آخر تحديث :الجمعة-03 مايو 2024-11:19م

فـي أي لحظة...!؟

السبت - 30 مارس 2019 - الساعة 08:10 م

فيصل الشميري
بقلم: فيصل الشميري
- ارشيف الكاتب


مع التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت للغالبية الشبابية وما دونهم الحيــــــــاة، والشغل الشاغل فهل يمكن الاستغناء عنها تحت أي حالة وظرف، بعد أن أصبحت جزءاً من حياتنا وعلاقاتنا وبحثنا ونظرتنا لمن حولنا، بنيت عليها وظائف، وأصبحت منابر للدعوة أياً كان نوعها (دينية ثقافية سياسية تعليمية فكرية اقتصادية أدبية...إلخ)، وبعد أن أصبحت من اساسيات التسويق والـتأثير، وملهمة في صنع القرارات والأحكام، وفي الاستقرار وفي الابتكار، وبسببها تفرقت دول بعد ان تفرق الأفراد والجماعات، فهل هي فعلاً وسائل للتواصل، وماذا لو توقفت في أي لحظة ما البديل ومن المستفيد...!

 

في العام 1926م الموافق 1345هـ دخلت السعودية عالم الاتصالات بإنشاء مديرية البرق والبريد والهاتف وكانت الانطلاقة الأولى للتواصل، وفي اليمن بدأ مدّ خطوط الهاتف في صنعاء وتعز والحديدة في العام في 1956م في حين كانت مصر والسودان قد دخلت هذا العالم في العام 1854م وفي العراق 1910م.

توالت الإنجازات في مجال الاتصالات وتعددت الطرق والاستحداثات في تطور متسارع، حتى ظهرت للسطح شبكة الإنترنت مع تطوّر صناعة الحواسيب الرقميّة في خمسينيات القرن الماضي، وكانت النقلة النوعية التي قامت عليها الكثير من التطورات اللاحقة، وانتشرت الشبكة بشكل مُذهل كأسرع وسيلة للاتصال نموّاً في تأريخ الإنسانية، مقارنة بالوسائل السابقة كالراديو الذي أستغرق إلى 38 عاماً حتى وصل عدد مستخدميه إلى 50 مليون لاستقبال بثه، في حين احتاج التلفزيون لــ 13 عاماً لنفس العدد، لكن شبكة الإنترنت فلم تحتاج سوى خمسة أعوام فقط للوصول لنفس العدد، وفي عشرة أعوام فقط وصل عدد المستخدمين حول العالم إلى 500 مليون بنسبة 8.3% من عدد سكان العالم، أما اليوم فقد تجاوز المستخدمون الأربعة مليار بنسبة تجاوزت 50%.

ويجدر الإشارة إلى أن شبكة الأنترنت قد دخلت تونس كأول دولة عربية وأفريقية في العام 1991م ثم توالت الدول العربية بعدها،
وفي إحصائية للعام 2017 للغات المستخدمة في شبكة الأنترنت كانت كالتالي: تربعت اللغة الإنجليزية على عرش الصدارة فالصينية بحكم عدد السكان، ثم الإسبانية لتحتل اللغة العربية المركز الرابع، ثم البرتغالية والإندونيسية والفرنسية واليابانية والروسية على التوالي، وأصبح التعايش بين الإنسان والشبكة شيءٌ شائع ولابد منه ينمو بشكل مضطرد مع مرور الوقت...!

فظهر عالم جديد وجيل جديد يقول لابد من التعايش بين الهاتف المحمول والإنسان في جميع الأحيان وشمل جميع الفئات العمرية، عالم جديد من التواصل الذي تميز بسهولة الاستخدام وكثافة الانتشار مع ظهور التلفونات الحديثة المحمولة والبرامج والتطبيقات الملحقة، رغم عددها الكبير والمتزايد إلا أن الفيس بوك كان له الصدارة في الانتشار ففي الرابع من يناير 2004 أطلق الموقع، وفي 26سبتمبر 2006 أتيح للجميع، ثم ظهر الطائر الأزرق المسمى بتوتير شديد الاختصار في 21مارس2006، وفي العام 2009 ظهر المارد الأخضر الواتس آب، وتبعة صاحب الصور والحالات الإنستجرام في اكتوبر2010 اما في نوفمبر 2013 أطل علينا برنامج سناب شات  صاحب العثرات، وهكذا توالت مئات التطبيقات وتعددت أهدفها كشبكات اجتماعية او مدونات شخصية أو عامة او أرشفة متاحة...!

