آخر تحديث :السبت-04 مايو 2024-02:48ص

لا تُعاتبني... في اقربائي.. في أهل بَلدي

الإثنين - 16 يناير 2023 - الساعة 04:57 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


في زمن التُغيرات والتَحولات الكبيرة، والتي تتعاظم يومًا بعد يوم، أصبح من الصعب التحكم في الأفرادِ، وتوجيه سلوكهم إلى الطريقِ الصحيح، او تقويمه على النهج القويم،
جيلُ يعيش في زمن الفضاء المفتوح، والعولمة بلا سطوح، والجدال أصبح مألوف، والسيئات والمنكرات تنتشر وتفوح، لم يعدّ لدينا إلا توفيق الله لنا بتربيتهم ونصحهم، والدعاء لهم بالصلاح والحفاظ على ما تبقى من القيم والمبادئ والسلوكيات الحسنة.

فلا تغتر بأنك صالح وأسرتك صَالحة، ولا تُؤنب مُبتلى، ولا تأمنً لسلوكِ الفرد أبدا، فنبيُّ الله نوح عليه السلام كان نَبي، ولكن لم يستطع هداية امرأته أو ابنه، وإبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء لم يستطع هداية أبيه، ولوط عليه السلام، لم يستطع هداية امرأته، ويوسف وأباه عليهما السلام، لم يستطيعوا إيقاف سلوك العداء، مع أنهم استخدموا كل وسائل الكذب والنفي والادعاء، ونبيُّ الله محمد عليه أفضل الصلاة واتم التسليم، لم يستطع هداية عمُّه وجده، وكم هي الأمثلة من الرسل والأنبياء فما بالك بمن دونهم، وهنا نقف عاجزين أمام أي توجيه وتقويم السلوك إلا برضا خالق الخلق أجمعين.

لا أحد يستطيع هداية الآخرين، لا أحد يستطيع إيقاف العُصاة والعاصين، والكفرة والمشككين، لا أحد يستطيع إفساد الصالحين ولا هداية الضالين، إلا بتوفيق الله الخالق العظيم، مِصداقاً للآيةِ الكريمة: قال الله تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) سورة القصص الآية:56.

فالآية صريحة وواضحة لا تقبل التأويل والتفسير، فلا تنسب نجاح وصلاح وتسخير ابناءك أو أحد افراد أسرتك لك، فكله مرهون بتوفيق الله وهدايته، ولا تغتر بنجاحه وتفوقه فقد ينقلب رأساً على عقب، ولا تبتئس بانحداره وسقوطه، فقد يصبح هَادياً مَهدياً، فإن اخلصت لك زوجتك، وأحبتك وكانت وفية معك، فهذا توفيق وفضلُ من الله، وأن فسدت فهذا ابتلاء من الله، وإن كان أبوك رمزًا في التقى، وعلماً من أعلام الهُدى باراً متفانيا رؤوفاً حنوناً فبتوفيق الله، وإن اصبح وَلدك أو ابنتك حافظة للقرآن، فمن توفيق الله، وأن حافظت اختك على كرامتها واصلها ودينها وسلوكها، فهو من توفيق الله، وأن انحرفت فهو ابتلاء، وكم سنسرد من الحكايات والقصص التي تؤكد ذلك.

وما عليك أيها الفرد، في أقربائك إلا بأحدي طُرق التربية النبوية قال النبي ﷺ (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ). وفي زمن أصبحت اليدُّ مرهونة بالنظام والقانون الأعمى، فمن الصعب تطبيقها على الآخرين، دون أبنائك، فاللسان أولى وأحياناً القلب أولى..!

ولكن لا تقل ذلك وتقف، بل عليك أيها الفرد أن تُبين لهم بالنصح والتذكير، ما هو الصح وما هو الخطأ، وهذا مقبول وهذا مرفوض، ذلك سلوك سيئ، وذاك سلوك جيد، انتبه فهذا خارج عن الأعراف والتقاليد الدينية والمجتمعية والأسرية، وهذا لا يتوافق مع الدين والقانون وهكذا، ومن ذلك المنطلق تكرر ذلك، كلما استطعت إلى ذلك سبيلا، بالنصح وطرقه المُتعددة وبالأسلوب الأمثل، وتكرار ذلك وإن لم يستجب فأمرك وأمره وأمرها لله جلّ وعَلا. حاول أن تختار جُلساء ابنك أو ابنتك، حاول أن تختار أصدقائهم وزملائهم، حاول أن تدلهم على الطريق الصحيح، حاول أن تعلمهم حبُّ القراءة للكتب المفيدة ذات التربية العميقة، والقصص الهادفة، حاول أن تشجعهم على متابعة البرامج المفيدة، رشح لهم وأختار القدوات الحسنة، تقبل من كل فرد من افراد المجتمع الصالحين في تربيتهم وكأنكم أسرةٌ واحدة ...!

ولا تستخدم أسلوب التهويل والتأويل والوعيد المُفرط، والتخويف والتخوين، ولا تنصب المشانق، فالدنيا بسيطة، أبسط مما تظن، وكلما كبرت عَقلت وفهمت وأدركت، وكلما تقدمت بالسنِّ، ستعرف أنك كُنت مُبالغ فيما قلت ونقلت وشحنت القلوب، الحياة تَجارب، وكل مخطئ سينال جزاءه وعقابه، إلا لمن يكن في قوانين الأرض، فقوانين السماء لا تنسى أبدا، فالقبر حق والنار حق والجنة حق والله حق.

وعليك ايضًا ألا تترك الدعاء لهم أبدا، وأن يعينك الله على تربيتهم لصلاحهم، فهذا كله من فضل الله تعالى ورحمته وتوفيقه وتسخيره، وإذا لم يهتدِ ابنك أو ابنتك أو اختك أو أخوك أو أبوك أو عمُّك أو خالك أو ما دونهم، ومن في مستواهم، فليس بيدك إلا اللجوء لله والتضرع، والدُّعاء لهم والأمر بيد الله جل جلاله أولاً وآخراً.

وخلاصة القول لا تعاتبني في ابني أو أبنتي، لا تعاتبي بأخي أو أختي، لا تعاتبي بأبي وأمي، لا تعاتبني بزوجتي وأهلي، لا تعاتبي بأحد من أفرادِ أسرتي، واقاربي وأي مُسمى لعائلتي، او منطقتي، او بلدي، وأهل مذهبي، وديني، كل واحد مرهون بنفسه. وتذكر الحديث الشريف: قال رسول الله ﷺ (لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك)، وقوله ﷺ: (إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ)، وقوله ﷺ: (البِرُّ لا يَبْلَى، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُن كَمَا شِئتَ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ) صدق رسول الله.

أيها المعاتبون، اطلبوا هداية الله والتوفيق، لكل من تظنوه وتروه مُخطئًا، فهدايةِ الله نُور في القلبِ، ورضا بالحقِ، وسلامة في الفكرِ، وحُسن في البيان والمنطق، وما عليكم إلا النصح والبلاغ، والدعاء بصدق وإقناع، والله وليُّ الهداية والتوفيق.