آخر تحديث :السبت-05 أكتوبر 2024-06:14م

وداعا فقيد الوطن الثائر اللواء علي محضار بن حلموس

الإثنين - 03 أغسطس 2020 - الساعة 07:35 م
زين الرشيدي

بقلم: زين الرشيدي
- ارشيف الكاتب


ودع الحياة وانتقل الى جوار ربه في مساء يوم السبت تاريخ 18/ 7/ 2020 م البطل الثائر قائد جبهة يافع إبان مرحلة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني مستشار وزير الداخلية اللواء علي محضار بن حلموس ووري جثمانه الثرى في مسقط رأسه مديرية يافع رصد .

وفي مثل تلك المناسبة الأليمة فإن الشخص قد يحتار ويجد نفسه عاجزا في العثور على الكلمات التي تعبر عن مكنونات القلب للكتابة عن صنف نادر من الرجال بحجم الفقيد الكبير الذي تميز خلال مسيرة حياته بالسمعة الطيبة ودماثة الاخلاق والتواضع ورجاحة العقل والإرادة الصادقة والعطاء إلا محدود بصمت دون منه او ضجيج او مديح للنفس او حب الاضواء والبهرجة ..عاش شريف عفيف معتز بتاريخه وبنفسه شامخ الراس لم يحني هامته لاحد طوال حياته .

ولانني ليس من الجيل الذي عاصر الفقيد في تلك المراحل المبكرة والمهمة من تاريخ الثورة إلا أنني من الجيل اللأحق الذي شهد ولمس وواكب المتغيرات الهائلة التي تحققت عقب استقلال الجنوب في عام 67 من تعليم وصحة وطرقات ووضع اللبنات الاولى لمؤسسات الدولة وإنهاء الفتن والثأرات وإرساء الأمن وغيرها من الثمرات في مختلف مناحي الحياة .. إلا ان هذه الايجابيات قد رافقها العديد من السلبيات والاخطأ التي كان للفقيد مواقف مبكرة منها وقد حسبت عليه تلك المواقف وادرجته في دائرة الرموز المضادة للثورة .

لقد تميز الفقيد رحمة الله عليه بالاخلاص المتناهي والعقلانية وضبط النفس وعدم التطرف او الانجرار الى الولاءات المدمرة او الانزلاق الى اي افعال او تصرفات ضاره مثل التي وقع فيها الكثير من رفاقه المناضلين .

فمنذ فجر الاستقلال كان الفقيد صاحب حضور وتأثير ومكانة وكانت له فلسفته الخاصة ورؤيته العقلانية في عملية التحولات التي يراد لها ان تنفذ في اطار الدولة الفتيه وبالشكل الذي يعزز ثقة المواطن والاقليم بتلك التحولات مالم فان الكثير منها ستواجه التعثر والفشل نظرا لما يحيط بالبلد من تحديات وصعوبات ومنقصات تتطلب اولا تعزيز ونشر روح التسامح والحوار والابتعاد عن التطرف والضغائن والاحقاد او الرغبة في الانتقام وفرض سلطة الطاعة العمياء بالقوة فذلك سيولد تشوهات في اداء الناس وتزيين الأخطاء والنكسات كإنتصارات والاعتداء على الافراد كضرورات ولا يتم الوصول الى دولة العدل والقانون التي ناضل وضحى الناس من اجل بلوغها ويكون الضحية في الاخير هو الشعب ... فليس بتلك الافعال والتصرفات يكون النجاح بل ان مثل ذلك يفخخ المستقبل وهو ما قد يعصف بالوطن ويدفعه الى نزاعات مريرة .. فاولى خطوات ضياع الاوطان هي النزاعات الداخلية والعصبيات والتجاذبات وانعدام الثقة والحساسيات المفرطة وحب الانتقام وهذا ما قد يؤدي في الاخير الى الانهيار والانتكاسة ويكون حكم التاريخ على تلك القيادات قاسي جدا كما كان يرى .

إلا ان مثل تلك الاصوات كانت غير مسموعة وتغلب عليها اصوات الشباب المشحون بالحماس الثوري والاندفاع القومي الذي لم يعتمد الحوار سبيلا لحل الخلافات والتباينات...ففهم الفقيد الدرس وشعر منذ  وقت مبكر بما لديه من حاسة ووعي وفطنه بان الجنوب سائر الى نفق مظلم والنتائج ستكون وخيمة عاجلا او آجلا وان تلك الصراعات التي تتفشى وتستعر بين الاخوة ستأسس لتاريخ طويل من الفتن والاضطرابات وستفضي بالاخير الى نظام مشوه او دولة متسلطة وحكم مطلق يقصي فيه رجالات الثورة في دورات عنيفة تحت حجج وذرايع وتهم باطله وهذا ما يهدد مستقبل الوطن ويسوقه باتجاه الهاوية على عكس ما كان يحلم به المناضلين .

ولان الفقيد ذات معدن نادر فقد تصعب عليه ان يتقبل ان يكون شريكا في الاخطاء الكارثية او ان يتفهم دواعي القرارات الخاطئة والتصرفات الضارة التي سيطرة على تلك الحقبة ، كما رفض الانسجام مع منطق اللعبة السائدة في المشهد السياسي آنذاك بما فيه من صراعات ففضل المغادرة وهو خفيف الحمولة وقلبه يقطر دما واختار الارتحال عن وطنه الذي ناضل من اجل تحريره والتنقل في أرجاء اقطار عديدة بحثا عن أمان وقد اثبت الواقع صوابية أطروحاته رحمة الله عليه .

ومع ان الفقيد قد غادر الجنوب إلا ان هاجس الوطن والقلق عليه حتى بعد انحداره الى الهاوية ظل في قلبه لم يفارقه واراد تقديم روحه فداء لإنقاذه فكانت له مواقف مشرفه كعادته حيث وقف عام 94 مع شعب الجنوب وقاتل في عدن في صف قوى فك الارتباط حتى تم اجتياح عدن من جحافل الاحتلال ..وله موقف رافض  من قضية الوحدة بالقوة وكان مع مطلب استعادة الدولة الجنوبية حتى لحظة  وفاته .

لقد غادر الفقيد الحياة وهو يوجه رسائل عتاب لاطراف متعددة تعمدة تجاهله عمدا طوال سنوات طويلة متناسين دوره كواحد من قيادات العيار الثقيل الذين صنعوا مجد هذا الشعب ومجد أمه كاملة عقب نكسة حزيران 67 وحتى في آخر سنوات عمره عندما داهمته الإمراض وأنهكته الآلام لم يتم الالتفات اليه من الدولة او يتم منحه شي من الاهتمام والرعاية التي كان يستحقها فذلك نكران وجحود ما كان يليق ان يتعرض مناضل بحجم الفقيد الكبير علي محضار .

لقد كان يتمثل أمامي ذلك العملاق ورأيت فيه شخصية تستعصي عن كل مقارنة رأيت فيها طورا شديدة الاعتزاز بالنفس مرفوعة الرأس متشبثه بالمبادئ والقيم والاخلاق التي تربت ونشأت وسارت عليها الى حد الصرامة لا تنحني ولا يثنيها عن قول الحق شئ ولا يتسامح فيه حتى مع نفسه والاقربون منه .

ويتراءى لي حينا آخر شخصية عجيبة في تواضعها ولينها ورحابة صدرها وتسامحها وقدرتها على الانسجام مع ابسط الناس وهذا ما حقق له حب واحترام الجميع

تغمد الله الفقيد بواسع رحمته وغفرانه واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولائك رفيقا .