آخر تحديث :الأربعاء-23 أكتوبر 2024-08:55ص

المستقبل في عالم الفوكا

الأربعاء - 10 يوليه 2024 - الساعة 10:05 ص
غازي الصبيحي

بقلم: غازي الصبيحي
- ارشيف الكاتب


الإدارة علم مثل كل العلوم التي تتجدد وتتطور مع مرور الزمن ومع المتغيرات في البيئة المحيطة، وما كان يصلح بالأمس قد لا يصلح اليوم، وما كان في الماضي واندثر يمكن أن يعود على الواجهة من جديد، فمثلاً نظريات القيادة التي كانت في أواخر الثمانينات عادت للظهور بعد أزمة كوفيد19، وما طرأ على العالم من تغييرات في مفهوم الحياة الرقمية في ظل ثورة التكنلوجيا المتقدمة، حيث أصبح العالم يعيش في تعقيدات كثيرة وغامضة.

وقد تطرق الكتاب والمفكرين والمهتمين في علم الإدارة ومنهم محمد على نصر الدين في كتابه (فوكا القيادة الناجحة في بيئة الغموض) والذي صدر عن مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية والذي يشير في ملخصه الى وجود عالمين مختلفين في هذا العصر، عالم يعيش في معاناة الماضي والعالم الآخر هو عالم المستقبل المتقدم، وهو العالم المنشود لدى الأغلبية ولكن حتى نصل الى ذلك العالم لا بد المرور بمرحلة فيها تعقيدات وغموض وتحديات كثيرة، وهذا ما تم توضيحه من خلال مسلسل الخيال العلمي البرازيلي (3%) الذي تدور أحداثه حول مجتمعين أو عالمين مختلفين. الأول، هو مجتمع يحوطه الفقر والبؤس والمعاناة (وذلك هو الحال في كثير من البلدان بالفعل). والمجتمع الآخر، هو عالم مستقبلي متقدم ومتطور للغاية (وذلك ما نطمح إليه جميعنا). وللانضمام إلى المجتمع الثاني، عليك المرور بمرحلة تسمى بالـ «Process». وهو ما كان متاحاً لمن يصلون إلى عمر الـ 20 عاماً، لكن المعضلة الرئيسة هي أن 3 بالمئة فقط يسمح لهم بالوصول إلى ذلك العالم المستقبلي المتقدم بعد اجتيازهم لعدة اختبارات، مثل اختبارات الثبات الانفعالي المضنية، وقياس مدى التمتع بمهارات الذكاء العاطفي، والتفكير المنطقي والمستقبلي، وغيرها من الاختبارات المعقدة.

البعض من المهتمين أكدوا في كتاباتهم أننا فعلاً أصبحنا نعيش اليوم بالفعل في مرحلة الـ (Process). حيث أصبحنا سيارات ذاتية القيادة، وطائرات بدون طيار، وأصبحت الآلة تقوم بمهام بدلاً من الإنسان باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وابتكارات التكنولوجية المتقدمة المذهلة.

السؤال في ظل هذه السرعة الكبيرة في التغييرات، هل نحن مستعدون للتكيف السريع والذي يسير بسرعة هائلة نحو مجتمع تسوده الرقمنة الشاملة، وهل سيكون هذا العالم أفضل للمجتمعات في المستقبل؟ وكيف سيكون شكل ذلك المستقبل؟
طبعاً تشير بعض الدراسات أن من أعمارهم أقل من عشرون عاماً هم من لديهم الفكر والقدرة على العبور لذلك المستقبل دون خوف، أما من عاش بين عالم المستقبل والعالم الماضي ما زالوا يعيشون نوع من القلق والخوف بالتبعات التي يمكن أن تحدث وخصوصاً في تفكيرهم بمدى الالتزام بالأخلاقيات الناجمة عن هذا التحول.

