كتب: محمد أحمد البيضاني *
تلعب الحكايات الشعبية والحواري دورا هامآ في كتابة تاريخ الشعوب ، أشعر بالسعادة تغمرني وأنا في مصر . هنا في هذه الأرض المباركة القديمة مستودع التاريخ البشري في كل المجالات الأدبية والفنية والعلمية والتاريخية .هنا مصر التاريخ . هنا النيل - هنا الجيش المصري - الجيش البطل جيش الشعب . هنا جمال وأم كلثوم وعبد الوهاب وأحمد رامي .. هنا تاريخ العرب. الحواري الشعبية في مصر لا تنتهي أمر في الحواري أرى تاريخ أمة وعظمة شعب عريق في صورة كفاح وصبر بائعات السمك والخضار والخبز والقهاوي الشعبية ، وصورة الفلاح والمعلم المصري القديم ، ولعب الصبيان في الحواري ، بالرغم من الأبراج والعمارات الفخمة الأنيقة والمول الكبير ودور الأزياء والماركات الأوروبية الكبيرة في عالم الأناقة , ولكن ما زال التاريخ - تاريخ الأناقة في مصر في محلات عدس وشبراويشي وصيندناوي وشكوريل .
ما زال مقهى وحلويات جروبي وكافتيريا ريتش متواجدة - هنا كان يجلس شوقي والعقاد وطه حسين وإحسان عبد القدوس ورز اليوسف وكامل الشيناوي و السعدني . هنا في شارع محمد علي ودنيا العوالم وإنظلاق الفن .. تهتز الدنيا نجوى في رقص سامية جمال وإرتعاش أساورها في بهجة الليل .. تاريخ مضى - وليل عبر ، ولم تبقى سوى الذكرى - وهي التاريخ.
قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك عواف * سنبوسه حالي* وشاهي ملبن ، هذه السنبوسه أختفت من عدن منذ الخمسينات ولم يعد يسمع بها أحد ، وهذه السنبوسه تحشى بقطع *نبات* - أي سكر . قالت لها ضاحكآ أذكر يا حجة فطوم كان يوجد بيت في زغطوط البربراوي قريب من بيت جدي كانوا يبيعوا هذه السنبوسه التي أختفت وكان سعرها غالي جدأ.
قالت الحجة فطوم حازيني يا محمد عن المتنه وتاريخ تقريح المتنه. قلت لها كثير من الأمراض التي كانت تداوى شعبيا في حواري عدن قد اختفت، والأمراض منها : المتنه ، الكوتيعه، الهزر ، القرحدد ، الربايه ، الزيط ، الهجش ، اللمس ، الصنافير و الحراره و كثير من الأوبئة. خافت الحجة فطوم وقالت : ايش من فواشع كانت موجودة – تفوه إبليس – تفلت يمين وشمال – وقالت يا باهوت لا تخرج من التابوت - حياطه حياطه وأسم الله. ثم ضحكت وقالت يا محمد كيف هذه الآفات والفواشع أختفت من عدن.
يا حجة فطوم في أحد الأيام زارني في كوبنهاجن صديقي في طفولتي وشبابي ابن عمتي الدكتور المرحوم وجدان علي محمد لقمان ، كنا نتسامر وتطرقنا إلى هذا الموضوع ، قال لي ضاحكآ : يا محمد لم تكن الوسائل الطبية الحديثة قد دخلت عدن إلا في بداية الخمسينيات ، كانت الوسائل متواجدة ولكن محصورة وأساسآ لم تكن بعض هذه الوسائل الطبية قد وجدت حينذاك ، خاصة من وسائل المطهرات ، والمضادات و بعض الأدوية المتطورة . قلت له لقد أهمل الإنجليز ذلك وعلى سبيل المثال في مرض السل - TB - كان يعالج بالراحة التامة وأقراص دوائية وزيت كبد الحوت ، ولم يصرف العلاج بالحقن المضادة إلا على مستوى ضيق جدآ جدآ في الستينات وقد مات كثير من المرضى. كثير من الأوبئة والأمراض كانت تعالج بالطب الشعبي .
يا حجة فطوم أذكر في طفولتي كانت * الصنافير* على الجلد تسبب لنا ألم كبير في طفولتنا ، والحراره أي الطفح الجلدي ، كانت أمهاتنا يعالجوا الحراره بغسلنا في الحمام بالحناء والغسل كي يبرد الجسم حتى جاء الزنج باودر - Zinc Powder وبعدها جاءت بودرة Johnson & Johnson . يا حجة فطوم ومن الأمراض الظريفة في عدن * المتنه * - قالت الحجة فطوم ايش هذه المتنه الشائعة في عدن. قلت لها : هو شد عضلي في الرقبه والظهر يصيب الإنسان من خطاء وضع النوم والرطوبة وبعض القعايد الحبال والقعايد المقوسه . ضحكت الحجة فطوم وقالت قعايد أبو طربال المشهورة وارد سوق الحراج ، وكان الحلاقين في عدن يحلقوا الرؤوس ويقرحوا المتنه. يا حجة فطوم عاش الناس في الشرق ببساطة ولم يكن هناك كثير من الأدوية بل كانت الأدوية الشعبية والحلاقين في حواري عدن يقوموا بدور الأطباء ، وأيضا نفس الدور في حواري القاهرة ودمشق وعدن.
قالت الحجة فطوم يا سلام على الزمن الجميل وزمان بودرة جونسون أند جونسون ، قلت لها كانت بودرة جميلة إلى يومنا هذا ، ولا أذكر من أحضرها إلى عدن بيت البس التجاري ، أو شركة الأدهل للأدوية .
*كاتب عدني ومؤرخ سياسي - القاهرة.