كتب/ خالد لقمان
بعد أكثر من عشرين عام اجد الذاكرة تعود بي في مثل هذه الأيام إلى احداث قديمة وقعت بمدينة عدن خلال حرب صيف 1994 وكيف مرت تلك الأيام على أهالي هذه المدينة .
مرت عدن خلال العقود الماضية بالكثير من التجارب والاحداث المريرة بينها تجربة انعدام المياه خلال الحرب ب 1994 والذاكرة عادت بي إلى تلك الأيام بسبب انقطاعات الكهرباء والمياه اليوم .
في مثل هذه الفترة, صيف عام 1994, من عشرين سنة, خلال حرب الشمال والجنوب, حدث إستهداف لمصادر الماء والكهرباء في عدن بالطائرات والصواريخ.
بدأ الناس في عدن, وفي عدن القديمة على وجه الخصوص (كريتر) البحث عن مصادر للمياه من مرحلة ما قبل أنابيب الماء التي تصل للمنازل. في عدن عشرات الآبار التي تم ردمها في فترة الإحتلال البريطاني بعد أن تم توصيل أنابيب المياه للمنازل. كل المساجد القديمة تقريباً بها آبار ماء مردومة, بعض البيوت الكبيرة أيضاً أحتوت على آبار في مرحلة زمنية معينة.
قام والدي وإبن السيد عبدالرحمن الشحاري, صاحب بقالة الحافة بتحديد مكان البئر المردومة في حافتنا, أحضروا حتى الورّاد (الساقي) الذي كان يعمل على توريد الماء للمنازل في الحافة والحوافي المجاورة قبل عشرات السنين.
كان الرجل كبير السن وأعمى, حدد موقع البئر عن طريق عد الخطوات من ركن بيت (غيلان), وقال لأهل الحافة أن الماء مالح ولم يكن صالح للشرب, إنما للتنظيف فقط. بدأ والدي وإبن السيد عبدالرحمن بالحفر السطحي حتى وصلوا لإطار خارجي من أحجار مصفوفة.
ساهمت سيدات فاضلات في تحديد موقع البئر, أتذكر منهن السيدة أم حامد بركات والسيدة أم عصام غيلان والسيدة أم خليل شيباني, وبدأنا (شباب الحافة) بالحفر, أتذكر أننا كنا من 8-10, أتذكر محمد عبدالكريم, فهمي الشيباني, يسري اليماني, أحد التوأمين حسن ونبيل عوض كرامة, مهدي, مجيد جرجرة وياسر بن وهاس وآخرين لا تسعفني ذاكرتي لتذكر أسماؤهم الان للاسف, أستغرف الحفر أسابيع, كنا نربط أنفسنا من الخصر بحبل يمتد إلى نافذة دكان السيد عبدالرحمن في حالة إنهيار أرضية البئر, كنا بدون معدات ملائمة في بداية الأمر حتى أسعفنا بيت عبدالمنان وبيت أحمد عبدالعزيز والمحامي حسين عولقي ببعض المعدات وخوذ الرأس إلى جانب مساعدات كثيرة من أهل الحارة.
كنا عندما نشعر بالضيق والإختناق والخوف ربما, نسحب الحبل حتى يقوم من في الأعلى بسحبنا وإستبدالنا بآخر, وكان كل متر حفر يزيد من أمل الوصول للماء حيث أن تربة البئر تزداد رطوبة. أتذكر تحول المسألة إلى منافسة في كثير من الأوقات, كان الحفر يستمر من الصباح الغير باكر حتى بعد منتصف الليل رغم حظر التجوال.
أتذكر سقوط أحجار على بعضنا أثناء الحفر. أتذكر وصولنا إلى كتلة إسمنتية كبيرة وثقيلة جداً أحتجنا إلى أن نمد سلسلة من الرجال ألى آخر الحافة لسحبها.
طلع الماء وكان عذباً, وأحتجنا إلى مضخة مياه, ذهب والدي والجار الفاضل عبدالكريم الله يرحمه إلى الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر لإحضار مضخة, لم نتمكن من تشغيلها حتى قام بذلك مهندس بترول من شباب الحافة, سليم البدوي.
أتذكر قيام أطفال برمي قطة ميتة إلى داخل البئر, لم نتمكن من إخراجها لعمق البئر وأكتفينا برش الكلور والشرب. أتذكر التبرع اليومي بالمشروبات الباردة من بيت الزليخي والشاي الساخن من الحجة نور علي غانم للشباب اللذين كانوا يقومون بالحفر. أتذكر الكثير من الدعم والتشجيع من هل الحافة.
أستمر إنقطاع الماء عن مدينة عدن لفترة طويلة بعد إنتهاء الحرب وكان البئر مصدر الماء الوحيد تقريباً لأهل الحافة والحوافي المجاورة, وكنا كل بضعة أيام نقوم بغسل الحافة وتنظيفها حتى أطرافها.
كنا نوصل خراطيم المياه إلى داخل بيوت الحافة لتعبئة ما يمكن تعبئته من خزانات وأوعية. أستمر الحال لأسابيع أو ربما أشهر. بعد عودة المياه قام أهل الحارة ببناء غطاء من الإسمنت والحديد للبئر, لم يقوموا بردمه هذه المرة, ربما للحروب القادمة.
ملاحظة: الصورة الأولى تظهر أبي والعم أحمد عبدالعزيز والعم عبدالكريم الله يرحمه والعم علي غالب وشباب وأطفال الحارة. الصورة الثانية تظهر أحد الشباب في أثناء حفر البئر, لست متأكد لو كنت أنا الذي داخل البئر أو كنت ملتقط الصورة. الصورة الثالثة تظهر والدي وإبن خالتي وشباب وأطفال الحافة, أما الصورة الرابعة فهي مركبة من صورة قديمة قبل عقود لأبناء عم أبي عبدالرحيم وعلي لقمان الله يرحمهم بجانب البئر ونصفها الآخر صورة بتاريخ اليوم للبئر.