آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-06:03م

حَمِيرُ سَالِمٌ

الأربعاء - 10 أبريل 2019 - الساعة 02:22 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


قِصَّةٌ وَاقِعِيَّةٌ مِنَ الْقَرْنِ الْعَشْرَيْنِ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا وَحُروفِهَا وَكَلِمَاتِهَا الْقَلِيلَةِ حُكْمٌ وَمَعَانٍ سَامِّيَّةُ لِعُقُولِ وَاعِيَةِ

يَقُولُ سَالِمٌ عَلَى لِسَانِهِ: وهو أحد تجار الزمن الجميل البسيط عندما كنت شاباً امتلكت عشرة حمير لطلب الرزق وكنت أحملها بضائع مختلفة من السوق إلى القرى البعيدة عنه، وكنت أخصص لكل حمار بضاعة معينة من الخضروات والمواد الغذائية والبهارات والأواني المنزلية والاقمشة...!

وكنت اتجول بين القرى لبيعها وعندما أتأخر عن الوصول لقريتي أبات في القرية التي يسدُّل الليل عليا استارة...!
وفي يوم من الأيام وكان موسم أمطار وزراعة والخير وفير والسيول تسير، فذهبت للحاج فارع للمبيت عنده كان رجلاً مضيافاً ويهتم بالغرباء الذين يأتون لقريته، ولكل عابري السبيل، فدعاني للمبيت لديه فلبيت الدعوة، لكن كيف افعل بالحمير، والمزروعات تحيط بنا ولا أريدها أن تتسلل وتأكل تلك النباتات والثمار...!

فقررت ربط الحمير، فربطت الحمار المُحمّل بالأواني المنزلية بمفردة إلى جذع الشجرة، أما بقية الحمير فربطها مع بعض بحبل يرتبط برجل الأولى إلى الثانية دواليك حتى التاسعة، وكان الحاج فارع ينظر لي باستغراب ...!

فصاح الحاج فارع: يا سالم لماذا تعمل هكذا...!؟

فقلت له حتى لا يذهبوا لإفساد الزرع...!

فقال بهذه الحالة سيذهبون معاً وسيكون إفسادهم أكبر وسيأكلون من مزرعتي ومزارع أهل قريتي...! فضررهم سيكون أكبر...!
فضحكت وقلت له: أنا اعرف حميري، أكثر منك...!

قَالَ فَارِعٌ: كَيْفَ ذَلِكَ...!؟

قلت له الحمير دائماً غير متفقين ولا يمكن أن يذهبوا معاً ويمشون في طريق واحد فكل حمار له طريقة، منهم للغرب، ومنهم للشرق، ومنهم للشمال، ومنهم للجنوب، ومنهم من يظل واقفاً لا يتحرك ولا يريد الذهاب مع أحد وعادتاً هذا اقلهم نهيقاً...!
ومن غير الممكن أن يذهبوا سوياً كالخراف...!!!

يعني يا حاج فارع: أطمئن لن يتحركوا وسيظلون في نفس المكان حتى الصباح، وستبقى المزروعات في أمان....!
وأضمن لك ذلك...! وإذا اتفقوا وذهبوا للمزرعة وأكلوا شيئاً منها فكل حمولتهم لك...! هذا وعدٌّ مني..!
تقهقه الحاج فارع ضاحكاً، وتناولنا العشاء سوياً فذهب إلى مخدعه للنوم...! وذهبت لزاويتي للموت...!!! من كثرة التعب والإرهاق نمت نوماً عميقاً وكأنني ميت.. ولم اصحوا إلا على آذان الفجر، بينما الحاج فارع ظل متأملاً لحميري ويراقبها من نافذته الصغيرة وسوسة تارة، وتارة هوجسة ويختمها بضحكة صامتة...! كما أخبرني الحاج فارع صباحاً...!

ومع انتهاء الآذان نهضت من فراشي المتواضع وذهبت لأتوضأ لأجد الحاج فارع، خارجاً من بيته، وهو يبتسم، فعلاً أنت أعلم بحميرك مني ظللت الليل ساهراً...! فكان ما قلت لي إلا أنهم...! اختلطوا مع بعضهم البعض فالحمار التي كانت في اقصى الشمال أصبحت في أقصى اليمين، فمن كان بالوسط الكل داس عليهم وتلخبطت امورهم أكثر...!

