لقد أصبح إجماع الشماليين بمختلف تكويناتهم على عدم التفريط بالجنوب واصرارهم على بقاء الوحدة بالقوة ( الوحدة أو الموت ) أمرا محيرا ومدهشا في نفس الوقت. .وذلك لقدرتهم على تجاوز كل خلافاتهم وصراعاتهم الدموية عندما يتعلق الأمر بمصير الجنوب. فهم مجمعين على ضرب أي إجماع بين الجنوبيين قد يؤدي إلى استعادة دولتهم أو نيل كامل حقوقهم.
ولكن. وأقولها بكل مرارة أن دهشتنا وحيرتنا واستقربنا وانزعاجنا هو ما يقابل ذلك من شبه إجماع على عدم الإجتماع لدى نخب الطرف الآخر المستهدف والذي كان يفترض أن يكون بنخبه وشعبه أكثر تلاحم وإجماع لعله يستطيع حماية نفسه وارضه وحقوقه من تعاوي الكلاب المسعورة وتعاون الذئاب الضارية عليه.
فما هذا يا من تسمون بالنخب خاصة ويا شعب الجنوب عامة ؟ أفي مثل هذا الليل البهيم نظل نسهر على التخاصم والتنافر وننام على التنازع والتباغض.
فإذا نظرنا إلى حولنا نرى عجبا: جهود مبعثرة ومواقف متنافرة وصفوف متناثرة وقلوب متناكرة ونفسيات متكارهة!
أين الصف المرصوص وأين قلب الرجل الواحد وتداعي الجسد الواحد وخفض الجناح ولين الجانب. .أين التآخي والتراحم وحسن الظن. .أين التصالح والتسامح ووو. ..إلخ.
أين تلك القيم التي جعلت الجنوبيين في مرحلة سابقة قريبة أقوياء مرهوبي الجانب فاحرزوا الانتصارات المذهلة التي جعلت عدوهم وصديقهم يهابهم.
إننا في هذه الظروف العصيبة لا نريد ان ننصدم بأن بنياننا كان قائم على أساس من الشعارات الزائفة والاحقاد المقيته حتى أصبحت مبانينا يهد بعضها بعضا فالأوضاع خطيرة والأزمات مستحكمة والمؤامرات كبيرة والعدو من كل صنف أصبحوا كصف واحد برأي واحد وموقف واحد تجاه الجنوب.
فأين نحن من كل ذلك؟ وأين أنتم يا نخبنا من الحوار والتقارب مع بعضكم؟ حوار الأخ مع أخيه لحل الخلافات وتقديم التنازلات لرص الصفوف والاستعداد لما هو آت. اصحوا وتداركوا ما فرط من أمرنا قبل ان ينفرط ما تبقى من لحمتنا ويسقط ما تبقى من شعاراتنا واهدافنا وأحلامنا وهيبتنا.
أنه عار علينا وفساد كبير وخلل غير طبيعي أن يتحد أعدائنا ونحن نتفرق. .ان يتعاونوا على الإثم والعدوان ولا نتعاون نحن على البر والتقوى. .. إن يكونوا على قلب رجل واحد منهم رغم تسببه بعشرات الآلاف من القتلى ودمار ليس له مثيل ووصفوه باقبح الأوصاف ، ولا نكون نحن على قلب رجل واحد من بيننا حتى وإن كان لديه بعض النواقص وتأجيل التدقيق بالصفات الشخصية والمفاضلات بين س أو ص حتى تأتي ظروف أفضل. .فهم قد أدركوا أن مصلحة بلدهم وشعبهم تقتضي ذلك وهذه هي رجولة وشجاعة منهم جديرة بالاحترام. .بينما نحن لا زلنا على فسالتنا وراء الخصومات السخيفة وعلى حساب مصالح بلدنا وشعبنا.
إن الظرف حساس وليس هناك متسع من الوقت للتردد. .اكبروا مدوا اياديكم لبعضكم ، تحاوروا ، تنازلوا لبعضكم قبل ان نرى الكثير منكم قريبا يتسابقون فرادا وجماعات لحوارات هزلية عدميه مع الخصوم الأقوياء وخير ما يحصلون عليه مصالح دونيه مع شهادات من العدو تصفهم بجنوبيين وحدويين، شرفاء ، وممثلين أحرار للمحافظات الجنوبية والشرقية كما دابوا على ذلك منذ كارثة الوحدة عام 90 وانتم تدركون ما معنى تلك الأوصاف عند شعبكم.
فأي شعور سيكون لديكم حينها وأنتم تشاهدون خصوم شعبكم وهم يرقصون طربا لنجاحهم ولفشلكم وخيباتكم أنتم الأخوة الأعداء. .أنكم ستندمون وستبكون دما في وقت لا ينفع الندم أو البكاء.
والله من وراء القصد
زين الرشيدي