آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:59م

مقدمة عن الأمن الغذائي في اليمن (1)

الإثنين - 09 أغسطس 2021 - الساعة 06:05 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


يدور حول مصطلح الأمن الغذائي الكثير من النقاشات والمؤتمرات والندوات وتقوم عليه الكثير من المنظمات والهيئات هنا وهناك ومسؤولين ومهتمين وفنيين، لأنه محور البقاء والاستعلاء، المضى والإرتقاء. إذن ماهو الأمن الغذائي، بإختصار هو : مدى توفر الغذاء في جميع الأوقات ذو القيمة الغذائية المتوازن و الآمن والسليم والمتوافق مع الاحتياجات الغذائية للفرد دون نقص حتى يكون بصحة وفعالية قادر على الإنتاج وبشكل مستدام لا يخشى الجوع. وبمفهوم آخر (هو توفر المنتجات بشكل مستمر وبأسعار مناسبة ومتاح للجميع) وبطريقة أخرى ( هو توافر المنتجات، ومأمونيتها، وإمكانية الحصول عليها، ثم الاستقرار  والاستدامة). وتعتبر أهم مكونات ومحاور الأمن الغذائي هي: الإكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية، ثم مدى القدرة على الوصول لتلك المنتجات، بالإضافة إلى مدى توافرها ومدى استقرارها، وللأمن الغذائي مؤشرات وقياسات غذائية وصحية، وايضاً مؤشرات نقص التغذية كجانب إنتاجي أو استهلاكي.

ومن هذا المنطلق وايماناً بأهمية دور القلم الذي يجب أن يحمل هموم المظلومين الحاليين والمستقبليين، أنين الجوعي وعوز الفقراء، وصرخات الوطن، وإن لم يقل ذلك فليس بقلم، ومن هنا أقولها بصراحة، وبكل شفافية، اليمن اليوم في أسوأ مراحلها من جانب الأمن الغذائي، بسبب الصراعات المستمرة، وغياب الأمن، ولعدم وجود توجهات عُليا حقيقية وسياسات إستراتيجية واضحة ومدروسة للنهوض بالقطاع الزراعي والحيواني على حدٍ سواء، وعدم القدرة على الحفاظ على ما كان عليه اليمن في العقد السابق، يجعل مشكلة الأمن الغذائي قائمة بل وتتفـاقم يوماً بعد يوم، لوجود توجهات وسياسات دولية بأيدي محلية في هذا الشأن ليظل اليمن راكعاً خانعاً عالةً ممزقاً ...!

يتزايد عدد سكان اليمن كثيراً والذي تقدره بعض المراجع بحدود 28 مليون نسمة، ونظراً لغياب الإحصائيات الحقيقية سواءاً المحلية او الدولية لعدد السكان أو معدل الإنتاج والميزان الغذائي للمحاصيل والمنتجات وغيرها، وكل الإحصائيات الموجودة مجرد توقعات وتكهنات من عينات غير ممثلة وفعلية، قد تقترب من الحقيقة لكنها ليست الحقيقة والفعلية. ومع تفاقم هذا التحدي من جراء المخاطر الإضافية المتمثلة في ظروف الحرب الذي طال مكوثها، وتغير المناخ، وتزايد معدل ندرة المياه، وتدهور الأراضي الزراعية، ومعظم الموارد الطبيعية.. يجعلنا نقف طويلاً في مواجهة ذلك، إننا أمام خطر حقيقي يهددنا ويهدد الأجيال من بعدنا....!

اليمنيون اصبحوا بإمتياز تحت رحمة الآخريين، إلى متى..!؟  فلو توقف الاستيراد لمدة شهر واحد لحدثت مجاعة ونفوق جماعي لليمنيين.. نحن نعاني من غياب حقيقي للأمن الغذائي تماماً إلا فيما ندر ، وما شذّ لا قاعدة له، وخاصة في ظل الظروف الراهنة والأزمات المتلاحقة والتلاعب الأقليمي والخُذلان الداخلي..!

فعلاً تحدث بعض الطفرات هنا وهناك في سبيل خلق نوع من الإكتفاء الذاتي لبعض المحاصيل بشكل مؤقت ..! سرعان ما يتلاشي وعلى رأسها محصول القمح الذي زرع في مساحات شاسعة ثم ما لبث إلا أن يتهاوى كما حدث ويحدث في بعض البلدان العربية ويعود كما أسلفنا للسياسات الدولية المُحكمةٌ في إطار الحصار والتهميش والتبعية...!

