آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-06:09م

"أشباه الصحابة"

الأحد - 25 فبراير 2024 - الساعة 07:14 م

أصيل الربيزي
بقلم: أصيل الربيزي
- ارشيف الكاتب


لا أعتقد أن أحدًا منا لم يتساءل بينه وبين نفسه ولا مرة واحدة على الأقل، وهو يقرأ عن بطولات الصحابة رضوان الله عليهم، هؤلاء بشر مثلنا، كل هذهِ التساؤلات كانت تدور، وتحوم، في أذهاننا.

طوال أكثر من قرنٍ من الزمان، ثم جاءت الحرب في غزة وأزالت عنا كل هذه التساؤلات، وأبت إلا أن تسطر اسمها، بعهد صحابة جديد، ثم أرغمت التاريخ على أن يسجل اسمها " هنا غزة نحن أشباه صحابة رسول اللّه" صلى الله عليه وسلم،

لم يكن هذا من وحي الخيال، ولا من التنبؤ، بل هي الحقيقة التي أرتنا إياها غزة بأم أعيننا، الجميع هنا يتساءل عن صعوبة المخاض العسير الذي تخوضه غزة لأكثر من "مائة وثلاثين يومًا" والكل مننا في دهشة وذهول عن ما تقدمه غزة وأهلها من تضحيات جسام، لم يكن للعقل التنبؤ بها ولا في الخيال، ولكن السر الحقيقي هو في قوة الإيمان، الشيء العجيب الذي استقر في القلب، وامتلأت به الرُوح، والجوار، صار الناس لا يشبهون بقيه الناس، قبل أن تظهر لنا غزة ببسالتها وصبرها، كنا نتساءل هل الصحابة بشر مثلنا، ولكن اليوم نعيد السؤال بالكلمات والصياغة نفسها ونقول هل أهل غزة بشرٌ مثلنا،

نحن لم نرَ جعفر ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو حامل الراية متوّلي إمارة الجيش في غزوة "مؤته" بعد أن فقد يده اليمنى، ثم اليسرى، ثم كان حاملًا الراية بين عضديه، ولكننا رأينا وائل الدحدوح وهو يفقد زوجته، وابنته،

وأخاه، وابنه، وهو ما يزال صامدًا كصمود مآذن القدس وهي تردد تارةً حيّ على الصلاة وتارة حيّ على الجهاد، وكل النداءات كانت نصرةً لهذا الدين ، نحن لم نرَ سمية، وهي تبصق في وجه أبي جهل، وتمرغ كبرياءه، ولكننا رينا أمهات الشهداء في غزة يودعن أبناءهن إلى المقابر بكل عزة وشموخ،

نحن لم نر سلمان الفارسي وهو يخطط لحفر الخندق ولكننا رأينا الأنفاق في غزة حين خرجت منها الأسود ومرغت أنوف الأعداء في السابع من أكتوبر،

رأينا أطفالًا مصابين بجروح بالغة، ولم يحصلوا على التخدير، ولكن القرآن كان عزاءهم، يقرؤون القرآن كي لا يحسوا بالآلام أحقًا هؤلاء بشر مثلنا.

نحن رأينا الكثير ولكن العبرة ليس بالنظر، بل العبرة بالتأثير، هل أثرت فيك هذه الحرب التي هي نسخة من غزوات كانت التكبيرات فيها تصدح كزئير الأسود، والأشلاء تتطاير من الأجساد كأنها حمرٌ مستنفرة، حتى وصل إلينا هذا الدين العظيم، أولئك السابقون أصحاب رسول الله، وهؤلاء الباقون صفوة رجال هذا العصر، أمّا العدو فهو نفسه ولن يتغير.

لا يزال بعد كل ما يحصل من التنكيل والتشريد لأبناء غزة وتآمر الغرب عليهم ووضع كل ثقلهم العسكري، والسياسي، دعما للصهاينة، في مواجهة أهلنا في غزة
نرى وبكل أسف شديد، وقلب يتفطر ألما، من حياد بعض العرب في المعركة التي تخوضها غزة أمام أعداء الله، والإنسان، والحياة.

عن أي حياد تتحدثون، هذا ليس بحياد بل هو النفاق بعينه، بالأمس كان ابن سلول وأعوانه يقولون إن بيوتنا عورة تهرباً وخوفاً من القتال، واليوم النسخة الجديدة من أتباعهم يزعمون بالحياد بحجج واهية لاتسمن ولا تغني من جوع،
لابد أن تعلم أن الحياد لم تقبله حتى الجمادات، ولا الأشجار، أليس "أحد جبل يحبنا ونحبه" وجذع النخل الذي بكى شوقاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعد يخطب تحته،

حتى الجمادات والأشجار كان لها موقف! أما تسأل نفسك أنت ! أين موقفك؟ حين تقف مع غزة ما هو إلا وقوفك مع نفسك، وحين تدافع عن غزة ما هو إلا دفاعك عن إنسانيتك، وحين تكون طرفًا مع ألحق ما هو إلا تمثيل لإنسانيتك،
قف، قبل أن يوقف عليك، قف قبل أن تقف أمام المرآة وتحتقر نفسك، لا تقبل الحياد، قل ما في نفسك، الحياد ضعف، وأنت لاتقف في صف الضعفاء، وإن لم تقدر أن تكون كجيل أحد، كن كجذع النخل، ابكِ وعش إنسانيتك.