ومع ذلك يبرز السؤال الأهم في هناك قادة قادرين على تطوير مؤسساتهم لتحقيق الريادة والتميز والتنافسية في الوصول الى مستقبل أفضل في ظل التحديات الاقتصادية والتقدم والتطور التكنولوجي المتسارع؟، وهل لديهم القدرات لتحفيز الشباب والبحث عن مهارات الجاهزية للمستقبل؟

وفي ظل العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة والذي أصبح التنافس فيها سمة سائدة. فبين التقلبات المتغيرة (Volatility)، وعدم اليقين (Uncertainty)، والتعقيد (Complexity)، وغموض المستقبل (Amiability) ظهر ما يسمى اختصاراً بمصطلح أو عالم «الفوكا» ( VUCA ). وهو عالم لا نتوقف فيه عن توقع الكوارث، حيث تندفع الأحداث بوتيرة متسارعة. ومن ثم تتضاءل بذلك فرص الأفراد والمؤسسات في التطور، والاستمرار، والبقاء.

ويشير أن المنافسون المبتكرون هم اليوم أكثر تواجداً وفي كل مكان، بل أصبحوا يمتلكون قدرة هائلة على التنظيم وإدارة المخاطر. كما أن التطورات التكنولوجية صارت بشكل سريع وتحولي في آنٍ واحد! وتبرز هنا العديد من الأسئلة البدهية، إذا ما أردنا كرؤساء، ومديرين، ومسؤولين، أو أصحاب مؤسسات العبورَ بأمان من مرحلة الـ (Process)، والوصول بسلام إلى أعلى قمة التنافسية العالمية. ومن بين الأسئلة التي عليك أن تسألها لنفسك أولاً:كيف يمكنني أن أقود فريق العمل لدي نحو التغيير بشكل فعَّال؟كيف يمكنني الاستفادة من العقبات والتحديات التي تواجهني في عملي؟كيف يمكنني الجزم بأنني أوظف الأفراد الأكثر كفاءة؟كيف يمكنني البقاء على القمة دائماً؟ كيف يمكنني تطوير مهارات موارد بشرية بصورة مذهلة لتكون دليلي في عالم الفوكا؟كيف يمكن لفريق العمل أن ينجح في التوسع نحو مجالات عمل جديدة؟

كما يستعرض الكاتب بوب جوهانسن، في كتابه «القادة يصنعون المستقبل» عشر مهارات لقادة المستقبل يجب تعلمها وتحسينها باستمرار للوصول الى النجاح في ظل ذلك التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض، أهمها قدرتهم على استكشاف مكامن القوة والتركيز عليها. التعاون مع الآخرين للوصول إلى حلول عملية. ووضوح الرؤية للقدرة على قلب التحديات إلى فرص بدلاً من الشكوى والإحباط، بالإضافة الى القدرة الهائلة على التعلم، والمجازفة في تجربة أشياء جديدة، والمغامرة في بيئات وظروف جديدة، ومحاولة جعل الآخرين يلتفون حولك بعيداً عن المحسوبية والشفافية والقدرة على الانفتاح على الآخرين، دون المبالغة في الترويج الذاتي أو المبالغة في تقدير الذات. والقدرة على تصميم نماذج أولية للابتكارات المادية أو الفكرية بسرعة وتقديمها، مع تفهم أن النجاح قد يسبقه بعض الفشل. الاستخدام الذكي للتكنولوجيا، والاستفادة منها في تكوين علاقات تجارية ناجحة، وفي وقت قصير. الابتكار والإنتاج المشترك، من خلال العمل مع الآخرين، والموازنة بين التعاون والمنافسة.

ما ذكرته في مقالي هذا هو جزء مما اقتبسته وقرأته من كتابات لمختصين في القيادة واستشراف المستقبل في العمل الحكومي، فهل نحن مستعدون للتعلم والانطلاق هذا ما ستثبته الأيام القادمة للعمل نحو مستقبل منشود مهما كانت التقلبات المتغيرة، وعدم اليقين، والتعقيد والغموض المستقبل .