آخر تحديث :الجمعة-17 مايو 2024-08:41ص

ماهي السياقات التي يمكن فيها قراءة عملية (العريش) الارهابية؟ وما هو المطلوب لمصر بشكل مُلحّ بعدها؟

الأحد - 26 نوفمبر 2017 - الساعة 05:32 م

عبدالوهاب الشرفي
بقلم: عبدالوهاب الشرفي
- ارشيف الكاتب


مرة جديدة يضرب الارهاب مصر ليضيف نوعا جديدا من الاهداف بعد الكنائس و رجال الجيش والامن هذه المرة هي المساجد ، وليعلن عاليا ان مصر مستهدفة ككيان كما هي مستهدفة كنسيج اجتماعي و كدولة و جيش وشعب .

 

هذه المرة هي ككل مرة من ناحية خبث العملية و دنائتها و ادانتها كذلك ولكنها غير كل مرة من حيث دلالاتها او بالاصح من حيث كونها تدشين لمسار جديد ضمن اهداف الارهاب في مصر ، وفي ظل هذا التميز لهذه العملية الغادرة الجبانة يمكن قرأتها في اكثر من سياق  .

 

يمكن قراءة العملية ضمن الملابسات السياسية الاخيرة لمصر المتعلقة بموقفها في الملف اللبناني و تصريحات السيسي برفض التازيم مع حزب الله ، وموقفها في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذي لم يصوت لصالح البيان الصادر عن ذلك الاجتماع وبالتالي فالعملية تأتي كعقوبة لمصر على تلك المواقف ويأتي تبرم الكيان الصهيوني من تلك المواقف ورفضها ليسند هذه القراءة  ، فهذه المواقف تأتي خارجة عن السياق الذي عود السيسي الكيان الصهيوني عليه وهذه العملية تأتي خارج سياق ما عود الارهاب مصر عليه كذلك.

 

كما يمكن قرائتها ضمن التوجه الجديد في المنطقة الذي تعبر عنه الامارات العربية المتحدة من فرض التحول الى العلمانية وبالتالي فهذه العملية يمكن البناء عليها الكثير في هذا السياق من فرض تغيرات قانونية و اجتماعية و تعليمية و دينية و خطابية و كذا ديمغرافية كلها ستكون في اتجاه العلمنة المراد دفع المنطقة اليها - جدير ان ننوه هنا ان الكلام لايعني اتهام الامارات بالوقوف وراء العملية ولكن الصهيونية هي من يتبع مثل هذه الاساليب وماتعبر عنه الامارات هو موقفها المقتنع بهذا التوجه وليس الحديث عن الاسلوب لفرض هذا التوجه ، وكما من الجدير ايضا ان ننوه ان الحديث هنا هو عن الاسلوب او بالاحرى عن اتباع اسلوب كهذا لفرض التحول للعلمانية و ليس عن العلمانية - وما يدعم هذه القراءة هو قوائم الارهاب المتعاقبة التي تركز على التيار الديني افرادا وجماعات واخرها اتحاد علماء المسلمين بذاته ، وبان هناك توجه عام للعلمنة في المنطقة ينفذ باكثر من اسلوب و منفذوه كثر ، كما يدعم هذه القراءة هو تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بان العقبة هو الراي العام العربي او الشارع العربي وليس الادارات السياسية العربيه ، ومادامت الادارة المصرية  الحالية هي اقرب الادارات  للكيان الصهيوني فالعمل صهيونيا الان هو باتجاه فرض التغييرات المطلوبة على الرأي العام و الشارع المصري .

