آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-01:25ص

أصحاب العقول الإسفنجية

الثلاثاء - 06 يونيو 2023 - الساعة 12:00 ص

إياد فؤاد المغيني
بقلم: إياد فؤاد المغيني
- ارشيف الكاتب



مما لا شك فيه أن مصطلح ( العقل الإسفنجي ) أصبح مصطلحا تلوكه كثير من الألسن، ويتضاهى الكتاب في استخدامه ، فلا يكاد أحدنا يقرأ صحيفة، أو يزور موقعا من مواقع العالم الافتراضي إلا ويجد هذا المصطلح حاضرا ولو على سبيل التهكم والسخرية من طرف لآخر.
وصاحب العقل الاسفنجي يعد من أغرب ما قد يصادفه الإنسان، بل قد يكون مثارا للتندر والضحك عند الكثيرين، إذ أنه شديد الامتصاص لكل فكر آسن بلا أي فلترة أو تنقيح، وهذا فيه إهانة لنعمة العقل التي وهبها الله للإنسان، إذ أن أي فكرة تمر على الإنسان يجب أن تمر بمحطات ذهنية كرفض الفكرة ابتداء ثم تقبلها ثم الاقتناع المتأرجح وصولا إلى اليقين القطعي.
لكن صاحب العقل الإسفنجي ينتقل من المرحلة الأولى إلى الأخيرة بكل سلاسة وأريحية بدقائق معدودة فقد ينتقل من مرحلة الجهل البسيط الى مرحلة الجهل المركب، فتراه يناقش في قضايا مثل أن كل شيء حولنا كذب، أو أن الأرض ليست كروية، بل مسطحة، أو أن علي عبدالله صالح ما زال على قيد الحياة وأنه سيعود لينتقم من كل من خانه. 
ويعود ذلك إلى رداءة البناء المعرفي لدى ذوي العقول الإسفنجية، أو أن هناك من ارتكب في حقه خطأ علميا أو تربويا من والديه أو معلميه. لذا قبل أن نعلم أبناءنا التفكير الناقد، علينا أن نهيئهم لتقبل الرأي الآخر، وإذابة خرافة ثقافة الطاعة العمياء، والتنويم لمغناطيسي لتوجيه الآخرين. فالتفكير الناقد كفيل بتحويل العقول الإسفنجية إلى فلترية ناقدة، مما سيؤدي إلى ضمور ثقافة الدرعمة، وإطلاق الذئاب الجائعة على فكر القطيع.
على سبيل المثال إن مفهوم ( 1+ 1 = 2 ) يبدو قطعيا غير قابل للنقاش عند أصحاب العقول الإسفنجية لكنه ليس كذلك دائما لدى أصحاب التفكير الناقد، فتفاحة واحدة + برتقالة واحدة لا تساوي اثنين بل برتقالة واحدة وتفاحة واحدة، إذ أن التفكير الناقد يقتنع بالرأي بعد تفحصه والافتراض ثم يعرضه للنقد والتحليل وتقييم الأدلة دون تحيز.
ولا يختص العقل الإسفنجي بالأشخاص فحسب بل قد يصبح العقل الاسفنجي ثقافة لجماعات وأحزاب ونخب وإلا فكيف استطاع علماء السوء إقناع شعب بأكمله أن الجنوبيين كفار يحل قتلهم واستباحة أرضهم وأموالهم في حرب 1994، بل كيف استطاع التجمع اليمني للتمر ( الإصلاح ) أن يشرّع لأتباعه أن الوحدة هي الركن السادس في الإسلام، بل الأعجب كيف استطاع الحوثي أن يوهم الغالبية الدهماء أن ضرب الأراضي المقدسة بصواريخه الباليستية ومسيراته الإيرانية هو نوع من الجهاد في سبيل الله. إنما هكذا هي العقول الاسفنجية الحمقاء التي برمجت لتمتص الجرعة الفكرية المتطرفة حتى تترسخ كمعتقد.
ما أكثر العقول الإسفنجية حولنا التي تمتص كل ما في محيطها سواء أكان خيرا ام شرا وتفرغه كما هو في أي مكان، ليس لها وجهة نظر أو رأي شخصي فهي مجرد إسفنجة تمتص ثم تفرغ.

العقل الناقد عطية إلهية ومن المعيب ألا نكرمه كإكرامنا بطوننا بل أكثر، فكما أن الإنسان يتخير خير الطعام ليشبع به بطنه فعليه أن يتخير وينتقي ما يدخل إلى عقله من خلال الفحص والتدقيق والتثبت، لذلك فلنحافظ عليه بالتواجد دائمًا في البيئات المحفزة ذات المستوى المعرفي العالي وسترى أثر ذلك في نفسك ومدى سرعة تطورك.