آخر تحديث :الأحد-01 سبتمبر 2024-07:05ص


حتى إذا استيأس الرسل ، وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا (عن غزة أتحدث)

السبت - 11 مايو 2024 - الساعة 01:30 م

د. سعيد سالم الحرباجي
بقلم: د. سعيد سالم الحرباجي
- ارشيف الكاتب


هكذا يخبر ربنا سبحانه وتعالى السائرين على نهج الرسل ، وهكذا يصور لهم لحظات الكرب ، والشدة التي يتعرضون لها في طريق دعوتهم إلى الله ، وهكذا يرسم تلك الساعات الحاسمة التي تسبق بزوغ الفجر ، وهكذا يطمئن أصحاب الدعوات الصادقة أنّ تلك الشدة، وأنَّ تلك الآلام القاسية التي يتعرضون لها، وأنَّ تلك الظلمات الحالكة التي تكاد تكتم أنفاسهم ...
إنَّما هي مجرد امتحان لصدق الإيمان ، واختبار لحقيقة الأدعاء ، وأنَّها لحظات عابرة مهما بلغت قساوتها ، ومهما بلغت شدتها، فليس بمطلوب منهم إلا الصدق مع الله ، والصبر والثبات على الشدائد ، واليقين بنصره سبحانه وتعالى، ثم يبذلون المستطاع في مواجهة الطغاة ، ويترقبون ساعة النصر.
كيف يأتي النصر ؟ ومتى يأتي ؟ ومن أين يأتي ؟
كل تلك الاسئلة ، وكل تلك الخواطر ....ليس لها في ميزان الله قيمة ، وليس لها عنده قدر، فهو وحده _ سبحانه _ الذي يحدد لحظة زوال الباطل ، وهو وحده الذي يوقت نهاية الظلم ، وهو وحده الذي يقدر ساعة النصر.
ذلك أنَّ من سنن الله أن يتدافع الحق والباطل قال تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض )، وهذا التدافع ينتج عنه صدام ، ويحصل فيه قتال ، وتحدث خلاله آلام ، وأوجاع ، وتراق معه الدماء ، وتتناثر الأشلاء.
ولربما انتفش الباطل ، ولربما طغى الجبابرة ، ولربما استعلى المجرمون وألحقوا بالمؤمنين أنواعاً من الأذى ، وأصنافاً من العذاب ، ونكلوا بهم أيما تنكيل ...
ولكن تلك اللحظات العسيرة وإن بدت أنها قاسية ، وإن تراءت أنَّها المهلكة ، وأن هجست الهواجس لدى أصحاب الحق أن لا سبيل لكبح جماح الباطل ، وأن لا طاقة لهم لمجابهة الأشرار ....إلا أنَْها عند الله مقدَّرة بقدر، ومحسوبة بحساب يحدده ربنا سبحانه ثم يأذن بساعة النصر .
وذلك بعد أن يستنفد أصحاب الحق كل وسائل المقاومة ، ويقدٌَموا كلما لديهم من قوة ، وطاقة ، وجهد ، ويأخذوا بكل أسباب النصر ....
فإذا فعلوا ذلك ، ورفعوا أكف الدعاء إلى صاحب الحق سبحانه ، وعلم جل جلاله أنَّ القوم لم تبق لديهم ذرة من أسباب مقارعة الباطل ، وأنهم متجردون من كل الأسباب الظاهرة التي يتعلق بها الناس لمقارعة الجبابرة ... ( جاءهم نصرنا )
هكذا يجئ النصر في تلك اللحظات القاسية ، الحرجة ، وفي تلك الساعات التي يستحكم فيها الكرب ، ويأخذ فيها الضيق بمخانق أصحاب الحق ، ولا تبقى لديهم ذرة مدخرة من طاقة ، وفي تلك الأوقات التي يكاد فيها أهل الحق أن يستيأسوا من هزيمة الطغاة كما صور ذلك القرآن الكريم ( حتى إذا استيأس الرسل).
ذلك كي لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلاء ، يتصدى لها كل دعي كذاب، أو تكون رخيصة لا تتكلف أي جهد من أصحابها( وحاشا أن تكون هكذا ، أو كذلك )
فدعوات الحق إنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج ، ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء الذين يستحيل أن يثبتوا أوقات الشدة، فالنصر إذن مرهون بالشدائد ، وهزيمة الباطل قائمة على محك الصدق ، والصبر ، والثبات.
تذكرت تلك المفاهيم اليوم وأنا أتابع _ كغيري _ ما يحصل في غزة من تنكيل ممنهج بالغزيين من قبل اليهود ، وما يعانونه من حصار مطبق .. ثم شرد ذهني لأربط بين الحاضر والماضي ، وأقارن بين الأمس واليوم في جولات الصراع بين الحق والباطل ....فحملتني أفكاري لتحط رحالها في القرن الخامس الهجري ...هناك حيث وقعت أحداث غزوة الخندق.
تلك المعركة التي حشد لها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة جيشاً يزيد قوامه على (12,000 ) مقاتلا، في الوقت الذي كان فيه عدد المسلمين لا يزيد عن ( 3000) مقاتلاً ..فأطبقوا عليهم حصاراًخانقا لحوالي شهراً من الزمن ، فبلغ الكرب ، والشدة بالمسلمين مبلغاً مخيفاً كما صوره القرآن الكريم :
( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ) . وهو تعبير مصور لحالة الخوف والكربة والضيق ، يرسمها بملامح الوجوه وحركات القلوب.

