آخر تحديث :الأربعاء-01 مايو 2024-11:38م

أيوب كل شيء وكل شيء هو أيوب

الثلاثاء - 23 مايو 2023 - الساعة 09:54 م

محمد منصور المعمري
بقلم: محمد منصور المعمري
- ارشيف الكاتب


على أوتار صوته وعزف عوده تراقص الإبداع ليتراقص معه القلب منتشياً مستمتعاً بالأداء.. إنه الفنان العملاق أيوب طارش عبسي الذي لطالما أمطر جمالاً على حقول العشاق ليروي قلوبهم المتعطّشة بل وغرس بذور الحب في مختلف زوايا الوطن . 

بكلمات نخبة من عمالقة الشعر اليمني أبرزهم الفضول، وبلحنه وصوته المتفرّدَين استطاع أيوب أن يتربع في سماء الفن وأن يسكن قلوب الكثيرين حُباً وإعجاباً.. كيف لا وما أن تسمعه يطرب تشعر بكمية الأحاسيس المُتدفقة والمشاعر النابعة من القلب لتصل إلى القلب مباشرة.

لم يقتصر غناء أيوب على المجال العاطفي فحسب فلقد غنّى للحب والمطر، لليل والصباح، للغربة والوطن، بل لعلنا نُجزم بأنه لم يوجد شيء في هذا البلد إلا وتردد على شفتيه وتغزّل به. 

ففي الحب مثلاً كان أيوب مُعلمنا ومُلهمنا، إذ منحنا دروساً كثيرة فيه، علّمنا كيف نُحب بصدق، ونعاتب برفق، ونفترق بهدوء ،وفي الوطن نستطيع القول أن أيوب بأناشيده الوطنية والثورية مثّل مشروع نضال ضد الظلم والتخلف والإستبداد،كأنشودة :

أربعينياتُنا فيها رفضنا

وضحى سبتمبرٍ فيه رفضنا

ومدى السبعين يوماً قد رفضنا

وسنمضي رافضين وسنمضي رافضين 

أو مثل :

مواكب الزحف نحو المجد زيدينا 

وثباً إليه وزيدي من تحدّينا

وذكري مُتناسينا وناسينا

أنّا على الدرب ما زلنا يمانينا

فلا غرابة إن قلنا هُنا أن هذه الكلمات لوحدها كانت كفيلةً بأن تخلق مزيداً من الشجاعة والحماس لدى الناس حينها ليرفعوا بُندقياتهم في وجوه الظالمين وليستكملوا ما تبقّى من تحرير الوطن . 

لن ننسى تلك اللحظات التي كنا نصل فيها إلى المدارس ونسمع صوت أيوب يشدو :

رددي أيتها الدنيا نشيدي

ردديه وأعيدي وأعيدي

واذكري في فرحتي كل شهيدِ

وامنحيه حُللاً من ضوء عيدي

وكان العلم يرفرف عالياً آنذاك لتُرفرف بمعيّته قلوبنا حُباً وانتماءً للوطن الضاربة جذوره في عمق التاريخ..أما في الغربة فلقد ظلّ أيوب يُنادي المغتربين للعودة إلى أراضيهم ويُعاتبهم نيابةً عن أهاليهم ومُحبيهم بكلماته :

إلى متى وحبيبي بيطول الغياب؟ 

اذكر مُحبك وعوّد للصفاء والوداد. 

أو مثل :

ارجع لحولك.. كم دعاك تُسقيه؟ 

ورد الربيع من له سواك يجنيه؟! 

أو كقوله أيضاً :

يا غريب الوطن يكفيك غربة وأسفار

الوفاء دين يالله شرفوا الأهل والدار

لا تردوا الرسائل ما تطفّي الورق نار

والنقود ما تسلي من معه في الهوى شأن.. وغيرها الكثير من الأغاني التي هزّت وجدانهم واشعلت نيران الشوق في قلوبهم ليعزموا على إثرها السفر صوب البلد تلبيةً لنداء أيوب . 

لم نعُد نرغب بالسير تحت المطر بمعية حبيباتنا إلا بمرافقتك يا أيوب ، ولم يحلُ لنا السمر إلا على سماع كلماتك ولم يطِب المقيل في تقاضم أغصان القات أو الجلوس مع إحدى الجميلات على الشاطئ إلا على صوتك إذ تُحلِّق بنا نحو عالم آخر، عالم الإحساس المُفعم بالجمال والإتقان ..

وختاماً أقول :فنّك يا أيوب مدرسة تعلّم منها الأجيال وبُندقية تفجّرت في وجه الطغاة والظالمين وكوز ماء ما يزال يستقي منه العاشقون حدّ الإرتواء ،فآن الآوان أن تنال من التكريم بقدر إنجازاتك وأكثر، المجد لك ولأمثالك أيها العظيم.