آخر تحديث :الخميس-02 مايو 2024-07:55م

شباب وضباب

الأحد - 24 ديسمبر 2023 - الساعة 07:48 م

خالد شرفان
بقلم: خالد شرفان
- ارشيف الكاتب


عطر، كحل، مسكرة، صبغة شعر، تحديد حواجب، مكثف ...ألخ، هذه ليست قائمة طلبات تنوي عروس شرائها تحضيرًا لزفافها الذي بات قريبًا لالا.. بل على العكس تمامًا فهذه "لِسْتة" طلبات لشاب عشريني يرغب بشراءها من إحدى محلات أدوات الزينة والعطور، هكذا يريني ايهاها ويروي لي قصتها بائع مستحضرات العناية بالبشرة في أحد محلات عدن حينما قادني فضولي لمعرفة الأمر حتى شرح لي قائلًا: ( أن هناك إقبال وشبه تزاحم في شراء مستحضرات التجميل من الجنسين، ولم يعد الأمر حكرًا على الإناث)، وأردف قائلًا: (أن حركة بيع المستخصرات لكلاهما ( يقصد الجنسين على السواء) وتحديدًا من فئة الشباب المراهقين الذين يرغبون على الدوام أن يظهروا بأبهى حلة وبألقًا دائم وبشرة نظرة حريصون دومًا على شراء المستحضرات من الماركات العالمية المتعارف عليها ومتابعة كل جديد)!.

استثارني اللقاء  للبحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة التي تجعل الشاب يميل ويسلك هذا المنحنى حتى يبقي بشرته وجلده الطري "البكر" الذي لم يخض معترك ومضمار سباق البحث عن لقمة العيش مثلًا، ولم يعرض نفسه وجلده الناعم لأشعة الشمس المباشرة يومًا ما، ولا لخشونة الحياة حتى يظهر لنا ببشرة بيضاء ناعمة الملمس، ووجنتان نديتان و ورديتان، وشفتان مُحمرّتان، وشعر اجعد ومسترسل مصبوغ إلى درجة ان البعض منا يتوارى ولايمعن ولا يحدق النظر لوجه أحدهم  المرصع بأدوات التجميل من كل شكل ولون، ورائحة عطر صارخ.

لاخلاف في التطيب والزينة سمة طيبة ومحببة وقد دعت لها الفطرة السليمة والشريعة الإسلامية السمحاء في الأطر المباحة المحددة، لكن ليس لنا أن نستغل ونعمل ماشئنا بحجة الحرية الشخصية تحت شعار "أنا حر وسأفعل ما أريد"، والمبالغة الزائدة والخروج عن المألوف ومبدأ أنا كبرت وأصبحت رجال وواثق من نفسي.. لو أنك واثق من نفسك ما عملت ذلك إلا لأن هناك عقدة نقص  وتريد تعويض النقص بداخلك، وإلّا لما انحدرت أسفل الدركات وبسببك باتت خشونة الرجولة وعنفوان الشباب ضبابيًا وفي خطر!.

أن غياب دور الأب الفعلي والتغافل وغض الطرف وعدم محاسبة من يعول ساعد كثيرًا في الأزمة الأخلاقية (ومن دون مبالغة)، ومنح ترخيص "مبطّن" شبه رسمي للشاب في أن يعمل مايحلو له، بالإضافة إلى غياب دور الوعظ الإرشادي الحقيقي للدعاة المأثرين في الأماكن العامة (الأسواق، والمولات..ألخ) لمناقشة القضية وعرض المشكلة ووضع فرضيات وحلول على تلاشيها، مع الإكثار والتركيز على توعية الفئة العمرية المستهدفة في الأماكن المغلقة وتحديدًا (الثانويات، والجامعات، والمعاهد)، كما أن  ابتعاد خطباء المساجد كان له دور بالقضية في التطرق والحديث عن الموضوع الذي ساهم في اتساع رقعة وجغرافية المعضلة على اعتبار أنها من القضايا المجتمعية الهامة التي يجب تناقش وتطرح لتنبيه الناس عنها.

أخيرًا وللأمانة المستقبل المنظور لايبشر بالخير لو تولى أحدهم قيادة إدارة مثلًا، أو حتى قيادة سيارة وأنت أحد ركابها كأبسط مثال، ولايستطيعون تحمل مسؤولية متوسطة ولو حتى في إدارة شؤون أسرتهم ولو ليوم واحد أن غاب والده، فمصاعب الحياة ومشاقها كفيلة بأن تُصهر معدن الشخص وتجعل منه شخص مفيد لنفسه اولًا ثم لمجتمعه ثانيًا ليستفيد ولا يغرق في أعتى الظروف بإذن الله، أما إذا كان همه توفير الروج الأحمر السحري نوع "رجالي" و (نضح تحت كلمة رجالي ألف خط) ليحافظ على ألقه وظهوره بمظهر جميل يسر الناظرين، لامحالة بعد نيف من الزمن وكثرة سكوت ذوو النصح والإرشاد لامحالة سيتبع ذلك لبس قلائد ذهبية تتوسط منطقة الصدر ولبس ملابس نسائية، فعندها يضيع الرجاء ولا مكان لنا بينهم!.