آخر تحديث :الجمعة-01 نوفمبر 2024-02:58ص

نيابة الصحافة في اليمن لحماية الحريات أم خنقها؟

السبت - 12 أغسطس 2023 - الساعة 01:12 م
عبدالرحمن علي علي الزبيب

بقلم: عبدالرحمن علي علي الزبيب
- ارشيف الكاتب


لكـل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و تكفل الدولة حرية الفـكر والاعراب عن الراي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون .

ماورد أعلاه هو نص المادة 42 من الدستور اليمني الذي اوجب على الدولة كفالة حرية الفكر والراي بالقول والكتابة والتصوير وهذا النص الدستوري يتناقض مع ما تقوم به نيابة الصحافة حاليا من استقبال شكاوى متعددة والسير الفوري في إجراءات التحقيق في تلك الشكاوى دون دراستها والتأكد من صحتها ومن عدم وجود مبرر قانوني لعدم قبول الشكوى ابتداءً والتعامل الروتيني مع تلك الشكاوى مثلها مثل أي قضايا أخرى رغم حساسية قضايا الاعلام والنشر الصحفي والذي يستوجب دراسة الشكوى واستيضاحها من الشاكي واذا تبين انها غير صالحة للتحقيق فيها يتم حفظها دون وجوبية طلب المشكوبه والتحقيق معه وحجز حريته وعدم الافراج عنه الا بضمان بالرغم من ان قضايا النشر يمنع فيها الحبس وفقا للقانون.

معظم الشكاوى المنظورة في نيابة ومحكمة  الصحافة هي مرفوعة من موظفين عامين تم انتقادهم لتقصيرهم في أعمالهم او ارتكابهم مخالفات وتجاوزات .

وهنا يفترض ان تفحص نيابة الصحافة الشكاوى الواردة اليها والتأكد من صحتها وسلامتها القانونية واهمها ان لايكون الشاكي موظف عام وان لاتكون الشكوى هي انتقاد لعمله الرسمي وتقصيره في اداؤه لمهامه الوظيفية باعتبار ذلك يقع ضمن النقد البناء الذي يعتبر مشروعا حتى لو كان ضد أكبر موظف في الدولة رئيس الجمهورية وفقا لما نص على ذلك قانون الصحافة المطبوعات في محضورات النشر المادة رقم (103)  الفقرة 12 التي نصت على ان محضورات النشر :

(  التعرض بالنقد المباشر والشخصي لشخص رئيس الدولة ولا أن تنسب إليه أقوالا أو تنشر له صورا إلا بإذن مسبق من مكتب الرئيس او وزارة الاعلام ما لم يكن هذا القول او التصوير تم في حديث عام للجمهور او في مقابلة عامة، لا تسري هذه الاحكام بالضرورة على النقد الموضوعي البناء.)

حيث استثنت المادة المذكورة النقد البناء لعمل رئيس الجمهورية من محضورات النشر وجعلته مباحاً وقياساً على ذلك فان انتقاد أي موظف عام مهما كانت درجته وعمله اذا كان في اطار عمله فيعتبر مباح ويستوجب على نيابة الصحافة اغلاق ملف الشكوى وعدم اتخاذ أي اجراء قانوني وعدم اعلان المشكوبه للرد على الشكوى او حجز حريته باعتبار العمل غير مجرم ومباح .

لم يأتي هذا الموضوع من فراغ بل جاء تشجيعا وتحفيزا لنقد الموظفين العمومين وانتقاد تقصيرهم في اداؤهم لوظائفهم العامة والذي يستوجب على الموظف العام المستهدف بالنقد لتحسين اداؤه و تصحيح عمله وتجاوز تقصيره.

من دون افساح المجال للنقد البناء للموظفيين الرسميين يتحولون الى فراعنه وتكثر اختلالاتهم وتقصيرهم ولايعرف احد بها ووسائل النشر فقط هي من تكشف تلك الاختلالات والقصور وتجعل الموظف العام تحت رقابة المجتمع .

من العجيب ان تتحول نيابة الصحافة الى مصدر تهديد لحرية الراي العام والنقد البناء للموظفيين الرسميين فيهدد الموظف العام المواطن الذي ينشر عنه اختلالاته وتقصيره ليحجم ويتراجع عن ذلك النقد ليمعن في الفساد والاختلال دون معالجة ولا تصحيح ولايعرف المجتمع بحجم العبث الذي يتسبب بها ذلك الموظف العام بسبب غياب النشر الصحفي لتلك الاختلالات خوفا من نيابة الصحافة الذي تحولت الى حاجز كبير لكشف الاختلالات .

واذا كان المقال المنشور في الصحف او وسائل الاعلام او وسائل التواصل الاجتماعي مبني على نقص في المعلومات وغير صحيح فلا يستوجب رفع شكوى لنيابة الصحافة بل التوضيح والرد في وسائل الاعلام المتاحة لتوضيح الموظف العام لموقفه وتصحيح المعلومات المنشورة .

