آخر تحديث :السبت-27 أبريل 2024-10:38م

وكيف ستقرأ لوليتا في صنعاء ؟

الجمعة - 14 أكتوبر 2022 - الساعة 11:51 ص

سهير السمان
بقلم: سهير السمان
- ارشيف الكاتب


في المدينة التي تعاني من موت سريري  وأنت تنتظر أن ينبثق الخيال وتخرج الجنيات من سجونها، وتكتب تميمة الانعتاق، وتحكي أسطورة البطل الذي يحرر مدينته من الغزاة.
لكم أن تتخيلوا فقط ليظهر ذلك البطل، بعيدا عن سطوة السياسة، والعادات والتقاليد. ولكنه لن يحمل هذه المرة سيفه، ويمتطي حصانه، بل سيتخذ مكانا سريا يجتمع فيه بكم لتحاولوا إعادة القراءة، في لحظات سرية وحميمية، لكم أن تتخيلوا أنكم مجتمعين تستمعون إلى الموسيقى وتقعون في الحب، وتتمشون في الشوارع الظليلة دون رقيب. 
في صنعاء سيكون على البطل أن يشارككم القراءة لتتحرروا. وتجدون طريقة ما لتقرأون " لوليتا" ؟  وليس لوليتا فقط بل ستعيدون قراءة كل شيء ولكن بمنظور مختلف.  
أن تقرأ لوليتا في طهران
كتبت آذر نفيسي  روايتها " أن تقرأ لوليتا في طهران". بعد أن عاش الإيرانيون مرحلة صعبة من تاريخ إيران، لا تختلف كثيرا عما يحدث في صنعاء اليوم. فواقعنا في صنعاء تحت حكم الحوثي قد تشكل وفقا لمنظور ذلك السيد، الذي لا يملك أدنى معرفة أو ثقافة، سيد أصبح هو الرقيب، بعد أن خرج من ظلمة الكهف، وليس له علاقة بالحياة، ظلمة صكت على عينيه فلم يتقبل الألوان، فأصر على إعادة تشكيل واقع الناس وصياغة مستقبلهم وفقا لعدسات عديمة اللون، وليس واقع الناس فحسب وإنما خيالهم أيضا، وقد يصبح خيالهم هو الآخر خاضعا خانعا في بلد أصبح فيه هذا الرقيب ينافس العالم والأديب والشاعر في إعادة ترتيب وتشكيل واقعنا.

