آخر تحديث :الثلاثاء-30 أبريل 2024-05:24م

المهرة .. نموذج حي للدولة..!

الثلاثاء - 05 أكتوبر 2021 - الساعة 04:17 م

ناصر الساكت
بقلم: ناصر الساكت
- ارشيف الكاتب


 


- جمعتني لقاءات بشخصيات اجتماعية وثقافية وسياسية وعسكرية ولفيف من الزملاء والأصدقاء ، في عزاء الوالدة - طيب الله ثراها - في أبين الشهر المنصرم .. تركز الحديث في المجمل، حول أوضاع اليمن، وبخاصة ما تعانيه محافطة أبين من أوضاع كارثية صعبة لانعدام أبسط مقومات العيش الكريم أرخت بثقلها على واقع الحياة الناس في ظل تردي مستوى الخدمات الأساسية وضعف دور السلطات المحلية أو عجزها عن القيام بواجباتها وأداء مهامها..!

- هذه مدينة زنجبار ، المفترض أنها أفضل حالاً باعتبارها العاصمة، تعاني الأمرّين، فالكهرباء عصب الحياة، لا تأت إلا لدقائق وضررها أكثر من نفعها ما ضاعف معاناة الناس ويجعل حياتهم سجناً مظلماً ويومياتهم ملفوفة بالعذابات .. للأسف كل الخدمات في أبين "منهارة" وآخذة في الانهيار والضحية المواطن المغلوب على أمره.

- كل شيء في أبين في تراجع مخيف على نحو خطير جدا؛ الشيء الوحيد الذي "يزدهر" بسرعة فائقة هي أرصدة المسؤولين البنكية وتجارة صناعة الموت والجوع والفقر والاحتراب والأزمات .. والانفجارات .. والنزاعات .. وتصفية الحسابات بين القيادات ، على وقع انفلاتاً أمنياً خطيراً وانهيارا تاما للخدمات الأخرى، وغياب الحد الأدنى لهيبة الدولة ومؤسساتها .. فيما الأوضاع في بقية المديريات "أقسى" و"أسوأ" وتمضي من السيء للأسوأ والناس هناك تموت في اليوم مليون مرة وتعيش حياة بدائية صعبة وقاسية..!


- الحقيقة أن الناس في أبين تعبت وضاق بها الحال وصبرها نفد من هذا الوضع ولم يعد أحد قادرا على تحمل المزيد من المعاناة والقهر والعذابات اليومية .. ف انعدام الخدمات والانفلات الأمني "ثنائية" قاتلة تعصف بأبناء أبين بقسوة بالتوازي مع ثالثة الاثافي "غياب" أفق المعالجات وحلحلة الأوضاع ..!!

- خلال جلسات العزاء، لم أخفِ انزعاجي من الواقع الصعب مع كل صرخة ألم أو كلما حل المساء وعم الظلام المكان في غياب الكهرباء ، ما دفع البعض ليسألني بأصوات تخنقها المعاناة:
علامَ الانزعاج والاستياء؟! أليست المحافظات المحررة تتشارك المعاناة!؟.. لماذا تحسسنا كأنك جاي من خارج اليمن!.. وكأن المهرة وضعها مختلف!

- فأجبت بأن وضع المهرة فعلا مختلف تماماً ، فالخدمات فيها متوفرة وفي تطور مستمر، فالكهرباء - مثلا - تشتغل (24) ساعة دون انقطاع..! فتفاجأ البعض ، فيما آخرون اعتبروها مزحة ..! وتحت وقع الدهشة تساءل طيف من الحاضرين: معقول أن الخدمات متوفرة في المهرة بهذه المثالية..! وإنها أفضل من عدن وحضرموت بمواردهما الاقتصادية الضخمة؟! .. وبينما أنا أقرأ في تقاسيم الوجوه صور قهر وحرمان تفوق الوصف، أكدت للجميع حقيقة أنه "حتى المناطق النائية في المهرة ينعم أهلها بالكهرباء وبخدمات متميزة .. ف" تعالت" كلمات "الثناء" والمديح للسلطة المحلية على جهودها ، وعلامات الإعجاب بالمحافظ الأستاذ محمد علي ياسر، لتفانيه وإخلاصه لمهامه كمسؤول ورجل دولة ، في زمن اللا دولة وتدهور الأوضاع في البلد عموما وتنامي ظاهرة قيادات "مسعولة" وجدت في الحرب بيئة خصبة لممارسة فسادها لتعبث بالوطن ومقدراته وتتسابق في بناء ناطحات السحاب على حساب المواطن ومصادرة حقه في العيش الكريم !

- تبقى المهرة المحافظة اليمنية "الاستثناء" في كل شيء كمثال حي للدولة .. من حيث توفر الخدمات والأمن والاستقرار والسلام وإقامة المشروعات وبسط نفوذ الدولة على كل شبر ووجود سلطة محلية فاعلة وقوية حاضرة على الأرض يحتل المواطن أولوية اهتمامها وتضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار ، وترابط مجتمعي ومكونات وقوات أمن وجيش تعمل تحت قيادة واحدة وعلم واحد.

- بعد أسبوعين من "العذاب" والمعاناة والموت البطيء ، غادرت أبين عائدا إلى المهرة، رفقة زميل ووالده ضابط الشرطة المتقاعد، في أول زيارة لهما للبوابة الشرقية لعمل خاص..

- ودّعنا لودر - كبرى مدن أبين - في منتصف الليل والمدينة تغرق في الظلام، مررنا بحوالي أربع مديريات وعشرات المدن الرئيسية دون أن نرى ضوءً لعله يبدد عتمة الظلام ووحشة الطريق ومخاطر السفر ليلاً في هكذا ظروف..!

- كما غادرنا أبين ليلاً ، دخلنا المهرة ليلاً أيضاً ، لكن هذه المرة مع ساعات المساء الأولى، ف استقبلتنا مناطق مديرية المسيلة، بأنور الكهرباء وسط "دهشة" زميلي ووالده .. وعلى أضواء الكهرباء مررنا بمدينة سيحوت ومناطقها، ومن مرتفعات"الشيبة والعجوز" شاهدنا مدينة قشن "أم المدائن" وهي تتلالئ كجوهرة وسط مساءاتها الدافئة، وبعدها قابلتنا حصوين بقراها المضاءة ، ف نشطون بمينائها السمكي والأضواء تحيط بنا من كل جانب ، ثم ضبوت، فيما أعمدة منظومة الطاقة الشمسية بمداخل المديريات تنشر الأمن والأمان ، وانتهاءً بمدينة الغيضة العاصمة التي دخلناها وهي "تتألق" في ذلك المساء كأنها قطعة ذهبية تحت أنوار الكهرباء .. الشيء الآخر الذي أثار إعجاب "الأب والابن" الحالة الأمنية الهادئة ووجود نقاط أمنية نظامية تابعة لوحدات الجيش والشرطة تشعرك بالطمأنينة وليس مليشيات مسلحة خارجة عن الدولة تنشر الخوف والقلق والفوضى وتبتز المسافرين على الطرقات كما هو حاصل في أبين ومحافظات أخرى.