في كل عام، يأتي يوم 30 نوفمبر ليذكرنا بلحظة فارقة في تاريخهم، تلك اللحظة التي توجت نضالاتهم الطويلة ضد الاستعمار البريطاني، يوم نال جنوب اليمن استقلاله في عام 1967. هذا اليوم يحمل في طياته معاني عظيمة تتجاوز حدود الزمن، فهو ليس مجرد ذكرى تُسترجع، بل هو رمز لتاريخ طويل من الكفاح والحلم بمسقبل أفضل.
لكن، ماذا حدث لذلك الحلم؟ لماذا نجد أنفسنا اليوم في مشهد تمزقه الصراعات والانقسامات؟
الإجابة تكمن في الأسئلة التي لم تُطرح يومها، والتي تتعلق بماهية الدولة التي نريد بناءها، وأي رؤية يمكن أن تجمع شعبًا متنوعًا في هوياته وتاريخه وطموحاته؟.
30 نوفمبر حمل وعدًا بتحقيق هذه القيم، لكنه أيضًا كان البداية لمرحلة من التحديات التي لم تكن أقل قسوة من فترة الاحتلال. فاليمن، منذ استقلاله وحتى اليوم، لم يخرج من دائرة الصراعات الداخلية والخارجية، بل باتت أزماته أكثر تعقيدًا، مما يطرح تساؤلات عميقة حول الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه.
اليوم، يعيش اليمن واقعًا ممزقًا بفعل الانقسامات السياسية والجغرافية، حيث تحول الوطن الواحد إلى مساحات متناحرة تتصارع فيها الأطراف المختلفة على السلطة والنفوذ. هذه الانقسامات لم تكن وليدة اللحظة، بل هي امتداد لصراعات تراكمت عبر العقود، وتركت أثرًا عميقًا في النسيج الاجتماعي. الاستقلال، بمعناه الحقيقي، لم يتحقق بالكامل، لأن بناء الدولة التي تحترم مواطنيها وتحميهم من الانقسامات لم يكن في أولويات من حكموا البلاد بعد الاستعمار.
التحدي الأكبر الذي يواجه اليمن اليوم ليس فقط في استعادة وحدته، بل في استعادة هويته الوطنية التي تآكلت بفعل الصراعات. في وطن متعدد الثقافات والخصوصيات، يصبح السؤال عن الهوية سؤالًا وجوديًا. كيف يمكن جمع هذا التنوع في إطار دولة حديثة تحترم الجميع؟ الإجابة تكمن في الاعتراف بأن القوة تكمن في الوحدة، وأن الحل لا يمكن أن يأتي من الخارج، بل من إرادة داخلية صادقة تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.
الاستقلال لا يتحقق بمجرد طرد المستعمر، بل يتحقق ببناء وطن يتسع للجميع، وطن تتوفر فيه العدالة والكرامة، وتتاح فيه الفرصة لكل فرد ليعيش حياة تليق بإنسانيته. الفيلسوف إيمانويل كانط قال ذات يوم إن الحرية ليست مجرد التخلص من القيود، بل هي القدرة على وضع القوانين لأنفسنا. وبالنظر إلى واقع اليمن، يبدو أن الحرية التي تحققت في 30 نوفمبر ما زالت بحاجة إلى أن تتحول إلى مشروع وطني شامل يعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويضع أسسًا جديدة لمستقبل أكثر عدلًا واستقرارًا.
في ذكرى 30 نوفمبر، لا يكفي أن نحتفل بالماضي، بل علينا أن نراجع أنفسنا ونسأل: ماذا فعلنا للحفاظ على ذلك الإنجاز؟ هل نجحنا في تحويل الاستقلال إلى منطلق لبناء دولة حقيقية؟ أم أننا اكتفينا باسترجاع الذكرى دون العمل على تحقيق الحلم الذي كان يرافقها؟
إن هذا اليوم يجب أن يكون فرصة للتأمل والعمل، لحظة نتوقف فيها لنراجع أخطاءنا ونتعلم منها. اليمن لا يزال يحمل في طياته إمكانيات كبيرة، وإذا ما استعاد اليمنيون وحدتهم وإيمانهم بمستقبل مشترك، فإنهم قادرون على تحويل ذكريات الاستقلال إلى واقع يليق بتاريخهم وتضحياتهم.
ختامًا، 30 نوفمبر هو أكثر من مجرد يوم في التاريخ. إنه تذكير بأن الحلم اليمني لا يزال حيًا، وأن الفرصة لبناء وطن جامع لم تُهدر بعد. لكن هذا الحلم لن يتحقق إلا بإرادة حقيقية وعمل جماعي يضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.