آخر تحديث :الجمعة-26 أبريل 2024-08:14ص

الذكرى الذهبية الخمسين لتأسيس جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

الخميس - 02 سبتمبر 2021 - الساعة 10:51 م

علي ناجي عبيد
بقلم: علي ناجي عبيد
- ارشيف الكاتب


من أين البداية ، ليست بداية التأسيس ، بل من أين أبدأ الحديث عن ذكرى عزيزة على القلوب والنفوس .

تأتي هذه الذكرى في  زمن بظروف لم تخطر على بال أحد أبداً أبداً . تأتي ومن تبقى من مؤسسيه ومنتسبيه مع الأسف الشديد يطرقون  أبواب معسكر التحالف العربي وحكومة المناصفة وبنكها المركزي طلبا لرواتبهم الهزيلة . لم يبق معهم من ذكراه إلاّ تلك العزة والشموخ اللتان ترَبُّوا عليهما وربوا أجيالا على مبادئها .
ذلك الطَّرق الذي أخاف بعضا من حكومة المناصفة ودولة الشرعية رغم سلميته ، الذي قيل بأنه أُتِّخذ ذريعة لتنفيذ نوايا مسبقة .
تأتي تلك الذكرى وأولادهم وأحفادهم يتعرضون لعدوان مليشيا هشة لفقدانهم تلك الوسائل القتالية لمختلف صنوف وفروع القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية  التي  كان  أعداء الأمة العربية يحسبون لها ألف حساب ، ويحترمها الأشقاء والأصدقاء ، متسلحين بإرادة وطنية فولاذية وقدرات قتالية فذة مصدرها الإيمان بالله وحب الوطن ، كُسبت وتُكْسب يوماً بعد يوم من خلال الإنضباط الصارم والتقيد بالقوانين واللوائح والتخطيط العلمي للتدريب القتالي والعملياتي والسياسي والثقافي وكذلك التأهيل من البدائي إلى العالي في الداخل والخارج .ذلك التخطيط  الذي إتَّسم  بالدقة ليس لتلبية الحاجة الحينية فحسب بل التطور المستقبلي  وفق خطط خمسية متواترة مع التنفيذ الدقيق المبدع  .
أُخْتِير يوم 1 سبتبمر عيدا للقوات المسلحة بدقة متناهية تناسب عصر العلم والتقدم الإنساني . كان ذلك بمناسبة يوم تخرج أوَّل دفعة من الكلية العسكرية في 1 سبتمبر 1972م دفعة سالمين ، معلنا ذلك القرار الرئاسي قائد الكلية حينها  المناضل و المثقف الرائد أحمد سالم عبيد بحضور القائد الثوري الوطني الرئيس سالم ربيع علي وجُل أركان الدولة إن لم يكن كلهم .
لماذا القول الإختيار بدقة متناهية ؟
ورثت الدولة الفتية جيشا صغيرا مكونا من كتائب مشاه بتسليح خفيف ودون قوة بحرية أو جوية ذات أثر . بنفس الوقت دون تأهيل إذ النسبة الكبيرة من منتسبية أميون ومثله جيش البادية الحضرمي .
إلا أنهما الجيش العربي وجيش البادية الحضرمي بنيا على إنضباط عسكري صارم ، تمت المحافظة عليه وعلى منتسبيهما وبنفس الوقت الإستفادة القصوى من الخبرات سواء في الجانب الإنضباطي أو القتالي وكذلك القيادي القائم بمعظمه على الخبرات العملية بعيدا عن التأهيل العلمي إلاّ الخفيف النادر .
لقد كان إعلان هذا اليوم عيدا للجيش إعلان الإنحياز إلى العلم والعلم وحدة رغم تعدد المناسبات.
فقد أختير  النهج العلمي الذي على أساسه  سيتم بناء الجيش الحديث على أسس وطنية  القادر ليس على إستيعاب السلاح والعتاد الحديث فحسب بل وفهم  توجيهه في حماية السيادة والنظام الوطني .
هناك مآثر تاريخيّة اجترحها ذلك الجيس تقريباً لم تحدث لها سابقات ولم تحدث في تاريخ الجيوس حتى اليوم .
مع الأسف حدثت في إطار الصراع بين أجنحة النظام السياسي .
حسمها الجيش عسكريا وعاد إلى ثكناته رغم توفر الفرص والإمكانيات والقدرات على تولي السلطة ومقاليد الحكم . حصل كل ذلك في زمن الإنقلابات العسكرية في الوطن العربي وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية . ( من الممكن إطلاق الذهن لتذكُّر سريع لسيل الإنقلابات في سوريا والعراق والسودان ودول أفريقية كثيرة التي بعضها لم تزل طازجة ساخنة إلى يومنا هذا ).
