آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:59م

صورة وحسرة، الزحف العمراني

السبت - 04 أبريل 2020 - الساعة 09:02 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


صورة هزت كياني، وجعلتني ابكي حُزناً على بلادي، صورة لمدينة إب اللواء الأخضر ذُخر اليمن الأكبر، كانت في أواخر الثمانينات ومقارنتها بالعام 2020 فرأيت كم المساحة الزراعية التي ألتهمها التوسع العمراني.. مأساة حقيقية لا تقبل الصمت ولا التقليل من الجميع.

إن ظاهرة الزحف العمراني على الأراضي عالية القيمة والخصوبة، ستظل هاجساً لدى الخائفين على هذا الوطن من المختصين في الشؤون الزراعية وباحثي التنمية الزراعية والساعين للاكتفاء الذاتي.

إن التوسع العمراني الذي أصبح يؤثر سلباً على الألاف من الهكتارات ولا تقتصر المشكلة على مدينة إب إنما هي نموذج حي، هناك مئات المدن في اليمن وفي معظم الدول العربية تعاني من ذلك.. هناك مساحات زراعية واسعة اختفت في قاع الحقل وقاع البون ووادي حضرموت وسواحل تهامة حتى جنبات الوديان الرئيسية في اليمن سردود و رماع ورسيان وموزع وسهام وتبن وابين.. والعشرات غيرها.

إن الاعتداءات الكثيرة على الأراضي الزراعية عالية الخصوبة مستمر، والتي تقع خارج المخططات الهيكلية المعتمدة في بعض المدن وغياب المخططات في المدن الثانوية، وغياب الرقابة على المخططات الموجودة، إن غياب تلك المخططات من قبل الجهات المختصة أثر بشكل سلبي في الحفاظ على الاراضي الزراعية؟

وقد تباينت الدراسات الشحيحة حول نسبة الزحف العمراني على الأراضي الزراعية والتي قدرت بمتوسط سنوي 3.7%، أي أن خلال ثلاثة عقود قادمة ستختفى الرقعة الزراعية برمتها، إن المعاصر للعقود الثلاثة الماضية سيجد حجم التحول الكبير وحجم الانحسار العظيم للأراضي الزراعية، هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ذلك أهمها زيادة الكثافة السكانية غياب التخطيط الحضري لمعظم المدن اليمنية والتحول من البناء في المناطق الجبلية الغير قابلة للزراعة إلى البناء في السهول لقربها من الخدمات العامة، عدم وجود مشاريع سكنية تحتضن على الأقل موظفي الدولة في مناطق محددة، ومن ضمن الأسباب الهجرة المستمرة من الريف للمدن، انخفاض نسبة العاملين في القطاع الزراعي والتحول إلى مهن أخرى، مع غياب الدور التوعوي والتثقيفي وغياب الضبط الرقابي والأمني. سيظل مسلسل الحزن للزحف العمراني ممتداً.

إن مخاطر الزحف العمراني لا يقتصر فقط على انخفاض الرقعة الزراعية والإنتاج الزراعي والذي يهدد حالياً ومستقبلاً الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي وفقدان العديد من المحاصيل الزراعية والاعتماد على الاستيراد لسدّ الفجوة الغذائية، وانخفاض حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي وانخفاض معدل انتاج المحاصيل النقدية، وغيرها من المحاصيل، مما يؤثر سلباً على الثروة الحيوانية والدواجن وبالذات السلالات المحلية المربأة بشكل تقليدي وعلى تربية النحل وعلى جميع الأنشطة الزراعية والصناعات التحويلية وعلى العاملين في القطاع الزراعي.

أن المخاطر كبيرة ومن هنا وبكل حب وتقدير وأمل ارجوا من قيادات الدولة وكل المختصين النظر لهذا الموضوع بشكل عملي للحد من هذا الكابوس في منع منح تراخيص البناء في الأراضي الزراعية، وتجريم بيع الأراضي الزراعية بحجة البناء، وعمل وحدات سكنية متعددة الأدوار تستوعب قطاع موظفي الدولة، وعلى القطاع الخاص الحذو في ذلك الاتجاه في عمل وحدات سكنية للعاملين ، وضرورة التخطيط الكامل لجميع الأراضي المتبقية في كافة المدن الرئيسية والفرعية والثانوية حتى القرى وعمل مسح ميداني يحدد الأماكن الصالحة للبناء الغير صالحة للزراعة والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة الغير صالحة للبناء، والحد من الهجرة الداخلية، ونشر الوعي في ربوع اليمن. عندها فقط أستطيع القول أن الأجيال القادمة ستترحم علينا وإلا تأكدوا أن لعناتهم ستلاحقنا عندما لا يجدون مدخرهم من الماء والأرض والثروات الجوفية.