آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-02:48م

الشرعية اليمنية.. ما مضى وما هو آت

الخميس - 20 يوليه 2023 - الساعة 10:03 م

صالح البيضاني
بقلم: صالح البيضاني
- ارشيف الكاتب



يبلغ عمر “الشرعية” في اليمن ثماني سنوات وبضعة شهور على وجه التقريب، وهي الفترة الممتدة منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر 2014 وحتى اليوم، غير أن الشرعية لم تكتمل ولادتها كمفهوم سياسي في الأزمة اليمنية، إلا مع هروب الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي من مقر إقامته الجبرية في صنعاء ووصوله إلى عدن في فبراير 2015 العاصمة المؤقتة التي لم يمكث فيها طويلا، حيث سرعان ما اجتاح الحوثيون المدينة في مارس 2015 واندلعت الحرب في اليمن.

تشكلت الشرعية اليمنية في ظروف بالغة الصعوبة، كان المفترض أن يكون برنامجها الوحيد هو استعادة الدولة المختطفة في صنعاء، والتحول إلى مظلة سياسية لتجميع كل القوى والمكونات والتيارات السياسية المناهضة للانقلاب الحوثي، لكن ذلك لم يتم بالطريقة التي كان يفترض أن يتم بها، في ظل سعي شخصيات ومراكز نفوذ محيطة بالرئيس هادي آنذاك للاستئثار بالسلطة المنقوصة والاستحواذ على مكاسبها المادية الآنية وامتيازاتها السياسية والدبلوماسية، وهو ما استلزم بطبيعة الحال وضع حواجز حول الشرعية ورئيسها وصد كل محاولات الهاربين من جحيم الحوثي للالتحاق بهذه الشرعية وخصوصا من جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح وبعض التيارات السياسية الأخرى المحسوبة على الحراك الجنوبي الذي اشترك بفاعلية في مواجهة المشروع الحوثي سياسيا وعسكريا.

 

كانت أبرز نقاط الضعف التي اعترت أداء الشرعية اليمنية وحدّت من دورها كحاضنة شعبية وسياسية لمواجهة المشروع الحوثي، تكمن في غياب الهوية السياسية وعدم القدرة على تشكيل مركز حقيقي لصناعة القرار السياسي، وتمت الاستعاضة عن ذلك بنشوء مركز وشايات سياسية محيط بالرئيس هادي، كان قادرا بالفعل على اتخاذ قرارات سريعة وفاعلة ولكن بحق الخصوم في معسكر المناوئين للانقلاب فقط!

لم تستطع الشرعية أن تعمل طوال السنوات السبع الأولى وفق أدنى درجات الحوكمة السياسية، أو العمل على بناء نموذج للاستدامة في مواجهة التحديات الحوثية، التي كان نطاقها يتسع ويتسرب في أحيان كثيرة إلى مفاصل الشرعية ذاتها، ويحد من قدرتها على الحركة ويشل إمكانياتها في التصدي لآثار الانقلاب الحوثي على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.

نشأت الشرعية كإطار سياسي لمواجهة المشروع الحوثي لكن هذا الدور المفترض تراجع إلى حد كبير مع انشغال قيادة الشرعية في المرحلة السابقة بالصراع مع أطراف ومكونات كانت تواجه المشروع الحوثي على الأرض. ومع تلاشي مركز القرار السياسي الواعي بخلفيات المعركة الحقيقية وأولوياتها، لم يعد – على سبيل المثال – من شروط التعيين في الشرعية وضوح الموقف تجاه المشروع الحوثي الذي يفترض أن الشرعية تواجهه، وعلاوة على تسرب الكثير من العناصر المشبوهة إلى مؤسسات الشرعية، بات غياب الموقف وضبابيته إزاء الانقلاب الحوثي وتداعياته إحدى أبرز السمات التي تميز معظم من يتم تعيينهم من الصامتين أو المحايدين في أحسن الأحوال.

خلال السنوات السبع الأولى من الحرب، انبثقت العديد من القوى والمكونات الفاعلة على الأرض التي لم تجد لها مكانا داخل أطر الشرعية، التي تحولت في أحيان كثيرة إلى منصة لاستهداف هذه القوى، بفعل الهيمنة من قبل طرف كان يود الاستحواذ على هذه الشرعية وتحويلها إلى واجهة للصراع السياسي مع الخصوم، وكان في مقدمة تلك القوى المستهدفة، تيار الرئيس علي عبدالله صالح الذي انسلخ معظمه عن التحالف الهش مع الحوثي في أعقاب مقتل صالح في ديسمبر 2017، كما انخرط قطاع واسع من قيادات وكوادر الحراك الجنوبي في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس في مايو 2017.

 

أدرك الإقليم والمجتمع الدولي وكثير من الفاعلين اليمنيين أن الشرعية بشكلها طوال السبع سنوات، لم تعد انعكاسا حقيقيا لخارطة القوى والنفوذ التي بدا عليها المشهد اليمني في أبريل 2022 ولا يمكن أن تقود إلى نهاية طريق، سواء في خيار السلم أو الحرب، وانبثق عن مشاورات الرياض الإعلان عن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم ممثلين لكل القوى الفاعلة والمؤثرة في معسكر المناهضين للحوثي، وهي حزب الإصلاح وتيار الرئيس صالح ممثلا بنجل شقيقه العميد طارق صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، إلى جانب شخصيات تمثل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي انشق عن تحالف صالح والحوثيين في وقت مبكر.

كان قرار نقل السلطة من الرئيس هادي ودائرته الضيقة جدا والتي كانت تضيق يوما بعد يوم، حتى انحصرت في نهاية المطاف في شخصية نجله، قرارا فاعلا لحلحلة الجمود الذي عطل كل خيارات الحرب والسلام في اليمن، لكن هذا القرار تأخر كثيرا من وجهة نظري، فالقوى والتيارات الفاعلة التي كان ينبغي دمجها في الشرعية منذ وقت مبكر وتحويلها إلى طاقة لبث الحيوية والفاعلية في جسد الشرعية الهزيل، دخلت في بنية الشرعية بعد أن تحولت إلى كيانات ذات قدرة أكبر على الاستقلالية السياسية وتمتلك أذرعا عسكرية وعلاقات إقليمية ودولية والكثير من الموارد المالية، وهو الأمر الذي حال دون ذوبان أو دمج جميع القوى المكونة للمجلس الرئاسي في بوتقة واحدة قادرة على صهر القرار السياسي الموحد لمواجهة التحديات التي فشلت في التصدي لها الشرعية في نسختها القديمة.

لم يعد “مركز الوشايات” الذي أحاط بالرئيس هادي طوال سبع سنوات كبديل عن مركز صناعة القرار السياسي موجودا اليوم، ولكن “الشرعية” حتى الآن لم تستطع بناء مركز موحد قادر على اتخاذ القرارات المصيرية، وفي مقدمة ذلك ما يتعلق بإصلاح بنية الشرعية من الداخل التي تمت وراثتها عن هادي والتي تكاد تتحول إلى كيان معطل القدرات، يموج بالمتناقضات وتغذيه الصراعات الداخلية وتنشط بداخله كل التيارات حتى تلك التي تعادي الشرعية ذاتها.