وهنا نتذكر ماقام به امين العاصمة السابق الأستاذ عبدالقادر على هلال الذي تم النشر ورفع بلاغ الى هيئة مكافحة الفساد عام 2013م بخصوص فساد واختلالات وقصور  في عمله وكانت تلك المعلومات غير صحيحه لم يذهب لنيابة الصحافة لتقديم شكوى بل ذهب الى هيئة مكافحة الفساد وعقد مؤتمر صحفي وفند كل الشكاوى المذكورة في المنشورات وفي البلاغ الى هيئة مكافحة الفساد وكان موقفه موقف رجل الدولة الذي يحترم القانون وواثق من نفسه بانه غير فاسد ولجأ الى وسائل الاعلام لتوضيح موقفه وليس الى نيابة الصحافة لتكميم الافواه.

كما يستوجب على نيابة الصحافة فحص الشكوى المقدمة اليها قبل السير في إجراءاتها والتأكد من عدم توافر أي حالة من حالات عدم قبول دعوى السب السبع  المذكورة في قانون العقوبات في المادة ( 293) والتي نصت على :

( لا تقبل دعوى السب في الاحوال آلاتية:ـ

اولا: اذا كان نقدا علميا لعمل ادبي او فني مطروح للجمهور .

ثانيا: اذا كان صادرا من شخص له سلطة الرقابة او التوجيه في نطاق هذه السلطة وبالقدر الذي يكشف عن خطا من وجه اليه السب في تصرفه وتوجيهه الوجهة الصحيحة .

ثالثا: اذا كان القصد منه ابداء الراي في مسلك موظف عام بشان واقعة تتعلق بعمله الوظيفي وبالقدر الذي يفيد في كشف انحرافه .

رابعا: اذا كان في شكوى مقدمة لمختص تتعلق بمسلك شخص اثناء ادائه عملا كلف به ويشترط ان تقتصر العبارات على وقائع تتعلق بالعمل الذي قدمت بشانه الشكوى .

خامسا: اذا كان قد صدر بحسن نية من شخص بقصد حماية مصلحة له او لغيره يقرها القانون بشرط التزام القدر اللازم لهذه الحماية .

سادسا: اذا نشرت الاقوال او العبارات لمجرد سرد او تلخيص لما دار في اجتماع عقد وفقا للقانون من محكمة او مجلس او هيئة او لجنة لها اختصاص يعترف به القانون مالم يكن قد صدر قرار بحظر النشر.
سابعا: اذا صدرت الاقوال او العبارات اثناء اجراءات قضائية من شخص اشترك فيها بصفة قانونية كقاض او محام او شاهد او طرف في الدعوى .)

يلاحظ انه بالاطلاع على الحالات الموضحة أعلاه يخرج كثير من الشكاوى المرفوعة الى نيابة الصحافة عن اختصاصها في السير في إجراءات الشكوى ويلزم حفظها كون قضايا النشر تكون تكييفها القانوني هي جرائم سب فتسقط بتوافر احدى تلك الحالات السبع.

ما يحصل في الواقع في نيابة الصحافة بانه يتم التعامل مع الشكاوى المرفوعة اليها مثلها مثل أي شكوى مرفوعة للنيابة العامة العادية يتم قيد الشكوى وتحرير تكليف حضور للمشكو به للرد ثم حجز المشكوبه وعدم الافراج عنه الا بالضمان دون فحص الشكوى الذي اذا تم فحصها سيتم حفظ 90% تسعين في المائة من الشكاوى المرفوعة لدى نيابة الصحافة والمنظورة لديها ولدى محكمة الصحافة .

وفي الأخير :

نؤكد على أهمية إعادة دور نيابة الصحافة والمطبوعات من نيابة لقمع الأصوات الحره وتكميم الافواه في النقد البناء للموظفيين الرسميين الى نيابة تحمي الحريات العامة وتشجع على النقد البناء وتوضيح ونشر أي اختلال او قصور في أداء الموظف العام ويلزم على الموظف العام تصحيح عمله وتجاوز القصور وتصحيح الاختلالات او الخضوع لتحقيق من الجهات الرسمية المختصة .

يستلزم تشجيع المجتمع على النقد والنشر الإعلامي لكل خلل او قصور وعدم السكوت امام الفساد والاختلال وكشف الفاسدين دون خوف او تردد فنيابة الصحافة هي من تحميهم وليست من تحقق معهم وتحجز حريتهم لم يتم انشاء نيابة الصحافة لتكميم الافواه من نقد الموظف العام أياً كانت درجته ومستواه الوظيفي بل أنشأت نيابة الصحافة لتشجيع المجتمع للنقد للموظف العام وحمايتهم من تغول الفاسدين وهذا هو الدور الحقيقي لنيابة الصحافة حماية الحريات العامة وحرية الراي والتعبير لاخنقها.