آخر تحديث :الجمعة-19 أبريل 2024-04:38ص

التمدن بين القول والفعل

الأحد - 05 فبراير 2023 - الساعة 01:54 م

سالم الفراص
بقلم: سالم الفراص
- ارشيف الكاتب


المدنية والتمدن لا تقوم بالتمني ولا تتحقق بالكلام عنها ولا بالتفنن في وصفها وتعداد محاسنها كما انها لا تصبح أمرا واقعا معاشا بمداومة التباكي والتحسر على فقدانها واستحضار أمثلة لها أو العيش وسط استرجاع ذكريات أيامها والتغني ببعض المواقف والأحداث التي وقعت في أزمنة ولت وأصبح وجودها مرسوما على الورق ومرددا بالأحاديث والخطب.

ولا يمكن أن يتم التحول إلى المدنية والانتساب لها بتكوين وتشكيل جماعات ومنظمات وجمعيات تتفاخر بالانتساب والانحياز لها من خلال شعارات ترفع ونداءات تعاد وتكرر ومطالب ترفع بقصد الاعتراف والاقرار بمدنية هذا المجتمع أو ذاك وهذه المدينة او تلك.

المدنية هي قبل كل شيء سلوك وفعل وممارسة وصناعة وتهيئة ظروف وخلق بيئة ملائمة ومحرضة قادرة وقابلة لتشييد وتأسيس وابداع شواهد ومعالم ومأثر وعلاقات حية ملموسة وحراك ينافح ويقود ويحافظ على مظاهر تلك المدنية ويعزز من وجودها وتنامي وتطور فعلها.

المدنية هي أن نعي ونحترم ونعمل أكثر وباستمرار على المواضيع التي تجسدها وتدل وتفضي إليها وتعمق من حضورها والقبول بالآخر وصون الحقوق والاقرار بالمواطنة المتساوية.. الخ 

المدنية ضمير وإنسانية وتربية وثقافة ونبل اخلاق في البيت والشارع والعمل وتجليات خلق وابداع في مختلف مناحي الحياة والوقوف على مسافة واحدة منها مجتمعة. فلا يعتري او يصاب اويهن واحدا منها تراخيا أو تسليما واستسلاما مهما كانت أو استجدت محاولات حجبها أو مصادرتها أو تشويهها أو التعدي عليها أو الانتقاص منها. 

المدنية هي إحساس بالمحيط والشعور بالانتماء له والارتباط به والغيرة عليه وتعميق الصلة به وإعادة اكتشافه كانسان وكموقع وكمكان متنوع التضاريس غني بمقدراته وبملامحه الجمالية وآثاره التاريخية وموروثاته المتعددة.

وهكذا فإن شكل وأسلوب علاقة الإنسان بالمكان لابد وان تعكس مدى رقي او تخلف نشاطه والعكس صحيح.

كما ان سلبية او إيجابية تقدير الانسان للقيمة الوظيفية للمكان. إما أن تختل هذه العلاقة فتظهر بشكل نشاط تدميري طارد لقيم ومعاني الحياة المدنية وإما أن تستقيم هذه العلاقة فتكون سببا في سلامة وابداع ورقي ذلك النشاط. الذي بدوره ينعكس على تثبيت مداميك الاستقرار والبناء والتطور والرخاء والتمدن.