اتذكر عندما نقلنا الى بيتنا في خورمكسر في اوائل الستينات من القرن الماضي كان البيت عبارة عن فيلا يحيط بها حوش وكان سور البيت ارتفاعه متر واحد من الشبك الحديدي بحيث يرى الساكن الشارع وكل من يمر به بوضوح . ثم جاءت الثوره وتغير شكل الحوش وسوره وكلما تعمقنا في ثقافة الثوره تتغير ملامح السور المحيط فصار الشبك جداراً من الحجر ونما السور كالبشرفصار مترونصف ثم مترين وبعد الوحده المباركه اكتمل نمو السور على ثلاثة امتار وفوقه اسلاك حديديه لمنع المستللين كما ضاعت الاشجار داخل الحوش وحلّ محلها ابنيه عشوائيه بعيده عن كل ملامح الجمال ... ولا ادري ماهو القادم من تطورات وربما نضطر الى كهربة الاسلاك ويصير البيت سجن بارادة اهل البيت ... وهذا من انجازات الثورة والوحدة .
واتذكر كان امام متجرنا في ركن الزعفران بكريتر حاجز حديدي كتب فوقه "هذه الحواجز لوقايتكم .. فأمشوا وراءها" وكانت الناس ملتزمه بهذه التعليمات الجميله وكنت ارى الشباب اللطيف المعشر الحسن الهندام يجلس فوق ذلك الحاجز يتفرجون على الرايح والغادي وخاصة الجنس اللطيف منهم . وجاءت الثورة والوحدة المباركتين وتم ازالة تلك الحواجز واحتل بائعي المفارش الارصفة واختفى منظر الشباب ومنظر الجنس اللطيف الجميل وحلّ بدله رؤية اصحاب الدقون والجنابي وغيرها من بشاعات تسد النفس وتزكم الانوف !
واتذكر ذلك الجيل النظيف الانيق في وقت العصر وهم يتمشون مع اسرهم في ساحل جولدمور بالتواهي وكان الجميع يسرح ويمرح ويلعب ولاتسمع إلاّ صوت الاغاني لاحمد قاسم والمرشدي وبامدهف والزيدي وغيرهم ... وماذا ارى الآن ! ولا اسمع اليوم إلاّ لعلعة الرصاص او دوي الانفجارات هنا وهناك ....ولاحول ولاقوة إلاّ بالله العلي العظيم.
واتذكر تلفزيون عدن الابيض والاسود وهو اول تلفزيون في الجزيرة العربية وتلك البرامج الشيقة بالرغم من شحة الامكانيات تنشر الامل والبسمة والضحكة بالاضافة الى الثقافة فاستبدلت بتلفزيونات تنشر الذعر والخوف والفتن ماظهر منها وما بطن.
واتذكر مجالس القات ايام العطل وكيف كان يحفل المجلس بكل الطيف العدني المثقف يتخلله النغم الجميل والنقاشات المفيدة الراقية... وارى مجالس القات القاتلة اليوم وفرق كبير بين الاستمتاع وقتل الوقت .
وكثير .... وكثير من الذكريات الجميلة والناس الطيبين الذين رحلوا وتركونا للوحوش المفترسة التي لاتيقي ولاتذر ولم يبقى معنا الاّ تلك الذكريات الحلوة التي نجترها كلما ضاقت بنا الدنيا ونسأل الله حسن المخرج من الذي نعانيه انه سميع مجيب .