محمد أحمد البيضاني
يا حجة فطوم با احازيك الليلة عن دكان الشحاري في حارتنا ، قالت الحجة فطوم .. ريض يا محمد با أعمر ماي فرست بوري ، وبعدين حازيني . قلت لعب "دكان الشحاري" دورآ في غاية الأهمية في حياتنا وحوافينا في عدن ، وكلمة "الشحاري" هي ترمز إلى الحضرمي و تعني أيضا الشخص الذي جاء من "الشحر" ، وقد تخصص أبناء الشحر بفتح دكاكين في كل حواري عدن وكانت هذه الدكاكين بمثابة "البقالات" في يومنا هذا .
ضحكت الحجة فطوم وقالت لا غيبكم يا شحارية عدن ، كانوا مثال الأمانة والدين والصدق ، كانت هذه الدكاكين زي "ميني سوبر ماركت" هذه الأيام .
قلت لها دكان الشحاري أرتبط كثير بطفولتنا ، كان الأمهات يرسلوا الأطفال يوميا لشراء "الراشن " .. أغذية البيت - من سكر، سمن ، زيت ، فحم ، دقيق ، شاي ، هيل ، جاز ، رز كل متطلبات البيت لعمل الأكل ، كل يوم بيومه ولم تكن موجودة عادة التخزين للغداء ، كان الدفع يتم نقدآ أو على الحساب إلى آخر الشهر حين يستلم الناس المشاهرة .
وأشتهر الشحاريه في حوافي عدن ومنهم : با حكيم ، سالم دومن ، باحميش ، باصم ، بالكسح والكثير كانت دكاكينهم في حواري عدن .. سوبر ماركتات عدن .. و أصبحت كلمة شحاري تعني صاحب البقالة أي بالعدني .. المُدكن .
قالت الحجة فطوم أن عظمة الشحاريه في عدن هو أمانتهم ودينهم وصدقهم وجودة البضاعة التي يبيعوها للناس ، كانوا ناس نبلاء أهل علم وتجارة ودين ، وكانت الناس في فواتير الحساب تعتمد على أمانتهم وأيضآ كانوا في بعض الأحيان يساعدوا الفقراء في عملية الدفع ويعتبروا ذلك صدقة وفضيلة .
أيضا يقوموا بدور البنوك في تسليف الناس المبالغ النقدية ، بل حتى بعض الناس يتركوا مبالغ نقدية أمانه لديهم . شحارية الشحر - حضرموت أهل الأمانة والصدق والمعروف .
لعبت العائلات الحضرمية العريقة التي أستوطنت عدن دورا كبيرآ في تقدم ورخاء المجتمع العدني ونشر العلم والدين والأمر بالمعروف والإحسان - مثل العطاس ، السقاف ، بازرعة، با صالح ، الصافي ، عقبه ، الكاف ، باجنيد ، باوزير ، با شنفر ، باعبود ، باصهي ، باصديق ، باحميش ، باشراحيل ، باهارون ، باسودان ، باعبيد ، باعشن ، بامطرف ، با معروف ،. قلت لها يا حجة فطوم إن حضرموت هي مدرسة القرآن .. ومحراب الدين .
يا حجة فطوم .. وفي بداية شبابنا كان عيال الحافة يلتقوا عند دكان الشحاري الذي كان بمثابة مجلس لهم يتبادلوا الأحاديث والمناجمه الضاحكة مع الشحاري .. شحاري الحافة ، وكانت هناك مساجلات ومناجمات مشهورة بين مناجمين حافة القاضي وبين الشحاري المشهور لحافة القاضي الرجل الأمين العظيم في حياتنا .. العم سالم دومن ،
يا حجة فطوم كان العم سالم دومن رجل مثقف ويحب الإطلاع والقراءة وقد تعلمت منه قراءة الصحف ، وأذكر في عام 1958 كنت أستعير منه المجلات المصرية مثل آخر ساعة ، والمصور ، وصباح الخير ، ورزاليوسف ، والريدر دايجست - بالعربية .
يا حجة فطوم .. لقد تعلمت حب القراءة من دكان الشحاري في حافتنا .. العم سالم دومن . قالت الحجة فطوم وأيضا يا محمد أنطلق من حافتنا – حافة القاضي - الفنان العظيم أبوبكر سالم بلفقية الذي عاش في حافتنا وكان يعمل في أول شبابه معلم في "مدرسة البانيان" في عدن .
شجع الفنان العبقري أبوبكر سالم بلفقية معلم فنانيين عدن ابن شعب العيدروس .. شيخ الفنانيين الأستاذ يحي مكي ، وأعطى لحن خالد لأبوبكر لينطلق في دنيا الفن . كانت أغنية "من نظرتك يا زين" التي غناها أبوبكر مع ابنة حافة بيت النورجي - الفنانة العدنية الأولى السيدة نبيهة عزيم ، كانت هذه الأغنية سبب شهرة أبوبكر سالم ، وساهم الشاعر العظيم ابن حافة القاضي لطفي جعفر أمان يرحمه الله في إعطاء أبوبكر أجمل القصائد الغنائية الأولى التي صنعت المجد الأول لأبوبكر سالم .
قالت الحجة فطوم : ايش تشتي سحور – قلت لها : فول مع القوارمه وخبز طاوه
كاتب عدني ومؤرخ سياسي - القاهرة