آخر تحديث :الأحد-13 أكتوبر 2024-11:49م

استمرار المعركة

الأحد - 29 سبتمبر 2024 - الساعة 03:42 م
د. مروان الغفوري

بقلم: د. مروان الغفوري
- ارشيف الكاتب


اغتيال حسن نصر الله ضَمن استمرار المعركة. كان لها أن تنتهي، بطريقة ما، لو أنه بقي على قيد الحياة.
نشوة نتنياهو اليوم لن تداني نشوة الثنائي شارون-بيغن بعد اجتياح بيروت ١٩٨٢ وتصفية المقاومة الفلسطينية. قيل آنذاك: إلى الأبد.

خسر حزب الله هذه المعركة. هناك أسباب كثيرة جعلته يخسرها، تشبه في بعض وجوهها الأسباب التي جعلت عبد الناصر يخسر حرب حزيران: الانخراط في سلسلة حروب ذات طبيعة إيديولوجية في أكثر من دولة.

لا حرب خاطفة. ما أسمتها إسرائيل بحرب الأيام الستة لم تكن كذلك، إذ قادت إلى ستة أعوام من حرب الاستنزاف، وانتهت بهزيمة صاعقة في الأيام الأولى من حرب أكتوبر ١٩٧٣.

حرب خاطفة مع حزب الله، تبدو ردة الفعل شبيهة بنطة القطة الميتة Dead cat Bounce. اعترف نصر الله في خطابه الأخير بالهزيمة ضمناً، قائلاً هكذا هي طبيعة الحروب. ثمة مسائل أكثر نجاعة من المقامرة، ونحن أمام الحقائق الجديدة: مراعاة مصالح الدولة اللبنانية، الشعب اللبناني المتنوع (يمثل الشيعة ربع السكان)، مصالح الحزب الذي تعرض لضربة مدمرة، ثم النظر إلى طبيعة الصراع المركب والأبدي. مطالبة الحزب المكشوف، والمصدوم، بالقيام بمقامرات عسكرية هي دعوة لا تأخذ الحقائق على محمل الجد.

انتهت أغلب الحروب، على مر التاريخ، إلى منتصر ومهزوم. وتوجب على المنهزم أن لا تفوته اللحظة المناسبة لمغادرة ساحة المعركة وإلا تأخر الأمر. رحل حزب الله ومعه حوالي عشرون من رجال الصف الأول والثاني في المنظومة، وهي بنية هرمية بطريركية نصف وزنها يعود إلى كاريزما القائد.

سيشق الحزب طريقه مستقبلا في بيئة غاية في الصعوبة، وأول ما سيخسره هيمنته على الداخل اللبناني. ربما سيتخلق من داخله نظام جديد، ثائر وانتقامي، وسيأخذ شكلا ومعنى مختلفاً. اغتيال حزب الله سمح لإسرائيل بالإدعاء أنها استعادت قدرة الردع، ذلك المجال الوهمي القائل إن المساس "بنا" يكلف كثيراً. لكن أيضاً خلق فرصة ذهبية لنمو تيارات جديدة بقيادات أقل كارزمية وأكثر ضراوة، كما حدث مع الانتقال من بن لادن إلى البغدادي.

استعادت إسرائيل قدرة الردع وأهالت، أخيرا، التراب على صورتها في السابع من أكتربر. حدث هذا. الأمن طويل المدى شأن آخر، فالقنابل زنة طن لا تجلب الامتثال الإجباري للحقيقة الصهيونية. من جوانب عديدة يمكن تشبيه الهزيمة الساحقة التي نالها حزب الله، خلال وقت قصير، بما جرى في ١٩٦٧. تلك الهزيمة لم تضع حدا للصراع العربي - الإسرائيلي، رغم كل ادعاءاتها. مات عبد الناصر بعد الهزيمة بحوالي ثلاثة أعوام فأخذ الصراع شكلا أقل ضجيجا وأكثر خطرا وأثراً. حسن نصر الله، الذي تضررت سمعته بسبب أنشطته في اليمن وسوريا ولبنان، لا يداني الكاريزما العالية لعبد الناصر. منح الأخير الهزيمة اسماً فنّيا: النكسة. وانسحب إلى لوراء ليعيد بناء الأمة والجيش من الداخل. سرعان ما رحل، تاركاً كل ميراثه، وجاء غيره. على أعقاب الهزيمة أكدت إسرائيل نفسها بوصفها قوة وجدت لتبقى، وهي قادرة على الإيقاع بخصومها في كل مكان. مقتل نصر الله، وأغلب رجال القيادة، خلق إسرائيل جديدة، مجتمعاً آمن بالقوة القاهرة، وسيختار رجالاً ميالين إلى الحروب والصدامات. أيضا خلق مهزومين ليس لديهم مكان آخر ليذهبوا إليه سوى الاختباء لبعض الوقت ثم العودة إلى المعركة. وهي معركة ليست على عجلة من أمرها، يمكن للمرء أن يلتحق بها غداً أو بعد عشرين عاماً..