فَقَالَ سَالِمٌ: أَرَأَيْتَ ذلك، قلت لك حميري لا يتفقون وهكذا هم الحمير على مرّ العصور رغم صبرهم وتحملهم وجلدّهم وتعبهم وجوعهم وسهولة قيادتهم إلا أنهم لا يتفقون ابداً...! ومن السهل على الثعالب رغم صغرهم وحقارتهم ومكرهم أن يفرقوا بين الحمير، حتى ينهكها التعب ويستفحل فيها الألم بعد المرض كي يتناولنها لقُمة سائغة...!

الشَّاهِدُ مِنَ الْقِصَّةِ وَخُلَّاصَةُ الْقَوْلِ: إن حال امتنا العربية وكثير من دول العالم الثالث والرابع كحال حمير سالم، في العراق ومصر وسوريا واليمن والسودان والصومال وليبيا والجزائر وتونس والمغرب حتى فلسطين وبقية الدول لم تصل لها الثعالب بعد أو انها متصالحة معهم، للأسف ما يحدث الآن إلا أننا نتقاتل فيما بيننا ونتصارع وكلاً يظهر قوته على أخيه دون العدو الحقيقي... رغم أننا نعيش بوسط من الثروات التي لا حصر لها، من النفظ والغاز والثروات المعدنية والثروة الحيوانية والثروة السمكية والزراعة وكنوز من الآثار للسياحة وكل مقومات الصناعة...إلخ).

إلا اننا مرتهنين للعدو ومكبلين بالحزبية والطائفية والمذهبية والمناطقية والجهوية والقبيلة والمصالح الضيقة، وكلاً يرى نفسه على أنه الصواب وغيره في خطأٍ وموصد عنه الأبواب.. وهكذا زاد تفرقنا وانحطاطنا وتشرذمنا أصبحنا خطراً على العالم...!

وصار من السهل على العدو امتصاص ثرواتنا وبيع أسلحته لنا وتشويه تاريخنا وحاضرنا ونعتنا بالإرهاب، لكي يظل يشعل النيران فيما بيننا...! وأصبحت تصنيف دولنا بالحضيض لكل مقومات الحياة والحضارة، لا في الشفافية ولا في الأمن ولا في الاستقرار ولا في الإنتاج ولا في الابتكار حتى القراءة تصنيفنا في أسفل الحضيض...! مع أن أول كلمة كانت في القرآن الكريم (اقْرَأْ)..!
السؤال إلى متي سنظل هكذا...! كحمير سالم ...!؟

لِمَاذَا كُلَّ فَرْدٍ وَجَمَاعَةٍ وَدَوْلَةٍ تَسِيرُ فِي عَكْسِ اِتِّجَاهِ الْآخِرِ، مَتَى سَتَتَوَحَّدُ قِبَلَتُنَا كَمَا تَتَوَحَّدُ فِي عِبَادَتِنَا، وَمَتَى سَنَقِفُ صَفًّا وَاحِدًا كَمَا نَقِفُ فِي صِلَاتِنَا، وَمَتَى سَنَحُجُّ مَعَا إِلَى دُرُوبِ التَّكَامُلِ وَالتَّنْمِيَةِ وَالْبِنَاءِ لِبِنَاءِ اِقْتِصَادِ قُوِّيِّ وَنَتَغَلَّبُ عَلَى مَشَاكِلِنَا الدَّاخِلِيَّةَ كَمَا نَتَوَجَّهُ لِلْحَجِّ افواداً وافواجاً بِذُنُوبِنَا لِخَالَقْنَا طَالِبَيْنِ رِضَاَهُ وَعَفْوَهُ عَنَا، مَتَى سَنَصُومُ عَنِ الْقَدْحِ وَذَمِّ الآخرين كَمَا نَصُومُ عَنِ الشَّهْوَاتِ وَالْمَأْكُولَاتِ فِي رَمَضَانِ، مَتَى مَتَى...!؟

نَحْنُ بِحَاجَةٍ لِلتَّاجِرِ الذَّكِيِّ سَالِمٌ...! يُنْقِصُنَا الْإِدَارَةُ وَالْإِرَادَةُ فَقَطْ، قَبْلَ أَنْ يَسْتَفْحِلُ خَطَرٌ وَخَسَاسَةُ الثَّعَالِبِ... نُرِيدُ سَالِمَ..

أَيْنَ أَنْتَ يَا سَالِمُ!!!؟