آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:01م

لكم الله يا أهل غزة

الأحد - 15 أكتوبر 2023 - الساعة 01:06 ص

مختار القاضي
بقلم: مختار القاضي
- ارشيف الكاتب


في مثل هذه الأيام الباردة الشتائية.. تخيّل نفسك مع أمك وأبيك.. وزوجتك و أولادك.. في ليلة مطيرة.. وأنتم جميعاً في منزل تهدّمت أبوابه.. وتكسّرت نوافذه.. وانقطع عنكم الماء والكهرباء.. والغذاء

أطفالك يصرخون من الجوع والبرد.. وزوجتك الحُبلى يُقطّعها الألم.. ولا تستطيع شراء الدواء لها.. ووالداك.. شيخان كبيران.. قد شحبت وجوههما.. ورق عظمهما.. وزاد مرضهما وعناؤهما..تخيّل نفسك في هذه الحال.. ولا مال لديك لشراء الغذاء والدواء..

وإذا ضاقت بك الحيلة لطلب العلاج.. خرجت بوالديك و أطفالك.. مشياً على الأقدام في هذا البرد القارص..مشيت إلى المستشفى.. فإذا به خواء.. ليس فيه إلا الأنين والصراخ.. فعشرات المرضى والجرحاء قد سبقوك.. بأطفالهم.. ونسائهم.. وشيوخهم.. وهم ينتظرون.. ولكن لا دواء.. ولا أجهزة لأن الكهرباء مقطوعة..

إخواني: -إن هذه المأساة التي أعرضها لكم ليست من نسج الخيال-..إنما هي حقيقة.. يعانيها إخواننا المحاصرون في غزة..

إن عرض هذه المأساة ليست تقريراً إخبارياً.. ولكنّه تذكير بالواجب الذي تقتضيه الأخوة الإسلامية من النُصرة.. يقول الله عز وجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ), ويقول جل شأنه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ), وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". ومن لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ..

إن عرض هذه المأساة تذكير لنا بنعمة الأمن التي نعيشها.. إن عرض هذه المأساة تذكير لنا بأن الغفلة وللامبالاة بما يحل بالمسلمين من نكبات.. قد تؤدي لحلول العقوبة بالغافلين اللاهين.. الذين لا تتمعّر وجوههم.. ولا تتألم نفوسهم.. لِمَا يحُل بإخوانهم..

بلغ عدد الموتى بسبب هذا الحصار والقصف.. أكثر من ألفين وخمس مائة شهيد.. و جُلهم من المرضى والأطفال!!
إن إسرائيل تتحكّم بـ 80 % من كهرباء غزة.. و100 % من المياه.. 70 % من الوقود..

يا إخوان: -إن الذي يجري في غزة ليس حصاراًفقط.. إنما هو حرب إبادة لشعب اختار العيش بكرامة.. إنه عقاب جماعي لشعب اختار الإسلام حلاً.. وحاكماً..

في غزة أكثر من أثنين مليون مسلم.. يواجهون الإبادة الجماعية!! لماذا؟ لأنهم أرادوا الإسلام نظاماً يحكمهم.. لأنهم أرادوا أن يعيشوا أحراراً كرماء.. لأنهم وقفوا في وجه المحتل وقالوا في عزة و إباء: سنقاتلكم -أيها اليهود- بكل نطفة في أصلاب الرجال.. وبكل جنين في أرحام النساء.. وبكل نسمة في الهواء.. وبكل قطرة ماء و ذرة هواء..

إن إخوانكم في غزة يعيشون مأساة حقيقية.. انظروا ماذا حل بالناس يوم ارتفعت الأسعار في اليمن سواءفي الجنوب أوالشمال بسبب الحرب.. انظروا كيف ضجر الجميع عندما انهار الاقتصاد والعملة ..تأملوا كيف يصيب الناس الخوف.. كيف يتأففون عندما تتأثّر وتتكدّر معايشهم وأرزاقهم.. فكيف بمن حياته كلها كدر.. دخوله كدر.. وخروجه كدر.. ونومه كدر.. وقيامه كدر.. يرى البؤس والشقاء في أعين أطفاله.. وفي عظام أبيه وأمه

فصبراً يا أهل فلسطين.. فإن أمم الكفر ولو وقفوا ضدّكم.. بمكرهم وكيدهم.. فإن معكم الفئة التي لا تُغلب.. والمُعين الذي يَخذُل.. ومعكم المَلك الذي لا تنفد خزائنه..

صبراً يا أهل غزة - فإنْ منعوا عنكم الدواء.. والغذاء.. والماء.. فإنهم لا يستطيعون أبداً أن يمنعوا عنكم مدد السماء..

قولوا لهم: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ * أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ * جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الأَحْزَابِ).

صبراً يا أهل الرباط.. وأبشروا ببشرى النبي.. عندما قال: "يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! يا طوبى للشام! قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: "تلك ملائكة الله! باسطوا أجنحتها على الشام".

وعن عبد الله بن حوالة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستجدون أجناداً: جنداً بالشام, وجنداً بالعراق, وجنداً باليمن". قال عبد الله: فقمت فقلت: خِرْ لي يا رسول الله! فقال: "عليكم بالشام... فإن الله عز و جل تكفل لي بالشام وأهله". قال ربيعة: "فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: "ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه".

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي, فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام, ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام".

وعن عبد الله بن حوالة أنه قال: يا رسول الله! اكتب لي بلداً أكون فيه, فلو أعلم أنك تبقى لم أختر على قربك. قال: "عليك بالشام.. ثلاثا". فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته للشام قال: "هل تدرون ما يقول الله عز وجل؟ يقول: أنت صفوتي من بلادي, أدخل فيك خيرتي من عبادي, وإليك المحشر, ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤ تحمله الملائكة, قلت: ما تحملون؟ قالوا: نحمل عمود الإسلام, أمرنا أن نضعه بالشام, وبينا أنا نائم رأيت كتاباً اختلس من تحت وسادتي, فظننت أن الله تخلى من أهل الأرض, فأتبعت بصري, فإذا هو نور ساطع بين يدي, حتى وضع بالشام, فمن أبى أن يلحق بالشام فليلحق بيمنه ... فإن الله تكفل لي بالشام وأهله".