حيث تم مؤخراً في بعض المناطق الشمالية من توجه كبير إلى زراعة القمح، وهذا جميل جداً، لكن السؤال هل يعتبر مُجدى اقتصادياً وسيستمر وما نسبة أستدامته، وماهي التكاليف الفعلية، وهل الإنتاج يوازي او يقترب من الإنتاج العالمي لوحدة المساحة، ويحقق الإكتفاء، وما فعالية تخزينه أم مجرد أرقام ,وشطحات إعلامية وانشطة مؤقتة ستمضى كما مضت غيرها..!

إن عدم القدرة على ايجاد مشاريع إستراتيجية مُستدامة يجعلنا نفكر في مخارج أخرى من وجهة نظرى تتمثل بالتالي: هو بالعودة إلى العنصر الأهم والمتوفر والرئيسي في أي تنمية زراعية وحيوانية منشودة هو (المزارع والمربي) البسيط ..!

إن دعم وتشجيع اولئك سيخلق نوع من الإكتفاء الذاتي الذي سيقودنا مستقبلاً إلى الأمن الغذائي..! وبالفعل كانت هناك بعض المشاريع التنموية والصناديق الإجتماعية وأخص بالذكر تلك التي كانت في الجمهورية اليمنية في عصر ما قبل الربيع العربي، والتي كانت قد بدأت بالتوجه للمربيين والمزارعين وكان من ضمن أنشطتها توفير رؤوس حيوانية وخلايا نحلية وتعزيز بناء الخزانات المائية والسدود الصغيرة وصيانة المدرجات الجبلية الزراعية وقد قطعت شوطاً لا بأس به في بعض المناطق المُستهدفة وكانت خطوة جبارة، سرعان ما تلاشت تلك المشاريع مع الأحداث والتقلبات الجارية..!

إن الإيمان بأهمية تلك الأفكار سيجعلنا نعمل بجد نحن تعزيز وتشجيع ذلك، فالبقرة والغنمة والمعزة والتيس والكبش والثور وكذلك النحل هي مصدر غذائي للمربي (من ألبان ولحوم وسمن وقشدة وأجبان وعسل....إلخ) لا تكلف الكثير لكنها تمثل مخزون غذائي للعائلة الريفية، ومخزون مالي في نفس الوقت عند الضرورة (كبنك احتياطي).. وبذلك تكون تلك الفئة هي النواة لأي نشاط إنتاجي وتنموي حالياً ومستقبلاً...!

بالإضافة إلى الحفاظ على الرقعة الزراعية والتوسع الرأسي والأفقي في زراعة محاصيل الحبوب .. أذكر فيما مضى وأخص بالذكر نهاية الثمانينات كان الناس في الريف لا يتناولون إلا (الدخن والذرة الشامية والرفيعة من الحبوب) (واللوبيا "الدجرة" والقِطن بكسر القاف "الكشري" من البقوليات) وغيرها، وكان القمح بالنسبة للأسرة اليمنية الريفية يمثل نوع من التغيير والرفاهية لا اكثر وكان رخيص حيث كان الكيس بوزن  50 كجم حقيقي، بــ70 ريال فقط..!

ولكن عندما أحجم المزارعون البسطاء عنوة عن زراعة تلك المحاصيل لعدة معوقات كانت أهمها: الهجرة الداخلية والخارجية، وإندثار الرقعة الزراعية وصغرها، والجفاف، وعدم صيانة المدرجات، وقلة الأيدي العاملة، وغياب التعاون الإجتماعي في المناطق الريفية كما كان في السابق بسبب الهجرة وقلة الريفيين جعلهم يتجهون بشكل كبير إلى القمح المستورد كمحصول رئيسي يعتمد عليه في غذائهم، وبذلك أصبح القمح العنصر الأهم والمهيمن إلى وقتنا الحالي، وهو صاحب القرار والكلمة والفَصل...!

كما أن غياب التكامل بين المكونات الإنتاجية، من توفير المدخلات الزراعية وغياب او تدني مستوى تخزين وتسويق المحاصيل والحاصلات الزراعية، والإستفادة من التنوع البيئي التي تتميز به اليمن عن غيرها، والفهم بأننا بلد يعتمد بنسة كبيرة على الزراعة المطرية ومن هذا المنطلق يجب الإنطلاق في مشاريعنا وخططنا البحثية والإنتاجية على ذلك الأساس...!