فلك أن تتأمل مشهد المسلمين في تلك الأوقات العصيبة .
جحافل جيش جرار يمنع الدخول والخروج من المدينة ، أجواء الشتاء القارص ، شدة الجوع ، والحاجة ، حركة نفاق قوية تعبث بمشاعر المسلمين متواجدة بين صفوفهم ، مهمتها نشر الإشاعة ، وتخذيل المقاتلين ...
كل تلك التحديات ، وكل تلك الصعوبات ، وكل ذلك الأذى يتلقاه المسلمون وهم معزولون عن العالم ، مقطوعو المدد البشري ، والغوث الإنساني ...
ومع كل ذلك ، ورغم كل ذلك ...لم يفقدوا الأمل في ربهم ، ولم يساورهم الشك في نصر الله وغوثه.....فأوصلوا حبالهم بالخالق سبحانه، وطلبوا المدد منه وحده ....فكانت المعجزة التي لم يتوقعها الطرفان ( أرسل الله الريح المهلكة التي أجهزت على جحافل جيش المشركين ، فاستيقض المسلمون مع بزوغ الفجر ليسفر عن نصر مؤز ، وهروب مخزٍ للمشركين .
فتنفس المحاصرون الصعداء ، وأزيل الكرب ، وانجلت الغمة ، واندحر الباطل ، وانتصر الحق، اليوم ونحن نرى النتن ياهو وهو يعيد نفس الغطرسة ، ويكرر نفس المشهد ، ويرسم نفس الخطوات مع أهل غزة ..
فهاهو يقطع أخر شريان يربط الغزيين بالعالم ،ليطبق عليهم حصاراً خانقاّ ، وهاهم أبناء غزة مفصلون عن العالم ، وهاهو ذا الكرب يبلغ بهم مبلغاً ، وهاهم يفقدون الأمل في نجدة البشر ...ويلجؤون إلى الحق وحده ، وينتظرون الغوث منه سبحانه وتعالى...
لذلك سيأتي الفرج ، وسيبزغ الفجر ، وسيزهق الباطل ( إنَّ الباطل كان زهوقاً ) .
وصدق الله إذ يقول :
( إنَّ مع العسر يسراّ ، إنَّ مع العسر يسرا ً )
ما بات من المسلمات أنَّ اشتداد الأزمات ....هو دليل على قرب زوالها .
( اللهم عجل بزوال النت ياهو وعصابته )