 

ايضا يمكن قرأتها في سياق العلاقة " المفتوحة ع الاخر " مع السعودية و الامارات مع ان الدولتين وخصوصا الاولى بيئتان خصبتان للتطرف و التوجهات التكفيرية و الارهابية وكثير هم المنخرطون مع داعش واخواتها في سوريا من مواطني السعودية و بقدر ما من مواطني الامارات ، وهذا المستوى المفتوح من العلاقة سمح بان يتحرك الارهاب بقدرة اكبر من ذي قبل و تمكن من الاقدام على عملية تمثل قدرة اكبر على توجيه الضربات ، وما يدعم هذه القراءة التحذيرات الامريكية و البريطانية لمواطنيهم في السعودية والامارات بتوخي الحذر من احتمالات ضربات ارهابية بمعنى ان المعلومات التي تم التحصل عليها لاطلاق هذه التحذيرات قد رصدت في السعودية و الامارات فيما كانت متعلقة بعملية مصر وليس بعملية ارهابية ستتم على اراضيهم خصوصا ان التحذير الامريكي اضاف سببا من غير المنطقي ايراده في تحذير كهذا " ومن الصواريخ البالستية التي يطلقها الحوثيون من اليمن !! " ما يوحي ان الخارجية الامريكية لم تكن ترى في المعلومات التي تحصلت عليها في السعودية الوضوح الكافي لاطلاق تحذير لمواطنيها في السعوديه ما اظطرها لاضافة هذا السبب اللامنطقي ايراده في هذا النوع من التحذيرات كي يستوفي مطلوبات اعلانه رسميا .

 

باهمال ما يميز هذه العملية والنظر اليها كعملية ارهابية في سياق موجة من العمليات الارهابية التي تضرب مصر منذ فترة يمكن قرأتها في اكثر من سياق من الاستهداف كأكبر دولة عربية لازالت تمتاز بجيش قوي ، وفي سياق ملابسات سيناء وما يتم الحديث عنه من صفقة القرن لصالح الكيان الصهيوني و في سياق ردود فعل الارهاب تجاه الحرب المصرية عليه في ليبيا و كذا في سياق النتيجة  المقلقة للكيان الصهيوني على " حدوده " الشمالية في سوريا  والحاجة لفك الخناق باتجاه الحدود الجنوبية في مصر وغير ذلك .

 

شخصيا لست مع اكثر من ايراد القراءات دون البناء عليها لترجيح احدها او القطع بها ، فطبيعة الارهاب تتطلب ان لايتم الترجيح الا وفق ما يمكن التحصل عليه من المعلومات اليقينية و الاستدلالات التي سيمكن جمعها  لان السَوّق في القراءات هو احد العوامل المساعدة لتشتيت التركيز عن التوصل للواقع الحقيقي للضربات الارهابية ، وكلما يجب قوله ان مصر باتت مستهدفة اكثر من المرحلة السابقة بكثير واستهدافها كبير بحجم مصر بلدا ودورا و جيشا و جغرافيا وتاريخا ، و على المعنيين فيها العمل بتفهم كامل لهذه الحقيقة وكل القراءات السابقة ذات علاقة بمصر ومستقبلها .

 

الاهم مما سبق هو طرح الافكار لما يجب كي تكون المواجه مع الارهاب فاعلة و تحمي مصر و اهلها من اي ضربات جديدة - نسأل الله ان يجنبها وكل المجتمعات شر الارهاب - وأول ما يجب لفت النظر اليه هو التشخيص السليم " للارهاب " فاحد مشاكل الدول العربية المستهدفة به انها كونت رؤيتها عن الارهاب كما لقنها الغرب وخصوصا الولايات المتحدة سواء من ناحية البنية او من ناحية السبب الجوهري ، فالارهاب من ناحية البنية ليس تنظيمات وانما ظاهرة وهذا الامر يترتب عليه ان الاعتماد في مواجهته على الجانب العسكري و الامني -  بدرجة اولى -  باعتباره تنظيم هو خطاء والواجب التعامل معه كظاهرة يجب علاج بيئتها التي مهما قضينا على مجموعة فرخت هذه البيئة مجموعات جديدة  .