تقول نفيسي : فهذا بلد يؤول كل إيماءة تأويلا سياسيا أيا كانت تلك الإيماءة، خاصة أو شخصية، فهم يجدون بأن الوان إيشارب رأسي وربطة عنق أبي، تمثل رموزا للانحلال الغربي، وللنزعة الإمبريالية، حلق اللحى والمصافحة مع الجنس الآخر والتصفيق أو التصفير في التجمعات العامة، كلها كانت تعد تقليعات غريبة، وإذا فهي دليل دامغ على الانحلال وهي جزء من خطة الغرب للتقليل من شأن ثقافتنا. 
وتحكي الكاتبة الإيرانية آذار نفيسي في روايتها « أن تقرأ لوليتا في طهران" كيف أنها استطاعت في بيتها- هي وطالباتها- التخلص لمدة عامين من الواقع الخانق في طهران بوساطة الأدب عبر حوارات طويلة كن ينسجنها حول علاقة الحياة بالكتابة، وسجالات كن يدرنها بخصوص تمفصلات الواقع مع الخيال، ونوع الصلة القائمة بين الإبداع وأشكال الرقابة، ونقاشات كن يتبادلنها حول جدوى الأدب وحدود الكتابة التخييلية بفعل ضغوطات ومثبطات القمع العنف ،من خلال قراءتهن المستمرة للأدب الفارسي وللروايات العالمية. 
وفي صنعاء التي تحيا اليوم نفس التجربة التي مرت بها طهران عقب ثورة الخميني هل سيكون  طقس القراءة نوعا من التحرر من «سطوة السياسة والانفلات من صرامة القوانين  التي تتحكم في أبسط مناحي الحياة  والتنصل من سلطة أفكار المتشددين؟
 هذه إذن قصة لوليتا في طهران، التي لونتها آذر نفيسي بلون مختلف، لوليتا الخاصة بهم وحدهم.
فكيف ستقرأ إذن لوليتا في صنعاء؟ هل سيكون الخيال مختلفا، لواقع لا يختلف كثيرا عن واقع طهران، هل ستتيح القراءة الخروج من شرنقة المحرمات والانسلال من قمقم التابوهات؟
في صنعاء حيث تُصادَرُ فيه الأحلام بشكل يومي، ويقمَعُ فيه الخيال من دون سابق إنذار، وتمارس فيه الرقابة على نطاق واسع. عليكم أن تتعرفوا على " هومبرت" ذلك الرجل الذي أراد أن يمتلك طفلة في الثانية عشرة من عمرها وأن يسيطر على حياتها، فتسبب بموت والدتها، وأبقى الفتاة لديه عامين كاملين، جاعلا منها عشيقة سبية، ستقف متسائلا عن الصلة التي بين صنعاء ولوليتا. 
عليك أن تتخيل مشهد الاستيلاء على صنعاء في تلك الليلة، حينما يمر هومبرت لاصطحاب لوليتا من مخيمها الصيفي، بعد وفاة والدتها، ولم تكن على علم بالأمر، كان هذا هو المشهد الافتتاحي لسنوات متتابعة من الأسر، كانت فيها صنعاء تفقد حياتها وحريتها وبراءتها. ومع العشيق القاتل، يتم خلق صنعاء، أخرى، " إن ما امتلكته بجنون هو ليس لوليتا وإنما ما صنعته منها، فقد صنعت منها لوليتا أخرى أكثر إمتاعا ربما أو أكثر حقيقة من تلك ال"لوليتا" التي تبدو بلا إرادة وبلا وعي، هي فعلا لا تملك حياة حقيقية تخصها." 
الاغتصاب النفسي والجسدي لا يفرق عن اغتصاب الحياة وسلب الناس حريتهم ومقومات عيشهم، ومحاربة أفكارهم، هكذا سنقرأ لوليتا التي هاجمها الكثير من النقاد، لقد اغتصبت صنعاء، وصودرت أحلامها، واشتغل الحاكم فيها على تغيير هويتها.
 

من لوليتا نسج نابوكوف قصته الخيالية، ولكنه استطاع أن يجعل منها صورة الإنسان المغتصب الذي تنتهي حياته بالموت، لقد أقنع همبرت فتاته أنها وحيدة لا عائل لها، وأنه منقذها الوحيد. ويبتدئ هومبرت بالسيطرة على لوليتا بأن يطلق عليها اسما يحاكي رغباته وأهواءه، فقد منحها اسما لمختلف المناسبات: " لو".. لولا" وعندما تكون بين ذراعيه فلا يكون اسمها سوى لوليتا، ثم نعلم أيضا بأن اسمها الحقيقي " دولورس" وتعني باللإسبانية " ألم" .
ومن فكرة الإنقاذ استطاع الحاكم أن يضيق الخناق على الحياة، ويسلب البشر إنسانيتهم، ويُخْضع المواطن لسيف الرقابة، ويحول النساء «إلى مخلوقات مغطاة تنتمي لعصور مظلمة».
فكان على المغتصب لكي يعيد ابتداع مخلوقاته الجديدة أن يأخذ منها تاريخها الحقيقي، ليضع مكانه التاريخ الذي يريد، فما كان منه إلا يمسخ هوية  المجتمع ونسيجه الثقافي المتنوع، والذات الفردية، ليحول  إلى نسخة تجسد رغباته، وحلمه القديم. 
تقول آذر: إن ما يبعث اليأس في قصة لوليتا ليس اغتصاب فتاة في ربيعها الثاني عشر على يد عجوز قذر فحسب، وإنما هو " أن يصادر شخص حياة شخص آخر" 
ومع هذا فإن الرواية في المحصلة النهائية تبدو متفائلة، عمل فني مثل  دفاعا عن الجمال والحياة، الحياة اليومية العادية، بكل متعها الطبيعية التي حرمت منها لوليتا. مثلما حرم منها كل مواطن، رجل أو امرأة، شاب أو فتاة أو طفل، في صنعاء. 
تثأر الرواية من أصحاب العقول الرجعية، والسلالية، أو كما تقول "آذر" من أصحاب نظرية (الأنا) والذي كان آية الله الخميني واحدا منهم، أولئك الذين حاولوا تشكيل الآخرين وفقا لأحلامهم، ورغباتهم وأمراضهم