آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-09:21م

من بعدان إلى فانكوفر

الإثنين - 24 يوليه 2023 - الساعة 08:18 م

جمال الغراب
بقلم: جمال الغراب
- ارشيف الكاتب


 

الحلقة الأولى :
في منتصف سبعينات القرن الماضي جئت إلى الدنيا، وترعرعت دون تاريخ محدد للميلاد، ولا زلت إلى اليوم أجهل بأية يوم ولدت واي شهر يحتفي بذكرى ميلادي وفي آية سنة كان هذا الحدث، وفشلت كل محاولاتي في البحث على رفوف غرقة والدي المكتظة بالكتب القديمة والوثائق في العثور على تلك القصاصة التي قيل أنهم دونوا فيها تاريخ مولدي ودسوها في إحدى المصاحف او الكتيبات، وذلك كإجراء عائلي مؤقت لدراسة حُسن أو سوء الطالع للوليد.

توثيق تاريخ الميلاد، في اليمن مشكلة جماعية عانى منها ومازال معظم جيل الخمسينات، والستينات، السبعينات و الثمانينات.

في حقبة التسعينات بَدأ الناس يولون هذا الجانب قليل من الإهتمام وبدأوا يعوا أهمية تاريخ الميلاد سيما بعد موجة الاغتراب الكبيرة التي شهدتها اليمن إلى أمريكا والبلدان الغربية والأوربية.

وفي قرية "خنيم " التابعة لمديرية بعدان بمحافظة اب ولدت في منزل متواضع يتربع وسط واحة خضراء كعادتها "بعدان"  تزدان بحلَّة إخضرار يمتد كلجة متلاطمة الدهشة على طول تضاريسها ومقاس الذكريات المشبوبة بالحنين.

في هذه القرية الجميلة عشت طفولتي كمعظم أطفال اليمن بالريف، طفولة معذبة وسط زخم الجمال الرباني في ظل وضع قاسٍ إن كان التعبير دقيقا.

"خنيم" قرية بسيطة وفيها روحانية تثمل الروح سيما في شهر رمضان، أتذكر حينما كنا نحن الأطفال نجتمع عصرا في مجران القرية نتبادل الأحاديث والنكات- (المجران هو البيدر الذي فيه يتم جمع المحصول وفصل الحبوب عن السنابل وكان أهل القرية يستخدمونه أيام الحصاد)-.

ورغم الأوضاع الإقتصادية كنا نشعر  بروحانية وسعادة لا توصف ولن تتكرر.

تتكون قريتنا من حوالي ٤٠ بيت، ومنازلها المتواضعة مبنية من الأحجار السوداء وفيها جبل عريق يحتضنها من الجنوب ووفي أعلى قمة هذا الجبل يوجد سد قديم مبني بشكل دائري وعلى جدرانه عبارات مكتوبة بحط المسند القديم، الأمر الذي يدل على عراقتها.

منذ بداية الخامسة من عمري، فترة طويلة امتدت لسنوات لاحقة، قضيتها مع أقراني من الأطفال في رعي الحمير ومساعدة العائلة بالعمل في الزراعة والدراسة، كانت طفولة محرومة من أبسط مقومات الحياة؛ لاصحة، لا تعليم، لا نوادي، لا استراحات لا أماكن عامة للترفيه و نادرا ما كنا نحن الأطفال في القرية والمنطقة ككل نحظى بلعب كرة قدم بعد عناء شاق وخوف من عقاب عائلي مرتقب.

كانت الملاعب منعدمة تماما للحد الذي كنا نقطع عشرات الكيلوهات سيرا على الأقدام نذهب إلى قرى بعيدة لعلَّنا نجد بقعة صغيرة مربعة نلعب فيها كرة قدم، ومعظم هذه الملاعب أراضٍ زراعية تابعة لناس كانوا يعارضون وبشدة اللعب فيها  سيما في الصيف وتحديدا وقت الزراعة.