آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-12:51م

مستقبل معدوم

الثلاثاء - 03 يناير 2023 - الساعة 09:24 ص

بشير عثمان
بقلم: بشير عثمان
- ارشيف الكاتب


في العام الماضي، كتبت العديد من المقالات وبشكل متكرر عن موضوع مستقبل اليمن، وكانت تلك المواضيع تتقاطع مع إيقاعي ككاتب وسياسي يمني  عمل للعديد من المؤسسات وشارك في النشاط السياسي خلال العقدين الماضيين. وتحديداً في العقدين التي عشتهما في ذلك المجال، وكانت الحياة في اليمن تقود للفشل على كافة المستويات، او كنا بمعنى ادق نعيش الفشل على كافة المستويات الحياتية، وكان هناك سؤال واحد يطوف ويتردد ، ولا يزال، في يومياتنا، ومرارا وتكرارا يطرح: متى يبدأ نجاح الحياة في اليمن بشكلها السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي؟

‏‎وهذا السؤال معقد ، وفي نفس الوقت اجابته صعبة للغاية ، بل تكاد تكون احراجاً لاي كاتب او مفكر او حتى متنبأ تائه. وكما ان السؤال مصيرياً لدرجة أن المشاركة المدروسة والواعية في الاجابة عنه صعبة واخلاقية ، هو كذلك - برأيي- هام للغاية. ومن ناحية اخرى ، السؤال نفسه يمكن أن يكون واسعا بشكل مربك ويدعونا للهرب من التفكير به.  

‏‎من الناحية السياسية والاجتماعية السؤال: متى يكون اليمني مستقر سياسياً واجتماعياً؟ اما من الناحية الفلسفية والاقتصادية، ما الذي سوف يجعل الإنسان اليمني شخصاً منتجاً وناجحاً ومزدهراً ؟ ودينياً: متى يكون للإنسان اليمني دين يساعده للخروج من مستنقع الصراعات الدينية عوض ان يغرقه فيها ؟

‏‎تصارع اليمنيون اجتماعياً وسياسيا ودينياً عبر الزمن! على مدى القرون القليلة الماضية، حدثت صراعات وغزوات وانقلابات عديدة ، تاريخ يدعونا للقطيعة معه ، وفي نفس الوقت يدعونا لاستكشاف السؤال ، والاهم اجابة السؤال السابق ومعرفة كيفية تفكير الناس فيه.


‏‎استطيع ان اقول ان مسألة  صناعة مستقبل اليمن ووضعها في الطريق الصحيح  أكبر بكثير من المعارك التي تدور اليوم، وهي اهم من تلك المعارك التي يبدو ان لا نهاية قريبة لها. 
‏‎يتجاوز هذا المنطق حدود ورؤية المتقاتلين، وربما - فقط- يطرق حدود القانون والفلسفة الانسانية الحديثة والتي يمكنها فقط اخراج اليمن من مستنقعه ، وهي الفلسفة التي يمكن ان تنقله إلى قلب التجربة الإنسانية.

‏‎هناك بعض الإجابات الواضحة التي يمكنها ان نجدها عن سؤالنا السابق ان فكرنا جيداً، يمكن العثور العثور عليها في التجارب البشرية المختلفة. ولكن في اليمن هناك ممانعة حقيقية لاستكشاف السؤال في حد ذاته ، وليس فقط الاجابة عنه تماماً.

‏‎فكرتي للان لا تجيب على هذا السؤال ولكنها تطرحه فقط. وبدلا من ذلك، آمل أنه من خلال الكتابة اليوم البحث عن إجابة وحل ، لان الاجابة تكون بوعي جمعي واسع ، والحل كذلك ، لا يكفي ان نفرد بعض المساحة والأفكار للتفكير في وجهات نظرنا الخاصة ، او بدء محادثة مع الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي ، والعائلة ، “ ومقيل القات “ حول الاجابة ، ومن ثم الاعتقاد الشخصي الساذج في ذات الوقت أنا في الطريق الصحيح ونبلي حسناً، وبالتالي  فعلنا ما يجب فعله، ونحن في الطريق الصحيح، كل ذلك ليس كافياً، بل سذاجة متناهية، فنحن بحاجة الى وعي جمعي حقيقي وواسع  يمكن أن يشعر بالمسؤولية للخروج من هذا المستنقع.

‏‎اليوم ، وفي العام الماضي ، وفي العام الذي قبله،  وقبل عشر سنوات ، وعشرون عاماً ، كان الوعي بالمستقبل في اليمن وسبل صنعه معدوم ، وفي افضل الاحوال أمل يعتمد على النوايا الخاصة ، بغض النظر عن ايجابية وسلبية تلك النوايا، وللاسف سيبقى الحال كذلك.

‏‎كيف يفهم ويفكر الناس بشكل جمعي مشترك وذكي ومتناغم بحياتهم ليست مسألة سهلة، تحتاج الى شعب يعي الفلسفة الجمعية واهميتها، وكذا يحب بعضه ولديه الرغبة بمشاركة افراده في الخروج من المأزق التاريخي، وهذا ما يمكن ان نسميه بداية الطريق.

‏‎قبل حوالي عشر سنوات ومع  بدايات ما يسمى ثورات الربيع العربي ،ارتفعت فرص بناء دولة علمانية ديمقراطية ، ولكن الاسلاميون قوضوا تلك الفكرة ، هيمنوا على الاجواء الايجابية بمشاريعهم الدينية في مجتمع تقليدي ومتواضع معرفياً وفكرياً، ومن ثم ان احتواء تطلعات القلة الواعية من الشباب الحديث والطامح. كتبنا حينها عن اهمية وكيفية بناء مستقبلنا وطموحنا ، ولكن الربيع كان شتاء . لقد فشلنا في التحول نحو مستقبل سياسي واجتماعي واقتصادي افضل.

‏‎هذه كلها مسائل نعيشها اليوم. وهي مسألة اشتركنا في صنعها جميعاً عبر الانقسامات.

ومن ثم الصراعات.. الصراعات التي لن تنتهي كما نتوقع او نأمل.