آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-05:30م

لماذا نحتفل باليوم العالمي ( للحمير ) ..!!

الإثنين - 08 مايو 2023 - الساعة 07:31 م

أحمد عمر باحمادي
بقلم: أحمد عمر باحمادي
- ارشيف الكاتب


تقوله الأم لابنها .. ويقوله الأب لولده .. ويقوله المعلم لطالبه البليد .. يستطيع أي شخص أن يسبّ شخصاً آخر بقوله : ( ياحمار !! ) لكنه لا يعلم في ذات الوقت أن هذا الحيوان الذي جعلناه مادة للسب والتندر والاستهزاء من غباء الآخرين وبلاهتهم يعدّ من أذكى الحيوانات وأكثرها صبراً وتحملاً ..!!
يمتلك الحمار مهارة عظيمة في سلوك أقصر الطرق وأفضلها .. وفي هذا المقام يقول عنه الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في ذكرياته : ( كان الدليل يركب حماره ويدَعه يمشي على هواه، والحمار ( كما تعلمون، أو لا تعلمون ) مهندس بالفطرة ..
فهو يختار من المصاعد أسهلها فيسلكها، وإذا رأيته يمشي في الجبل على حَرْفه حتّى لتظنّه سيسقط في الوادي فلا تحسب أنه يفعل ذلك جهلاً، بل يفعله مفاخرة لإثبات القدرة على التوازن ..!!
والحمار مظلوم، فمن سبّ منّا آخر قال له : يا حمار، فيغضب، مع أن الحمار أحقّ بالغضب إن قيل له : يا إنسان! نعم، إن جنس الإنسان أفضل .. والله كرّم بني آدم وقدّرهم، ولكن مِن بني آدم مَن ينزل بنفسه عن مكان استحقاق التقدير فيصير أضلّ سبيلاً من الحمير ).
ولهذا ذمّ الله تعالى اليهود الذين أُعطوا التوراة وحُمّلوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا .. أي كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها فهو يحملها حملا حسيا لا يدري ما عليه ..
وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه .. حفظوه لفظا ولم يتفهموه ولا عملوا بمقتضاه بل أولوه وحرفوه وبدلوه فهم أسوأ حالا من الحمير لأن الحمار لا فهم له وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها. [ تفسير ابن كثير ].
ومما جاء في كتاب قصة الحضارة لديورانت : ( وأول ما ذكر الحصان في السجلات البابلية كان في عام 2100 ق.م ، وورد ذكره باسم "الحمار القادم من الشرق"، ويظهر أنه جاء من هضاب آسية الوسطى وأنه غزا بابل مع الكاشيين، كما وصل إلى مصر من الهكسوس. ولما استخدمت هذه الوسيلة من وسائل الانتقال والحمل انتشرت التجارة وامتدت من داخل البلاد إلى خارجها ).
( الحمار القادم من الشرق ) .. شدتني هذه العبارة جداً خاصة ونحن قد ابتلينا في الشرق بالكثير من الحمير الذين أحالوا حياتنا جحيماً وهم لا يزالون على أفعالهم تلك .. وكلما هلك جيلٌ منهم ورّث آخر فجاء جيل من الحمير ألعن من الحمير الأولى .. وكما قيل : إن الحمار يبقى حماراً ولو وضعته في القصور وأركبته السيارات، وكسوته الحرير وأطعمته الفستق المقشَّر ..!!
ومنهم من إن رأيته فكأنما رأيت شيطاناً رجيماً .. فالحمير الحيوانية إن نهقت فإنها رأت شيطاناً .. مصداقاً لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : "إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطانًا؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكًا" ..
لكنّ حمير البشر اليوم هم الشياطين بحد ذاتهم والعياذ بالله ..!! فإذا اعتلوا المنابر خطبوا خطباً رنانة بشعارات وهمية .. بأصوات منكرة كأصوات الحمير تتذكر حين تسمعها قول سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : ( صِيَاحُ كُلِّ شَيْءٍ تَسْبِيحُ لِلَّهِ إلَّا الْحِمَارَ فَإِنَّهُ يَنْهَقُ بِلَا فَائِدَةٍ ) وهكذا كلامهم بلا فائدة.
ومما جاء في جميل الأدب عن الحمير أن بشار ترجم عن عواطف الحمار ووصف غرامه بأتان (أي حمارة) فقد روى محمد بن الحجاج قال : جاءنا بشار يوماً، فقلنا : ما لك مغتمّاً؟ قال: مات حماري فرأيته في النوم فقلت له: لم تركتَني؟ ألم أُحسِن إليك؟ فقال لي:
سيّدي خُذ بي أتاناً ×× عند باب الأصفهاني
تيّمَتني يومَ رُحنا ×× بثناياها الحِسانِ
وبغُنْجٍ ودَلالٍ ×× سلَّ جسمي وبَراني
ولها خَدٌّ أسيلٌ ×× مثلُ خدّ الشَّيْفراني
فلذا مِتُّ ولو عِشـ ×× ـتُ إذن طالَ هواني
قال : فسألناه : ما هو الشَّيْفراني؟ فقال : هذا من لغة الحمير، فإذا لقيتموهم فاسألوهم.
وثمة فائدة جميلة في تفسير الشعراوي رحمه الله للآية الكريمة : { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [ لقمان : 19] .. فنوردها في هذا المقال رغم طولها لفائدتها الرائعة .