وسائل التواصل الاجتماعي رغم جمالها وفوائدها والتي اذكرها على المستوى الشخصي فقد جمعتني بزملاء افترقت عنهم منذ عقدين من الزمن، جعلتني أعبر عن نفسي بسرعة أكبر، جعلتني اتواصل مع اسرتي رغم البعد صوت وصورة، جعلتني انظر للعالم واتابع الأحداث لحظة بلحظة، جعلتني اعرف وجهات النظر المختلفة والمتخلفة...!

استمع للكل بعيداً عن التعقيدات والمحظورات الفكرية والدينية والتكهنات الحجرية واحلل وأَبْنِيَ رأيي بصدق بناءً على مفهومي ومعتقدي ومدخري الفكري والثقافي والعاطفي احياناً...!

أستمع للجميع رغم اختلاط الآراء وتعدد الأهواء وصعوبة الحكم احياناً وعن معرفة الصح من الخطأ، ولكن الطامة الكبرى تكمن في سوء فهم الافراد أحياناً لبعضهم البعض فبعض التغريدات او المنشورات تحتاج لأن ترسل معها دفاع ومحامي لكيلا تفهم في غير نطاقها وبراءتها، فكم من تغريده غيرت من سلوك صديق وكم من إعجاب غير فكرة شخص عنك، وكم من تعليق علق صاحبه في المجهول...! وكم من مواقع مشبوهة غيرت اخلاق الشباب وجعلتهم مُدمنين للمواقع الإلحادية والإباحية وأصبحت الفتيات قبل الشباب عرضة للضياع الأخلاقي وأصبح الكلام مع الجنس الاخر شيء مألوف للبعض واستصغروا الموبقات وذنوب الخلوات، واستحوذت وسائل التواصل على هدوءنا وتأملنا وعلاقتنا وعبادتنا وتدبرنا مع ربنا..

ومن مساوئ استخدام هذه التقنيات الحوادث المرورية، فبسبب رسالة قصيرة كم أرواح بريئة تزهق، وكم من نظرة في صورة جعلت الحياة قصيرة، ومن الموبقات لهذه المواقع ايضاً انتشار الشركات الوهمية التي تتسلل إلى خصوصياتك تارة بالابتزاز وتارة بالنصب والاحتيال، ومن المصائب وجود كم هائل من المعلومات المغلوطة والخاطئة في شتى المجالات فأصبحت مواقع لنشر الأكاذيب والافتراءات والشبهات وتظليل الناس وكم من الزلات والهفوات والمقالب والسقطات في هذه المواقع...!

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي للأسف بسبب ذلك الكمّ من السلبيات وسوء الاستخدام مواقع للتنافر الاجتماعي ولتفكك الأسر والأخلاق واختفت المودة الصادقة وروح الألفة البريئة بين الافراد، وأصبح الكل منزوياً ومنشغلاً عن الآخرين، لا يعرف ليله من نهاره، ولا عمله من عطلته، ولا دراسته من لعبه، ولا جده من هزله،  بل وأدمنها البعض إدماناً، وفي حال انقطاعها سببت للكثير التوتر والإرباك والفزع والتهور، لتخلق حالة من الفراغ والملل والعزلة الاجتماعية، واصبح المدمنين لها من الصعب تواصلهم الطبيعي مع الافراد الحقيقين ولا يجيدون اساليب التحدث والتخاطب ولا التفكير العقلاني ولا لغة الجسد المتزنة، فضلاً عن لغتهم وكتاباتهم الهشة وأخطائهم الإملائية، فتغيرت سلوكياتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم وفطرتهم ونفسيتهم وعاطفتهم فأصبحوا أقل خبرة في التعامل الحقيقي مع الأحداث اليومية ومن الصعب تأقلمهم مع البيئات الجديدة ويواجهون صعوبة في الانتقال والتكيف مع ظروف العمل المختلفة، لتظهر حالات من الاكتئاب والملل والتصرفات الشاذة بل وصل الأمر في بريطانيا إلى انتحار عدد من المراهقين بسبب ذلك، وكل تلك الظواهر قد تصيب المدمن أينما كان بسبب متابعته المستمرة لها والاعتماد الكبير عليها، واكثر ما تظهر تلك الحالات في الفئات العمرية المتوسطة المراهقة على وجه التحديد، دون الفئات العمرية الكبيرة بالسن لأنهم أكثر نضوجاً ولأنهم عاشوا من قبل بدونها بكل سلامة وسلاسة، وسنجد أن رأيهم مختلف ومتزن غالباً، وينقطعون بين الفينة والأخرى عن مواقع التواصل الاجتماعي بكل هدوء.