ومع عدم وجود تكامل ايضاً بين القطاعات المختلفة ذات العلاقة من (التخطيط والزراعة والمياة والتجارة والصناعة والأستثمار والصحة، والمكونات ذات العلاقة )....!  

أما من ناحية الأغذية الحيوانية، ففي دراسة أجريت في العام 2003، تحدثت عن متوسط إستهلاك الفرد من اللحوم الحمراء والبيضاء وعن مدى مساهمة القطاع الإنتاجي للثروة الحيوانية (مزارع الألبان) في اليمن، فكان الرقم جداً مُحزن وضئيل لا يستحق أن يذكر، حيث أظهرت الدراسة أن متوسط أستهلاك الفرد 2.4 كجم من اللحوم الحمراء، و4.3 كجم من اللحوم البيضاء في السنة، رقم مخيف فعلاً لنكون من أقل الدول تصنيفاً إقليمياً وعالمياً إستهلاكاً للحوم، وهناك تفاوت كبير بين المناطق، في معدل الاستهلاك، فهناك مناطق لا تعرف اللحوم إلا في الأعياد (حتى الأعياد احياناً لا..!) وهناك مناطق تنتج اللحوم ولا تستهلكه كتهامة والذي يُصدر منها إلى مناطق آخرى من الوطن (أمانة العاصمة وصنعاء وعمران وذمار) بشكل رئيسي، هناك تباين كبير في المناطق ومدى واسع في معدل إستهلاك اللحوم في اليمن فمثلاً يختلف متوسط استهلاك الفرد في (أمانة العاصمة وعمران) عن الفرد في (الحديدة وتعز وكذلك لحج والضالع والبيضاء والجوف) مثلاً لا حصراً... ! طبعاً هناك عدة ظروف تؤثر على معدل الإستهلاك كنسبة الطبقة المخملية ومتوسط الدخل، نسبة الهجرة الخارجية، وكذلك الثقافة والسلوك الغذائي...! لتظل الأزمة الإقتصادية ترمي برمتها على كاهل المواطنين شمالاً وجنوباً مع تفاوت كبير في أسعار الصرف وإنقطاع الرواتب والتضخم، وإنخفاض القدرة الشرائية، وغلاء المواد الغذائية، والمدخلات الزراعية، كلها أدت لذلك الوضع الكارثي.. !

وختاماً هناك أية من كتاب الله في سورة يوسف: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ) تعلمنا الزراعة والتخزين والإقتصاد في آن واحد، وهي أحدى المعالجات الربانية للبشرية..! والآية الأخرى (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) "سورة الجن" والإستقامة على الطريقة لا تتوقف على المسلم بل على كل إنسان على وجه الـمُعمورة والطريقة هي في التعامل والتوزيع العادل والإلتزام بأحقية الفرد والبيئة والحفاظ عليها والإلتزام بالاوامر وأجتناب النواهي التى تضرُّ بالبشرية والبيئة بكل مكوناتها وهناك الكثير من الامثلة حول ذلك، ثم الآية الواضحة (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِير) سورة الشورى.

وخلاصة القول أعتقد أننا بهذا المقال المقتضب قد تم وضع بعض النقاط على الحروف وتعرية بعض الأسباب والكشف عن بعض المسببات لتدهور الأمن الغذائي وسبل إيجاد الحلول والذي سيتبعه سلسلة من المقالات المُفصلة عن جميع مكونات ومحاور الأمن الغذائي، حتى يصل لصناع القرار والمهتمين والباحثين عن المشكلة وكيف يمكن علاجها كلاً بطريقته...! مع التأكيد بضرورة وضع خطط إستراتيجية تنموية زراعية معقولة ومدروسة متوسطة وبعيدة المدى حتى لا تلعنا الأجيال القادمة .. فلقد اهدرنا حقها في المخزون المائي وغيرها من الموراد (غمزة غير بريئة)..! كذلك يجب تفعيل دور الصناديق الإجتماعية والمشاريع التنموية ومنظمات المجتمع المحلي والجمعيات التعاونية، والإستهلاكية..! ويجب أن نؤمن جميعاً أن الصراع المستمر سيقضى على الجميع دون أستثناء، يا تجار الحروب قفوا كفى دماً وجوعاً، ويجب أن نؤمن أيضاً أن السلاح الأخضر لا يقل فتكاً عن الأسلحة الأخرى حتى (النووية والهيدروجينة والمغناطيسية) وغيرها، فبقاء الإنسان من عدمه يعتمد على غذائه أولاً واخيراً...!