آخر تحديث :الإثنين-29 أبريل 2024-09:16م

إنهم يحصدون العوسج

الأحد - 05 يونيو 2022 - الساعة 10:34 م

إياد فؤاد المغيني
بقلم: إياد فؤاد المغيني
- ارشيف الكاتب


ملف ربيع الثورات العربية قد أغلق بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في تونس التي هي منطلق الثورات ومهدها وكذا الإعلان عن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن ومما لا شك فيه أن تجاوز الدور الذي قدمه الإسلاميون في هذا الربيع مستحيل خصوصا في هذه النهاية الأليمة لثورات الربيع العربي لكونهم أهم مداميك المعارضة تمثيلا وحضورا بعد تهاوي الأنظمة العربية القمعية. 
والحقيقة أن فشل هذه التجربة الثورية لا تتحمله الجماعات الإسلامية فحسب بل تتحمله وتدفع ثمنه أولا وقبل كل شيء الجماهير التي دعمتها و انتخبتها والشعوب الساذجة هي من  تدفع دوما فاتورة خلل رؤى وخيارات قادتها.وقد وصل الإسلاميون في مصر وتونس واليمن وليبيا إلى سدة الحكم ولكن سرعان ما جمحت بهم خيول السلطة واستعادت الدولة العميقة مجالها . 
كم هي جمة الانتقادات التي تطلق سهامها مستهدفة أية قراءة لسيرة الإسلاميين في الحكم والمعارضة ولا سيما خلال العشرية السوداء ولكنّ تقييمها يفرض نفسه اليوم أكثر من ذي قبل.
تصنف الجماعات الإسلامية على أنها فرق مختلفة وجماعات متناقضة وفصائل متناحرة متعددة الأيدولوجيات أشهرها جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات التي تسبح في مدارها ونستثني من هذه الجماعات الجماعة السلفية التي تدور في فلك الحكومات العربية غالبا.
اندلعت الثورات واستعر أوار الربيع العربي العظيم الذي لم يكن إسلاميا بل كان شعبيا عفويا انتشر انتشار النار في الهشيم  وجددت به الأمة خلاياها الميتة وصار دليلا دامغا على أن هذه الأمة تمرض لكن لا تموت . ولأن الربيع العربي كان فجائيا ولم يكن هناك متسع من الوقت لبروز قيادات شابة تستطيع أن تقود قافلة المرحلة بكل اقتدار كان بديهيا أن تتسلق الجماعات المؤدلجة المنظمة وتتموضع لتصل إلى سدة الحكم كما فعل الإسلاميون في مصر وتونس واليمن الذين يعدون نماذج في السطحية السياسية بقدرة الأنظمة الديمقراطية على إعادة إنتاج نفسها من  جديد.
بغباء سياسي منقطع النظير توهم الإسلاميون أن ما كانوا ينتظرونه من التمكين على الأرض قد حدث وغرهم أن كل الحيثيات الزمانية و المكانية تؤيد ذلك بل صدقوا تأييد بعض الحكومات الغربية لهم ومطالبتها الأنظمة العربية باحترام رغبة الشعوب في التغيير لذا راحت مرجعياتهم تروج لنظريتهم المشهورة أن السلطة هي الطريق الأسرع للتغيير . 
هذه المرجعيات لم تتخيل يوما أن الأنظمة العربية القمعية يمكن أن تسقط بهذه الكيفية ذلك لأنهم كانوا مشردين في أصقاع المعمورة بعيدين عن أوطانهم فتصوروا تصور من لا يدرك تفاصيل الوضع السياسي الداخلي الدقيق فتوهموا أن البناء الجديد على أسس ضبابية عامة مهمة سهلة .
الحقيقة أننا نظلم الإسلاميين إذا ادعينا أنهم حكموا يوما بلدانهم حينما وصلوا إلى الحكم ، الحقيقة أنهم كانوا مجرد ( فاترينا ) إن صح التعبير، فتحالفاتهم مع رموز الأنظمة القمعية ( أعداء الأمس ) من قوميين وليبراليين وشيوعيين أشعرتهم كذبا وخيلت إليهم أنهم يحكمون ، وهنا كانت الطامة الكبرى وكانت بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقها الإسلاميون على مشروعهم ،عندها فقط نهضت الأنظمة الرسمية وبعثت من بعد موتها الإكلينيكي .
ماذا حصد الإسلاميون من هذه الثورات العربية غير الإقصاء الأليم والتضحيات الجسام ! ،لم يكن إقصاؤهم صعبا فسياستهم المتسمة بالتخبط قد سهلت أمر إقصائهم عن سدة الحكم بيد أن التغيرات الجوهرية المتوقعة العربية والدولية في طبيعة التعامل مستقبلا مع الإسلاميين و تنظيماتهم هو الحصاد الأكثر إيلاما والذي لا يمكن أن ينعت بغير "إنهم يحصدون العوسج".