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله : ( ثم يقول سبحانه مُشبِّهاً الصوت المرتفع بصوت الحمار: { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [لقمان: 19] والبعض يفهم هذه الآية فهماً يظلم فيه الحمير، وعادة ما يتهم البشرُ الحميرَ بالغباء وبالذلة لذلك يقول الشاعر :
ولاَ يُقيم علَى ضيَمْ يُرَادُ به ×× إلاَّ الأذلاَّنِ عِيْرُ الحيِّ والوَتِدُ
هذا على الخسفْ مربوطٌ برمته ×× وذَا يُشَدُّ فَلاَ يَرْثِى لَهُ أَحَد
ونعيب على الشاعر أن يصف عِيرَ الحي - والمراد الحمار - بالذلة، ويقرنه في هذه الصفة بالوتد الذي صار مضرب المثل في الذلة حتى قالوا (أذلّ من وتد) لأنك تدقّ عليه بالآلة الثقيلة حتى ينفلق نصفين، فلا يعترض عليك، ولا يتبرم ولا يغيثه أحد، فالحمار مُسخّر، وليس ذليلاً، بل هو مذلَّل لك من الله سبحانه.
ولو تأملنا طبيعة الحمير لوجدنا كم هي مظلومة مع البشر، فالحمار تجعله لحمل السباخ والقاذورات، وتتركه ينام في الوحل فلا يعترض عليك، وتريده دابة للركوب فتنظفه وتضع عليه السِّرْج، وفي فمه اللجام، فيسرع بك إلى حيث تريد دون تذمر أو اعتراض.
وقالوا في الحكمة من علو صوت الحمار حين ينهق : أن الحمار قصير غير مرتفع كالجمل مثلاً، وإذا خرج لطلب المرعى ربما ستره تلّ أو شجرة فلا يهتدي إليه صاحبه إلا إذا نهق، فكأن صوته آلة من آلات البادية الطبيعية ولازمة من لوازمه الضرورية التي تناسب طبيعته.
لذلك يجب أن نفهم قول الله تعالى: { إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } فنهيق الحمار ليس مُنكَراً من الحمار، إنما المنكر أن يشبه صوت الإنسان صوت الحمار، فكأن نهيق الحمار كمال فيه، وصوتك الذي يشبهه مُنكَر مذموم فيك، وإلا فما ذنب الحمار؟
إنك تلحظ الجمل مثلاً وهو أضخم وأقوى من الحمار إذا حمَّلته حِمْلاً فإنه (ينعَّر) إذا ثقل عليه، أما الحمار فتُحمِّله فوق طاقته فيحمل دون أنْ يتكلم أو يبدي اعتراضاً، الحمار بحكم ما جعل الله فيه من الغريزة ينظر مثلاً إلى (القناة) فإنْ كانت في طاقته قفز، وإنْ كانت فوق طاقته امتنع مهما أجبرته على عبورها، أما الإنسان فيدعوه غروره بنفسه أنْ يتحمّل ما لا يطيق.).
ويقول في موضع ثانٍ : ( وعلمنا بالتجربة أن الحيوانات ومنها الحمير تشعر بالزلزال قبل وقوعه، وأنها تقطِّع قيودها وتفرّ إلى الخلاء، وقد لوحظ هذا في زلزال أغادير بالمغرب، ولاحظناه في زلزال عام 1992م عندما هاجت الحيوانات في حديقة الحيوان قبيل الزلزال.
ثم إن الحمار إنْ سار بك في طريق مهما كان طويلاً فإنه يعود بك من نفس الطريق دون أنْ تُوجِّهه أنت، ويذهب إليه مرة أخرى دون أنْ يتعدَّاه، لكن المتحاملين على الحمير يقولون : ومع ذلك هو حمار لأنه لا يتصرف، إنما يضع الخطوة على الخطوة، ونحن نقول : بل يُمدح الحمار حتى وإنْ لم يتصرف؛ لأنه محكوم بالغريزة.
كذلك الحال في قول الله تعالى :{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً... }[الجمعة: 5] .. فمتى نثبت الفعل وننفيه في آن واحد ؟ المعنى: حملوها أي: عرفوها وحفظوها في كتبهم وفي صدورهم،
ولم يحملوها أي: لم يؤدوا حق حملها ولم يعملوا بها، مثَلهم في ذلك { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً... }[الجمعة: 5] فهل يُعَدُّ هذا ذَماً للحمار؟ لا، لأن الحمار مهمته الحمل فحسب، إنما يُذَمّ منهم أَنْ يحملوا كتاب الله ولا يعملوا به، فالحمار مهمته أنْ يحمل، وأنت مهمتك أنْ تفقه ما حملت وأنْ تؤديه.).
ومن جميل ما ورد في إحدى مقالات الدكتور زغلول النجار : ( والإشارة القرآنية التي تقول : ( إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) فيها من السبق العلمي ما لم يكن معروفا في زمن الوحي بالقرآن الكريم ولا لقرون متطاولة من بعده ..
وورودها في كتاب أنزل علي نبي أمي ( صلى الله عليه وسلم ) في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين، من قبل أربعة عشر قرنا، وإلماحاتها إلى أخطار التلوث البيئي بالضجيج ـ وهي حقائق لم تعرف إلا في أواخر القرن العشرين ـ
لمما يقطع بأن القرآن الكريم لايمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده في نفس لغة وحيه ( اللغة العربية ) حتى يكون حجة على الخلق إلي قيام الساعة ).
ألا يحقّ بعد هذا أن يجعل العالم للحمير يوماً عالمياً مختصاً بها .. فهي حقاً حيوانات متفانية .. وأقل ما يقال عنها أنها مخلوقات استثنائية ورائعة.
...