آخر تحديث :الأحد-03 نوفمبر 2024-01:16م

الذكرى الثالثة والثلاثون للوحدة وأسئلة دامية!

الأربعاء - 24 مايو 2023 - الساعة 12:42 ص
عبدالباري طاهر

بقلم: عبدالباري طاهر
- ارشيف الكاتب


تطل على شعبنا اليمني ذكرى، أو بالأحرى عيد الثالث والثلاثون ليوم الوحدة في الـ22 من مايو 1990.

في منتصف خمسينات القرن الماضي، حصل تطور مهم في الحياة السياسية في اليمن؛ فقد عبّر فشل انقلاب 1955 في تعز عن إخفاق سياسة "ضرب إمام بإمام"، ورُفع لاحقا شعار الجمهورية في صحافة عدن، وتبنى الشعار شبابُ الاتحاد اليمني، ومؤتمر الطلاب (المؤتمر العام الدائم في القاهرة 1956)، وتأسست الجبهة الوطنية المتحدة في عدن 1955.

ربط المؤتمر العام لطلاب القاهرة والجبهة الوطنية المتحدة شعار الكفاح ضد الاستعمار البريطاني، مع إسقاط نظام الإمامة، وهو المضمون الجوهري للوحدة.

ثورة سبتمبر 1962 جسّدت المعنى العميق للوحدة اليمنية بانخراط الآلاف من شباب الجنوب من عدن والضالع وردفان والشعيب ويافع، والعديد من المناطق في الدفاع عن الثورة، كما أن ثورة الرابع من أكتوبر 1963 انخرط فيها شباب من مختلف مناطق اليمن، وكانت تعز وإب والبيضاء ورداع وصنعاء خلفية ثورة أكتوبر.

عندما افتتحت مجلة "الحكمة"، الناطقة باسم اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين عام 1974، قضية الوحدة باستطلاع تصورات ورؤى الأحزاب السياسية، وشخصيات عامة حول الوحدة - برز اتجاهان: اتجاه يدعو إلى الوحدة عبر الكفاح المسلح، واتجاه يرى تحقيق الوحدة عبر توحيد المنظمات الجماهيرية، والعمل السياسي، والحوار الديمقراطي، ولم تكن حربا 1972، و1979 بعيدة عن الصراع من حول الوحدة.

أكدت حربا 1972 و1979 صعوبة - إن لم يكن استحالة- تحقيق الوحدة بالحرب.

اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس 1972، فتحا الأبواب أمام الحوار بين الشطرين، وصيغ دستور الوحدة، التي تحققت سلميا في الـ22 من مايو 1990.

منذ الدعوات الباكرة للوحدة اليمنية كانت الاتجاهات السياسية تتبنُى قضية الوحدة على أنقاض الاستعمار البريطاني، ونظام الإمامة الكهنوتي، وقد عجزت الحرب عن تحقيق الوحدة التي تحققت سلميا عبر الحوار بين قيادة الشطرين.

تمت الوحدة السلمية والديمقراطية عبر اندماج نظامين شموليين بين الشمال والجنوب بجهازيهما البيروقراطي، وغاب الجيش، والأمن، والحزبان السياسيان عن التوحيد.

غاب حزب المؤتمر الشعبي العام؛ لأنه غير موجود في الجنوب، وغاب امتداد الحزب الاشتراكي في الشمال؛ لاشتراط السلطة في صنعاء عدم إشتراك أعضاء الاشتراكي في السلطة، أما الأحزاب الأخرى: الناصري، والبعث فلم يشتركا، ثم إن الإسلام السياسي مثّل العصا الخبيئة للنظام كخصم لدود للاشتراكي، ولدستور دولة ذات طبيعة ديمقراطية، وبعد بضعة أشهر جرى تأسيس التجمع اليمني للإصلاح كحليف للمؤتمر الشعبي العام، وللمواجهة مع القيادة الجنوبية، وضد الحزب الاشتراكي، والأحزاب الأخرى القومية والإسلامية.

كان الإنجاز الحقيقي للوحدة هو طابعها السلمي والديمقراطي، وتنصيص دستورها على إطلاق الحريات العامة والديمقراطية؛ ففي المادة (42): "لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون".

وأعلنت الأحزاب السرية عن نفسها، وأعلن تأسيس أحزاب جديدة، وصدر قانون يكفل الحق في إصدار الصحف، ومنع الرقابة عليها.

الحرب التي عجزت عن فرض الوحدة كانت الأقدر على تدميرها، وتدمير تجربة الجنوب ذات البعد الاجتماعي والتوجه القومي كدولة رعاية.

حرب 1994 لم تدمّر فقط تجربة الرابع عشر من أكتوبر، التي حققت الاستقلال الوطني، وكانت أنموذجا من أروع نماذج التحرر الوطني في العالم، وإنما دمُرت أيضا وحدة الكيان اليمني كله شمالاً وجنوباُ.

حرب 1994، التي قادها نظام صالح متحالفا مع التجمع اليمني للإصلاح، أعقبها حروب صعدة الستة، وحروب كثيرة، وأدت إلى انقلاب سبتمبر 2014، وما تبعه من حروب عمت اليمن - كل اليمن.

الوحدة المعمدة بالدم هي المساءلة عن إلغاء الوحدة السلمية الديمقراطية، وهي المساءلة عن تدمير الكيان اليمني؛ فالانتقالي في الجنوب، ودعاة الانفصال، وأنصار الله (الحوثيون) معطى من معطيات حرب 1994، وحروب صعدة الستة، كما أن انقلاب 21 سبتمبر 2014 هو المسؤول عن التدخل الإقليمي والدولي؛ فالحرب الأهلية استدعت التدخل الأجنبي.

بعد مضي ثمانية أعوام من الحرب، وعجز كل الأطراف عن تحقيق حسم عسكري، يستطيع كل طرف ادعاء تحقيق الانتصار، كما أن الحرب لم تعد باليمن إلى ما قبل الـ22 من مايو 1990 فحسب، بل عادت بها إلى ما قبل الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، وإلى ما قبل عصر الوطنية والدولة.

الحرب دمّرت الكيان الوطني، ومزّقت النسيج الاجتماعي، ودمّرت منجزات الثورة اليمنية: سبتمبر، وأكتوبر، في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، وأسست مليشيات للسلب والنهب لا علاقة لها بالثورة، ولا بالدولة، ولا بالنظام والقانون.

الأسئلة الدامية المطروحة الآن في ظل الهدنات والتهدئة الحالية هي:

ماذا ينتظر اليمن؟ هل ينتظر عودة الشرعية كما وعد التحالف العربي؟ وهل يسود السلام، أم يستمر الصراع؟ هل يستعيد اليمن وحدته؟ هل يستعيد القادة الجنوبيون "دولة الحزب الاشتراكي" التي لا يطيقون سماع اسمها، أم يؤسسون "دولة الجنوب العربي"، التي عجزت بريطانيا عن تأسيسها في خمسينات القرن الماضي؟

هل يستعيد أنصار الله الجمهورية اليمنية، أو أنهم سيكتفون بما وصلت إليه أيديهم؟ والسؤال الأخطر: هل تعوم الحرب في اليمن؟ أم تحول الهدنة إلى حالة اللا حرب، واللا سلم، أم " تُيمنن" الحرب؟

 الأسئلة مفتوحة كأبواب جهنم. وما أثر الاتفاق الإيراني - السعودي على الوضع في اليمن؟ وهل يستطيع قادة الحرب وصناعها أن يصنعوا وحدهم السلام؟ وهل للحرب في السودان، وعودة سوريا إلى الجامعة أثر على الحالة اليمنية؟