آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-02:05م

مغادرة اوعيتنا الثقافية

الثلاثاء - 31 يناير 2023 - الساعة 10:47 م

بشير عثمان
بقلم: بشير عثمان
- ارشيف الكاتب


نقضي حياتنا داخل وعاء ثقافي، وقلة منا يغادرون الوعاء،  فلسفيا نسميها "هجرة "، وذهنياً نسميها رحلة، وقد تكون في الموسيقى فقط، أو عبر الطعام، أو أشياء أخرى كالملبوسات وأدوات التكنولوجيا، وغيرها من الأنماط المتعددة.

عادة الهجرة هي إحدى طرقنا للهروب من نظامنا الثقافي، فحتى الذين يهاجرون، ويظلون متمسكين بماضيهم وعاداتهم، أو ما يسمونه إرثهم هم في الحقيقة قد غادروا نظامهم الثقافي بشكل أو بآخر، وتمسكهم بنظامهم القديم؛ إما لخوفهم من أن يكونوا غير محميين، أو لأسباب متعلقة بالضعف البشري.

عندما نتذوق أطباق الآخرين، ونستمتع بالبرياني الغني بالبهارات وتوابل الهند اللذيذة، وعندما نتناول طبق الريزوتو الفريد؛ فإننا نغادر وعاءنا الثقافي.

عندما نستمع إلى البومات الفيس بريسلي وسلين ديون وجون باريليس المفضلة.

وعندما نتذوق الويسكي والفوتكا ونشرب نبيذ اريك اسيموف، الذي لا ينسى فنحن نغادر أو غادنا بالفعل وعاءنا الثقافي، ولأنه ببساطة لم يعد يلبي احتياجتنا البشرية المتطورة، لم يعد يكفل لنا الإشباع الذي نحتاجه لنمضي بحياتنا بشكل يرضينا، ويكفل توازننا النفسي والفكري.

في الحياة لدينا دور نلعبه، وهي إحدى أزليات فلسفتنا في الحياة، التي صورناها لأنفسنا وبطرقنا البشرية الخاصة عبر حقب طويلة، عوامل مختلفة شكلت أوعيتنا الثقافية، عوامل كالاستقرار الجغرافي والتأقلم مع الطبيعة إحدى تلك العوامل، وقبل ذلك مرينا بمراحل الخيال، والتشكل في جماعات بشرية ثقافية مختلفة ثم أنغلقنا في داخلها، والبعض منا لا يزال يعتقد ان مهمته رعاية وعائه الثقافي.

علمياً انتقل وتجول البشر بطرق مختلفة  من مكان إلى آخر؛ بحثاً عن الطعام قبل كل شيء آخر، تأثرت تنقلات أسلافنا بالتغيرات الموسمية كالهجرات السنوية للحيوانات ودورات حياة النباتات، ارتحلوا عادة جيئة وذهابا عبر منطقة السكن نفسها أو الصيد، التي تراوحت بين عدة عشرات إلى عدة مئات من الكيلومترات المربعة، وبعد ذلك حدث استقرار للجماعات البشرية، وضمن هذا الاستقرار تشكلت الأوعية الثقافية المختلفة.

ومن ذلك الحين، ومن حين إلى آخر، لا يزال بعض البشر يتجولون يتسربون ويتطورون خارج وداخل أوعيتهم الثقافية، إما بسبب كوارث طبيعية، أو صراعات عنيفة، أو ضغوطات سكانية، أو بمبادرات فردية، وفي الوقت نفسه هناك أيضا طغيان ثقافات معين تهيمن على ثقافات أضعف.

اليوم هيمنة الثقافة الأمريكية واضحة، أنماط مثل بنطلونات الجينز، وثقافة الهمبورجر والكاكولا عالمية ومدهشة في الوقت نفسه، وعن طريقها يغادر العديد من البشر أجواء أوعيتهم الثقافية المغلقة.

ولدينا اليوم العديد من الأدلة إلى أن البشر يتجهون بشكل أو بآخر نحو ثقافة عالمية واحدة، وهذا أمر رائع.