آخر تحديث :الإثنين-06 مايو 2024-02:32ص

التعليم..لاشيء سوى العجز

الجمعة - 09 فبراير 2024 - الساعة 11:58 ص

عبدالجبار ثابت الشهابي
بقلم: عبدالجبار ثابت الشهابي
- ارشيف الكاتب




عبدالجبار ثابت الشهابي .

الناظر اليوم إلى واقع التربية والتعليم، إن بقي له نظر، وسمع وبصر؛ لن يرى سوى صور دخانية، مشوهة، تشبه واقع حياة المعلم، الفاشل في تلبية معيشة أسرته، الفاشل في توفير قيمة أدويته التي يتعاطاها للضغط والسكر والقلب، وغيرها، الفاشل بدنيا، وبصريا في أداء حصصه المقررة؛ لتردي وضعه الصحي، في ظل فصول تعج بعشرات كثيرة من الطلاب (170 طالبا في الفصل أحيانا) وجو حار، يضاعف ارتفاع حرارته الانقطاعات شبه المتواصلة، أو الدائمة للتيار الكهربائي، وزحمة التلاميذ المشاغبين غالبا.
ويزداد الحال سوءا مع ضعف الحبالات الصوتية لدى غالبية المدرسين الذين بلغوا سن التقاعد، أو تجاوزوه، ومازالوا يمارسون المهنة في ظل توقف ماتفرضه الأعمار من تجديد، وتحديدا توظيف الخريجين الشباب؛ الذين ينبغي أن يحلوا محل سلفهم ممن استحقوا التقاعد، بدلا من الاعتماد على المتعاقدين؛ الذين لاتصرف لهم سوى مكافٱت ضئيلة، أشبه بالأكاذيب، تشعرهم بالمذلة والهوان، قبل أن يدخلوا المعترك، فيأبى المجيدون، ويقبل الضعفاء، وغير المتخصصين، فتزداد رخاوة الطين، وبلة الماء على الطحين.
وبالله عليكم؛ بأي إرادة سيدير الشائب 170 طالبا كالعفاريت؟! وكيف يوصل إلى أذهانهم درسا من عشرات الصفحات المملة؟! ومن أين سيأتي العلم من متعاقد لاشأن له بالمادة، أو له شأن، لكنه لا ٱهلية له، ولا قدرة؟!
وكيف سيأتي إلى المدرسة مدرس مقتدر؛ لكنه لايكاد يحمل نفسه من الجوع، وضف التغذية، ومناوشات الأسقام، واحتراق الأكباد؛ مما ينقص البيت والأولاد، وهو تائه بين الديون، وضعف السداد، ومطالبات الدائنين، وتفاهة مايسمى بالراتب، التعيس الخائب، الذي لايكفي لتلبية أتفه المطالب؟!
ثم لماذا الإصرار على عدم توظيف الشباب، وإهراق أعمارهم في أرصفة البطالة؛ مع أنهم مؤهلون في تخصصاتهم؟ هل المطلوب أن يبقى المدرس مدرسا حتى (لايعلم من بعد علم شيئا) أو حتى يموت؟! فتظل التربية خاوية، تعمل بالترقيع؛ حتى يتلاشى العلم، ويضيع؟!
وحتى لو افترضنا أنه لابد من العمل بالترقيع؛ فهل من المعقول الترقيع خارج الأصول، وبعيدا عن العرف، وما أمكن من الترفيع؟! وبوضوح: لماذا على الأقل لايتم تنظيم دورات تأهيلية مكثفة دائمة (ريثما تنتهي هذه الظروف) في كل مادة، خلال فترات العطل، وأسابيع الإضرابات الحزبية، تشمل كل التخصصات، وفي كل المستويات؟
بل لماذا لايتم تنظيم الإلحاق الإلزامي للمتعاقدين غير المؤهلين بالدراسة الجامعية؛ ولاسيما عندما لاتتوفر الطاقات الشابة المؤهلة؟!
والرابط لكل هذه الأوجاع؛ لماذا لاتقدر الجهات المختصة قدر العلم والمعلم، وتحسب المسألة بواقعية، وعدل، وترتقي به من حال الحاجة، والهوان؛ إلى قدر معقول من المعيشة، وتتحمل الدولة تكاليف الكشف والفحص الدوري في مشافيها، لكل موظف، وخصوصا
لكل مدرس، ، وما يلزم من العلاجات؛ بدلا من مكافأتهم غير العادلة؛ بتركهم ٱخر أعمارهم نهبا للأمراض، والحاجة، أو على الأقل تضمن للإنسان الذي أفنى عمره في خدمة البلاد سعرا رمزيا للكشوفات، والأدوية، يحرم على المشافي والصيادلة تجاوزه، أو التلاعب به كما هو حاصل اليوم؟
وبالإجمال؛ لابد من تخفيف الأحمال، فقد انضغطت، وصارت لاتحتمل، وأصبحنا نعتمد على مبنى مدرسي عاجز، يشكو ضيقه وتقادمه، ومدرس عاجز، مضى عمره الافتراضي (دون جميل ولا صنيع) ورواتب أعجز، هي أقرب إلى الأكاذيب منها إلى المعاشات، وصحة تهتز، وضعف ينخر في جدار الموجود، فلا تجديد للطواقم التدريسية، ولاحدود، ولا إعداد، ولا إنعاش، وإذا نزلت إلى المدارس وجدتها أشبه بزرائب (الكباش) لاتسمع فيها الداعي من المجيب، ولا تفهم داخل فصولها المخطئ من المصيب..
هذا هو غيض من فيض، في واقع التربية والتعليم؛ ومالم يتدارك المختصون في الدولة والحكومة؛ فأي جيل ينتظر؟! وأي مستقبل يمكن أن نصنع؟!