :ويوجد في الجهة الجنوبية الغربية من الحي اقدم المقابر في عدن المعروفة (بمقبرة القطيع) الشهيرة ، وفيها عدد كبيرة من الأضرحة والقبور ، وبرغم مساحتها الكبيرة التي تقدر تقريبا بثلث مساحة الحي فقد ضاقت بها القبور ، ففيها يُشيع الجنوبيون اليوم شهداء الثورة الجنوبية الذين يسقطون برصاص الإحتلال اليمني بالمئات في كل مدن ومديريات العاصمة عدن .