ذلك من جانب والجانب الآخر من سيئات التواصل الاجتماعي التعامل الطويل مع الهواتف النقالة وخطورة الأشعة المنبثقة منها وأثرها على الأعضاء الجسمية والسلامة العقلية ولسنا بصدد ذكرها.

السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذكر المنافع والمساوئ ...! هل تستطيع التوقف عن استخدامها، ماذا لو توقفت هي وأصبح شيء كان، ماذا لو أصبح استخدام تلك التطبيقات بمقابل مادي كبير، ليس مجرد باقات وامتيازات...!

وهنا أعود لأذكر شيء من رؤيتي المتواضعة ما هو هدف وسائل التواصل الاجتماعي عموماً ولماذا انتشرت بهذه السرعة وبهذه السلاسة، لما صارت متاحة للجميع من المستفيد، هل تلك الإعلانات مُجزية لتبقي تلك المواقع بهذا التوسع والانتشار، وهل المبالغ التي تقدر بالمليارات لتلك المواقع لها حقيقية من الرابح من تلك التقنيات...!

الجواب ببساطة اصبحانا كتاب مكشوف لهم بكل حروفه ونبراته وسكناته وهوامشه، يعرفون افكارنا ومعتقداتنا وتوجهاتنا، متى نحزن ومتى نفرح، يؤججون شهواتنا المكبوتة، يقتلون الغيرة في سلوكنا، ومع كثرة الصدمات التي نتلقاها جعلونا متبلِّدين من الإحساس والشعور والتفكير والابتكار والنهوض، يحركوننا كما يحركون الدمي كأحجار على رقعة الشطرنج وللأسف، يتحكمون في قرارتنا رغماً عنا وبرضانا، أصبحنا سلعة وهم البائعون، وأصبح التجسس شيء من الماضي، لم يعد شيء يخفى عليهم، أصبحنا فئران تجارب لأبحاثهم الفكرية والعقائدية والتسويقية، فظهرت الأفكار العلمانية والإلحادية والشمولية والانتهازية، والعنصرية، اصبح من السهل جداً عبر مواقع التواصل من التشكيك بالثوابت الدينية والتاريخية والوطنية وزرع الفتن ونشر الشائعات وزعزعة الأمن وتحريك الجماهير وهي طامة حين يختلط الحابل بالنابل، جعلونا نحزن على بضعة نفر لنتضامن معهم، في حين أن العشرات تقتل على مدار السنة ولا من يحرك ساكناً... ازدواجية في المعايير غياب العدالة في التوثيق والتأثير للأسف الكثير منا لا يعي ذلك..! @agrfaisal

 

وختاماً قد يجد الكثير منا صعوبة بالغة في التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل قطعي وقد ينهار البعض عند توقفها، لكن يجب علينا التفكير والاستعداد مليئاً لهذه اللحظة، لحظة تتوقف فيها كل التقنيات لعاصفة شمسية، لحروب، لخلل فني، لانقطاع كابل، لكوارث طبيعية، للقرصنة للاحتكار للحظر للحجب...إلخ. فكل شيء قد يتغير في لحظة...!

تأكد أنه لابد من يوم وتتوقف كل هذه التقنيات التي تعرفها وتراها وقد تظهر وسائل من التواصل أكثر تقنية وبمميزات لا تخطر لك على بال، لكنها أيضاً سيأتي يوم وتتوقف وستعود لأسلافك أباءك واجدادك، تدرب على هذه اللحظة توقف قليلاً بالتدرج هيئ نفسك لهذا القرار، قد تكون هذه اللحظة قريبة جداً، ، هذه سنة الحياة لا شيء يدوم، وإذا تدبرنا هذه الآية رغم شموليتها حيث قال الله عز وجل:
(حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).

عزيزي العامل والدارس والباحث والمحاضر والمسؤول عندما تقرر بالابتعاد عن هذه الوسائل، ستجد صعوبة في البداية في التأقلم فأشغل فراغك بقراءة الكتب التي ستظل المخزون العلمي على امتداد السنين والعصور، وسيظل اليراع السفير العلمي بلا منازع ولا قيود، وستعود المحبرة للنور تتقد من بحر العلوم، علينا أن نعود للزراعة والصناعة والهندسة وللطب وللأعمال الحقلية للكفاح لنعود أناس طبيعيين ونكون ذوي فائدة حقيقية للأسرة والمجتمع والدولة والأمة حينها سنكون نحن المستفيدين...!