آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-05:58م

الاقتصاد المعرفي الواقع والطموح

الثلاثاء - 11 فبراير 2020 - الساعة 04:25 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


ستظل البحوث هي الركيزة الأساسية التي تستند عليها نهضة الشعوب بلا مُنازع، مهما اختلفت مجالات البحث كالبحوث الأمنية والاجتماعية والتطبيقية والعلمية والزراعية والحيوانية والهندسية إلى ما هنالك، والتي لا يتسع المقالُ لذكرها، لكن في الآونة الأخيرة برز مصطلح يطلق عليه اقتصاديات المعرفة، أو الاقتصاد المعرفي، هو ليس بجديد كما يظن البعض، فعلى النقيض من ذلك، فكل البحوث تستند على مدي أهميتها للبشرية وكلما كانت ذات احتياج أكبر كانت قيمتها المعرفية أكبر وعلى هذا المنوال تُصنف البحوث!

بدأ القرن الواحد والعشرون بخطى بحثية مُتسارعة مما نتج عنه تغييرات واسعة، فطرحت العديد من  النظريات والفرص والتحديات فازدادت معها أهمية المعرفة كأحد عناصر التكنولوجيا والمعلومات، حتى أصبحت من صفات هذا العصر وهو الاقتصاد المبني على المعرفة، وكما نرى اليوم أن دولًا لا تمتلك قوة عسكرية ولا ترسانة أسلحة ولا مساحة كبيرة ولا عدد سكان كبير، إلا أنها غدت على رأس قائمة المعرفة ومهيمنة عليها، وأصبحت تنافس كُبريات الدول من خلال حقيقة واحدة وهي أن الإنسان هو المورد الاقتصادي الأقوى، إن شُجِّع وعُلِّم ودُرِّب ووُفِّرت له الإمكانيات، فهو أعلم بما يُريد، وكيف يصل إلى ما يُريد!

لقد تغيرت الأسس القديمة في تصنيف الموارد التي كانت سابقاً في العصر القديم (الأرض ورأس المال والعمالة)، أما عصرنا اليوم في ظل الاقتصاد الجديد أصبحت الموارد هي المعرفة العلمية، والذكاء الاصطناعي والمحاكاة، والمعلومات والإبداع، ليصبح الفكر هو رأس المال الحقيقي، ماذا لو علمنا أن اقتصاد المعرفة أصبح يشكل 7% من الناتج المحلي العالمي، وينمو بمعدلات كبيرة تقدر بـ 10% سنوياً، إن اقتصاد المعرفة سيغدو المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي عما قريب، ومع هذا التغيير المعرفي الكبير ستتغير فرص التوظيف وستختفى وظائف، كالمحامي والمحاسب والإعلامي والمراسل الصحفي ومتوقعي الطقس ومهندسي الكهرباء والشبكات حتى كابتن الطائرة سيصير عما قريب بشكل كامل طيار آلي من الإقلاع حتى الهبوط، غدًا سيكون هناك روبوت جراح يجري العملية الجراحية بكل سلاسة...! وربما عامل واحد مع التقنية المعرفية سيدير مزارع تفوق مساحتها آلاف الهكتارات، ومتخصص واحد في الثروة الحيوانية سيدير عشرات المزارع الحيوانية بمساعدة التقنية المعرفية وقسّ على ذلك...! حتى الباحث في الغدِّ سيكون هناك بحوث آلية، تعلم على تجميع وترتيب الأفكار عبر خوارزميات دقيقة ومن ثم إصدار الأبحاث والكتب، وقد صدر أول كتاب من باحث آلي في أوائل العام 2019 لمؤلفه الآلي Beta Writer.

وفي ظل هذا التقدم الـمُخيف ومع تزايد أعداد الهيئات والمراكز البحثية في العالم التي فاق عددها عشرة آلاف منظمة بحثية مصنفة حتى أواخر العام 2019 بحسب تصنيف مؤشر نيتشر Nature Index ، إلا أن المنطقة العربية لم يتجاوز عدد المراكز البحثية عن 350 مركزًا، كما أن عدد الجامعات لم يتجاوز أيضًا 250 جامعة،  وعمومًا تصنف المراكز والمنظمات البحثية بمقياسين: الأول عدد البحوث العلمية الـمُنتجة (Article Count)، والثاني مدى إسهام تلك البحوث في الاهتمام العالمي أصالتها وإضافتها ومنفعتها وماذا قدمت للبشرية وكم نسبة الاقتباسات منها ضمن تخصص معين كمقياس كسري (Fractional Count)، وللأسف معظم البحوث في الوطن العربي على نوعين: بحوث جيدة