لا أحد يعرف متى بدأت العبودية في أن تصبح نظام في التاريخ البشري ويبدو أن العبودية بدأت حين خرج الإنسان الأول من الكهوف وبدأ الحياة والتطور على وجه الأرض بممارسة الزراعة وإمتلاك الأرض والماء. إكتشف الإنسان الأول السلاح وبدأ في البداية في الدفاع عن نفسه من الحيوانات المفترسة ، ثم تطور الأمر في إستعمال السلاح في إعتداء الإنسان على أخيه الإنسان وبدأ الغزو والتسلط وإمتلاك الثروات الغير طبيعي – فبدأ عصر العبودية . جاء الفلاسفة والمصلحين ثم الأنبياء لتنظيم الحياة والتحول من شريعة الغاب .. إلى شريعة الله. نادت كل الكتب السماوية بحرية الإنسان وكرامته وحقه في الحياة والحرية والعدالة. دارت عجلة التاريخ فجاء العصر الصناعي وأحتاجت الصناعة إلى عمال ، دخل الجشع إلى عقول الصناعيين وكان العامل يعامل ليس كإنسان بل جزء من الآلة ، فجاء الفكر العمالي الحر فنادى بتنظيم العمل وحقوق العمال من كل النواحي ، وصدرت التشريعات بالحقوق العمالية كجزء من دستور البلاد بموجب القانون .. كانت هناك صحوة إنسانية غيرت مسار التاريخ.
قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي فرست بوري وبا أجيب لك عواف مطبق ولوب وشاهي عدني ملبن وبعدين حازيني عن النقابات العمالية العالمية ، و الحركة العمالية في عدن - المؤتمر العمالي T U C- وقصة عمال البوكه في عدن.قلت لها يا حجة فطوم هذا موضوع تاريخي في غاية الأهمية وسنذكره في بحث واسع وطويل في وقت آخر، وسنمر سريعآ على الحركة العمالية العالمية التي بدأت في القرون الوسطى ،وعبرت عنها ثورة الفلاحين في إنجلترا التي تعتبر موطن الحركة النقابية الأولى في التاريخ التي كانت تنادي إلى تأمين مصالح العمال المستندة إلى حقوقهم الشرعية ، أحد قادة الثورة حينذاك جون بول الذي قال القول التاريخي الإنساني المعبر عن العدل بين الناس: * عندما خلق آدم وحواء ، من كان يومها "السيد " * - وقال قبله بقرون عديدة الخليفة العادل عمر ابن الخطاب ، القول التاريخي : * متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا* وأخبرني صديق إن هذا القول موجود بالحرف في ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وقد ذكرت سابقآ إن في اللغة الحميرية لا توجد كلمة " عبد " .
إن الإنشاء الفعلي للنقابات الحديثة بموجب القانون قد أنشأت في بريطانيا في القرن الثامن عشر ، وفي عام 1833 صدر قانون على أن أي طفل تحت سن 9 لا يحق له العمل بعد أن كان يشغل الأطفال الفقراء في المصانع. وفي عام 1919 تأسست *منظمة العمل الدولية* كجزء من عصبة الأمم لحماية حقوق العمال في جميع أنحاء العالم. قالت الحجة فطوم يا سلام يا محمد على العدل والإحسان بين الناس. يا حجة فطوم في بداية الأربعينيات بدأت الحركة العمرانية والتجارية في عدن وتوسعت الموانئ وإقبال الشركات الأجنبية إلى البلاد وتدفق العمال من جميع المناطق وكانت هناك حركة صناعية وتوسعت القواعد العسكرية البريطانية . في عام 1956 كان إنسحاب بريطانيا العسكري من شرقي السويس وتدفق الآلاف الجنود البريطانيين إلى عدن ، وبدأت حركة عمرانية وخدمات ضخمة لتلك القوة العسكرية الهائلة ، وأصبحت عدن مركز القيادة العامة للقوات البريطانية في الشرق الأوسط جوآ وبحرآ وبرآ.
يا حجة فطوم كان من الطبيعي إيجاد تنظيم لتلك الحركة العمالية ،
وبدأت أقلام الفكر العمالي العدنية تنشط تطالب بالعدل والإنصاف للعمال ، قاد ذلك إلى حركة تاريخية بإنشاء النقابات العمالية التي ترعى وتصون حقوق العمال في ظل النظام والقانون. كانت حركة تاريخية ضخمة في إنشاء المؤتمر العمالي T U C في عدن ، تلك الحركة الإنسانية التي قادها المفكر والسياسي النقابي الأول عبد الله عبد المجيد الأصنج. يا حجة فطوم كان كثير من العمال في عدن يعملوا بطريقة * البوكه * - عمال بوكه وهي طريقة عمال اليومية ، يستلموا أجورهم في اليوم الواحد دون تحديد ساعات العمل - دون إجازة - دون إجازة مرضية - دون حقوق خدمة - دون رعاية طبيبة عامة أو إصابة في العمل ..
إنها نوع من العبودية وعمل العبيد. قالت الحجة فطوم يا محمد من فين أجت كلمة * البوكه * . ضحكت وقلت لها إنها كلمة تهامية والبوكه تعني الروحه وجاءت من كلمة بوك أي أذهب للعمل اليومي ، لأن معظم عمال البوكه في عدن كانوا من تهامة. قالت الحجة فطوم الله أكبر يا T U C .. المؤتمر العمالي الذي نظم العمل وحقوق العمال وأوقف طريقة العمل بالبوكه. قلت لها المؤتمر العمالي أعاد للعامل حقوقه وكرامته وحريته ، وبعدها طور الأمر إلى الفكر السياسي وإلى قيادة الحركة الوطنية والمطالبة بالإستقلال .
محمد أحمد البيضاني
كاتب عدني ومؤرخ سياسي
