آخر تحديث :الأحد-28 أبريل 2024-09:21م

معجزة الإسراء والمعراج!!

الأربعاء - 07 فبراير 2024 - الساعة 10:48 م

العارف بالله طلعت
بقلم: العارف بالله طلعت
- ارشيف الكاتب




جرت أحداث إسراء النبي -عليه السلام- معراجه في بداية السنة العاشرة للبعثة النبوية، وقد كانت تلك السنة قد حملت الكثير من الصعوبات والمشاق في طريق الدعوة، وبلغ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من الكرب والهم الشيء الكثير، فقد توفيت زوجته خديجة رضي الله عنها، التي كانت تعينه وتنصره وتؤمن به، وتوفي عمه أبو طالب، الذي صدقه ومنع عنه شر قريش وأذاهم.

ثم خرج النبي عليه السلام- باحثا عن مؤنس ومصدق جديد له في الطائف، لكن الحال لم يكن كما أراد، حتى اشتد الكرب على النبي، وضاقت الحال أمامه.

ففي تلك الظروف العصيبة أراد الله -تعالى- أن يكون الإسراء والمعراج، مؤنسا للنبي عليه السلام، ومطمئنا له، فإن كان أهل الأرض عادوه وكذبوه، فإن أهل السماء يحبونه ويصدقونه ويؤمنون به، فحينها كانت حادثة الإسراء والمعراج

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء والمعراج نائما في حجر الكعبة، فأتاه آت، والرواية في صحيح البخاري، فشق ما بين ثغرة رقبته إلى أسفل بطنه، ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانا، ثم جيء للنبي -عليه السلام- بداية بيضاء، وهي البراق.

فركب النبي وجبريل عليهما السلام، ومشت الدابة في النبي وجبريل -عليهما السلام- كالبرق، إذ إن خطوة البراق تنتهي حيث ينتهي نظره، فوصلا بيت المقدس، ودخل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- المسجد الأقصى، فوجد فيه جميع الأنبياء، فصلى بهم ركعتين، ثم خرج من المسجد، فأتاه جبريل -عليه السلام- بإناءين أحدهما فيه خمر، والآخر فيه لبن، فخيره بينهما.

فاختار الرسول -صلّى الله عليه وسلم- اللبن، فكان قد اختار الفطرة، ثمّ عرج النبي -عليه السلام- ومعه جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتحا فأُذن لهما، فكان فيها آدم عليه السلام، فسلما عليه، ثم عرجا إلى السماء الثانية، فاستفتحا فأذن لهما، فكان فيها عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام، فرحبا بالنبي صلّى الله عليه وسلم، ودعيا له بالخير.

ثمّ استمر معراج النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل -عليه السلام- في طبقات السماوات، فكان في الثالثة يوسف -عليه السلام- مرحبا بهما، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة هارون عليه السلام، وفي السادسة موسى عليه السلام، وكان في السماء السابعة أبو الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وهو بيت يدخله سبعون ألف ملك يوميا ولا يعودون.

ثم انتقل رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- إلى سدرة المنتهى، فغشيها من الهيبة والعظمة ما غشيها، حتى تغيرت فكانت في حسنها وبهائها كما لم تكن من قبل، وهناك أوحى الله -تعالى- إلى النبي -صلّى الله عليه وسلم- فرضية الصلوات، فكانت في البداية خمسين صلاة

فتشفع النبي -عليه السلام- لأمته إذ خشي عليهم من ثقل الخمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل ربه يخففها عنه حتى بلغت خمس صلوات، فقضي أمر الله -تعالى- في عباده، ثم عاد رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- إلى فراشه قبل طلوع الصبح.

ورد ذكر سدرة المنتهى التي توقف عندها الرسول -صلى الله عليه وسلّم- في القرآن الكريم، بقول الله تعالى: (عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى)،

ولقد وصف النبي -عليه السلام- سدرة المنتهى، وهي شجرة وصفها لأصحابه رضي الله عنهم، فقال فيها: (ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى).

وفي وصف آخر لحسنها وتغيرها حين أتاها رسول الله عليه السلام: (ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى، فغشيها الوان لا أدري ما هي)،

فهي شجرة عظيمة، ورقها كآذان الفيل لضخامتها، وثمرها كالقلال؛ أي بحجم جرة كبيرة، غشيها عدد كبير من الملائكة، شبههم رسول الله بالطيور أو الفراش، جميلة جدا
بحيث لا يستطيع أحد وصف جمالها، هناك حيث سدرة المنتهى جنة رسول الله عليه السلام، اثنان في الدنيا، هما: النيل والفرات، واثنان باطنان في الجنة، يتنعم فيهما من أذن الله -تعالى- له بدخول الجنة.

كان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها تعويض الله -تعالى- للنبي -عليه الصلاة والسلام- لصد النّاس عنه، وخاصة أن الحادثة كانت بعد أذى أهل الطائف له، ومنعه من دخول المسجد الحرام إلا بجوار مطعم بن عدي، فعوضه الله -تعالى- بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به. تعزية ومواساة من الله -تعالى- لنبيه -عليه الصلاة والسلام- بعد وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب، فأكرمه برؤية آيات من ربه وأمور أخرى. فتنة الناس وامتحانهم؛ من خلال بيان المصدق والمكذب له، حيث إن الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلة مقدارها شهرين ذهاباوإيابا.
وسمي من حينها أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بالصديق؛ لتصديقه للنبي -عليه الصلاة والسلام- في معجزة الإسراء والمِعراج. بيان صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد وصفه للناس ما يعجز البشر عن وصفه. بيان أهمية الصلاة ومكانتها، حيث إنها فرضت في السماء. الدلالة على أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والربط بينهما، وقيامهما على التوحيد والإخلاص.