منذ أسبوعين وشبكات التواصل تشتعل، بتقطُّع، بحملة إلكترونية تحت هاشتاغ "كرامتي في راتبي"، تطالب المليشيا الحوثية بدفع رواتب الموظفين العاملين في مناطق سيطرتها.ورغم أن الالتجاء لمثل هذه المطالبات هو أمر مفهوم في سياق الوضع الحالي، المكرس للخذلان، فإن ذلك لا يمنع من توصيفه بما هو عليه كانحدار مؤسف.إن ما يبدو من احتشاد كامل وراء هذه المطالبات، سواء من داخل مناطق سيطرة الحوثي أم من قبل الإعلام الرسمي وكل الإعلام المناوئ للحوثي، يظهر إلى أي حد تم العبث بمعركتنا الوطنية؛ معركة الشعب ضد السلالة، معركة السادس والعشرين من سبتمبر ضد الواحد والعشرين من سبتمبر، معركة أحفاد الهمداني والحميري والزبيري وعبد المغني مع أحفاد الرسي ويحيى حميد الدين.دائماً وأبداً، تخوض معنا السلالة حرباً صفرية، تقوم على تجريدنا كلياً من إنسانيتنا وتهديم كل أركان كرامتنا.. فيما نتعب نحن سريعاً فنخفِّض مستوى نضالنا إلى مجرد المطالبة بكسرة الخبز، وقد صارت في وعينا- لفرط جوعنا الذي هندسته السلالة- هي موضوع كرامتنا!لم تستجب السلالة لهذه المطالبات رغم ذلك، ولن تفعل! فهي دوماً، في كل قول وفعل، تعبّر عن كينونتها، منسجمة كلياً مع طبيعتها. الأمر الذي نبدو بالمقابل عاجزين عنه، أو كأننا غير مدركين؛ أن كرامتنا ليست فقط في رواتبنا، وأن الطريق إلى الكرامة لا يمر من الأمعاء، بل من فرض المعنى أولاً وتثبيته، وأن لا معنى هنا سوى الجمهورية!نظرياً، يستطيع الحوثي دفع الرواتب بكل راحة. هذا ما تقوله أرقام العائدات التي يحصل عليها، والتي يتفوق فيها على الحكومة!. وإذا ما فرضنا، جدلاً، أنه قد يفعل ذلك، بعد أن يكون قد أنهك الجميع في هذه المعركة التي مهما كانت مهمة فهي جانبية، فهل سيكون اليمني قد استعاد كرامته؟!هل كرامة اليمني ستكون حقاً في ستين ألف ريال تمنحه السلالة إياها شهرياً؟! يا لها من كرامة رخيصة!أعود فأقول: إن الاضطرار إلى الاستغراق في هذه المطالبات، والتساوق معها، هو أمر مفهوم بالنظر إلى الفشل الذي أبدته النخبة الحالية في إدارة المعركة الوطنية. الفشل الذي ظل يصب في صالح تكريس وجود المليشيا كسلطة أمر واقع في مناطق نفوذها، مخفضاً سقف المعركة في وعينا العام من هزيمة المليشيا واستعادة الدولة، إلى مجرد مطالبات حقوقية تنطوي على اعتراف مهين بسلطة المليشيا.على أن كون هذا الإجراء واقعياً، لا يلغي أنه مقيت ومخجل، وينال من حقيقة أن كرامة اليمني لم ولن تكون سوى بجمهوريته، التي لن تستعاد إلا بهزيمة ناجزة للمليشيا الإمامية. هزيمة لن تتحقق بفعاليات حقوقية سلمية، وإنما كما يفعل هو: بزخ الرصاص وإسالة الدم. فقط حين يحدث ذلك يكون اليمني قد استعاد كرامته.