مثلما أُستُفيد من الخبرات السابقة في بنائه الحديث ، فقد تم الإلتفات السريع إلى الإستفادة القصوى من خبرات الآخرين . دُشِّنت بإستقدام فريق من الجمهورية العربية السورية بُعَيْد الإستقلال  لتنظيم إدارة لجيش على قاعدة إدارة سابقة لكتائب فقط ، بُعِث ضباط للتأهيل القصير لستة أشهر فقط في فنون القيادة إلى سوريا  فإلى الصين وكوبا لمدد متفاوتة من الستة الأشهر الى السنة. بنفس الوقت تم تعزيز دور المدارس المتخصصة في المتوفرة مسبقاً في الداخل فإفتتاح الجديد منها بما فيها الكليات ، ثم التأهيل المتخصص والعالي بفترات أطول  إلى الإتحاد السوفيتي وبلدان عربية وإشتراكية أخرى وفق خطط محكمة بحيث يعود المبعوث لممارسة عمله في المكان المحدد مسبقاً.
كذلك البُعُوث الجماعية مثل قوام كامل للواء صواريخ دفاع جوي أو أرض أرض أو دفاع ساحلي إلخ .
كان الإختيار تتقدمه شروط علمية وخبرات وأقدمية  ، لكن في في أحيان ليست نادرة كانت أهداف التمثيل الوطني تتقدم ، بإعتبار إستثناء المستحقين من محافظات معينة وفق تلك الشروط التقليدية والقفز على أدوارهم ضمن الواجبات النضالية وليعتبرونها تضحية في سبيل اللحمة الوطنية حسب تعبير وزير الدفاع حينها العقيد علي عنتر .
دخلت الخدمة الوطنية العسكرية في مرحلة البناء حيز التنفيذ وتعمق الأساس الوطني أكثر وأكثر . تشكلت المليشيا والوطنية و الإحتياط والتحم الجيش بالشعب وتعمقت علاقاته كثيراً. كانت تجربة الإحتياط أكثر ملائمة ونجاحا لظروف البلاد من النواحي السكانية والجغرافية والإقتصادية ، إذ يستطيع الحشد لأكثر من ثلامائة ألف مقاتل وضابط خلال أيام معدودة من مختلف التخصصات.
تم إستقدام خبراء عرب و أجانب بالعملة الصعبة للإستفادة القصوى من خبراتهم في مسيرة البناء ، أدُّوا واجباتهم بأمانة ، تم عصر خبراتهم بكل إخلاص.
تصوروا أنه في مناورة ردفان 87 التي اتبعت أساليب تكاد تجسد صورة المعركة الحقيقية ، خرج معظم الضيوف من السلك الديبلوماسي العربي والأجنبي والوفود بتسريبات لوكالات الأنباء العالمية بأن أطقم الدبابات والمدفعية والصوريخ والطائرات والسفن الخ هم سوفيات وكوبيون .
كم أثلجت صدورنا تلك التسريبات التي اعتبرناها أوسمة على صدور كل الشعب وشهادات يعتز بها الجميع كما حصل  ذلك قبلها بمناورة 85 في العبر و..و...
تراكمت خبرات لم تزل في رؤوس وصدور الكثير من بناة ذلك الجيش على إستعداد لتقديمها مجانا . 
لا شك إنها في حساب القائمين على تأسيس التشكيلات الجديدة.
توفي خلال الأشهر القليلة أكثر من خمسمائة كادر من أولئك الخبراء وهم وأسرهم يتمنون لقمة عيش كريمة وحبة دواء .
رغم قصر الفترة إلا إنه تأسس جيش حديث قوي سطر تاريخا مجيدا ، ليست آخر أمجاده هيئة المتقاعدين العسكريين والأمنيين  بتلاحم وثيق مع المتقاعدين المدنيين وكل المسرحين قسرا والجماهير بإطلاق شرارة الحراك الجنوبي في 7يوليو 2007 دون إغفال تقدمهم كل محاولة مجيدة سبقت هذا التاريخ في مواجهة قتلة الوحدة منذ حرب 1994م بتحويلها إلى إحتلال ظالم .
بادر إخوة كرام لتدوين مهم من ذلك التاريخ وعلى رأسهم العميد الدكتور عبدالله أحمد بن أحمد بكتابه تجربة البناء العسكري لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية ولدى المؤرخ محمد عباس ناجي مشروع في هذا الإتجاه وهناك محاولات هنا وهناك لتدوين ذلك التاريخ بهدف حفظه من الضياع والإستفادة من تجاربه في الحاضر والمستقبل .
بهدف إستكمال ذلك أقترح جمعية التاريخ العسكري لتشمل مراحله منذ بدايات التأسيس في المرحلة الإستعمارية وحتى اليوم  .كون الحاضر والمستقبل بأمس حاجة لتلك التجارب الهامة مثلما هو بحاجة إلى تجارب الأشقاء والأصدقاء في مختلف المجالات .

كل عام والجميع بخير .
بقلم
العميد الركن
            علي ناجي عبيد..

عدن

31أغسطس 2021