 

اما من ناحية السبب الجوهري فليس التطرف او التشدد او الراديكالية وانما السبب الجوهري هي سياسات هدامة تعمل في بلداننا ومجتمعاتنا لفرض اجندات في مقدمتها السياسات الصهيونية ، اي ان التشدد و التطرف او الرديكالية هما حالة موجودة في كل المجتمعات وليس فقط في مجتمعاتنا - كما تصور ذلك تلك الاجندات - وما يحولها الى قوة تدميرية بهذه القدرة و الحجم اي ' الارهاب " هي تلك السياسات الهدامة المستهدفة للمنطقة باستخدام الارهاب ، وبعبارة اخرى الراديكالية هي تماما كاليورانيم لا تفعل في الطبيعة الكثير لكن ما يجعل منها قوة تدميرية هي تلك المعجلات و المفاعلات التي تخصبها وتعالج فيها وهذه المعجلات والمفاعلات هي السياسات المستهدفة للمنطقة ، وهذا الامر يعني ان النظر الى السبب انه الرديكالية يترتب عليه مواجهة خاطئة ايضا تستعدي حالة يفترض ان وجودها طبيعي في اي مجتمع لها صور معالجات و ليس استعداء وسعي للاستئصال يولد لديها رد فعل يذكي الظاهرة ولا يحد منها .

 

على كل حال تكوين رؤية خاصة للارهاب هي مهمة تحتاج وقت كلما هو مطلوب الان هو الشروع في العمل عليها من مصر وغير مصر ، لكن الارهاب بات في وضع ملح يتطلب ردود فعل مباشرة وسريعة واول هذه الردود هو الوضع السياسي في البلاد العربية ، فجميع السلطات العربية وفي مقدمتها السلطة في مصر تخلط بين الخصومات السياسية و بين الخصومة مع الارهاب بل يتم توظيف الارهاب لصالح الخصومات السياسية عمدا في بعض الاوقات ومن بعض السلطات . وبالتالي فالسلطات انطلاقا من مصالح السلطة وليس مصالح الوطن تسهم في استعداء مكونات سياسية وبالتالي خلق حالة عدم استقرار سياسي في بلدانها و بالتالي تجعل من البلد بيئة مناسبة لنمو الارهاب .

 

مصر لها خصومة حادة مع مكون الاخوان المسلمين واذا كان من نصيحة اسديها للسلطة في مصر فهي  ان تجد لها طريق لحل ملف الاخوان بالتصالح معهم وفقا للنظام والقانون وهو اول ما يجب لمواجهة الارهاب بالوصول بالبلد الى حالة استقرار سياسي لابد منها لمواجه فاعلة مع الارهاب اما بقاء حالة اللااستقرار سياسي فذلك يعني فقد فاعلية العديد من الاساليب التي ستتبع لمواجهة الارهاب ، واحذر من الخلط بين العمليات المسلحة وبين العمليات الارهابية و الاولى يمكن القضاء عليها بمصالحة سياسية حقيقية " ضامنة " تحتاجها مصر الان  بينما الثانية لا يمكن مواجهتها الا بالوصول لحالة استقرار سياسي في البلد .

 

الامر الاخر ان تعيد مصر تقييم تموضعها في المعادلات العربية و الاقليمية والدولية  وفقا لمصلحتها القومية  في حرب كاملة ثابتة الوتيرة تجاه الارهاب اينما وجد وليس وفق مصلحة السلطة كذلك فالارهاب مسألة امن قومي وليست مسألة امن داخلي ويجب ان تعيد مصر تموضعها وكذا علاقاتها  من هذا المنطلق في مختلف ملفات المنطقة ومع جميع دولها .

 

باقي ما يتم الحديث عنه من اساليب المواجهه الشاملة عسكريا وامنيا و اقتصاديا و تعليميا و تعبويا وغيره  تحدث عنها الكثير ولا حاجة لتكرار الحديث عنها وفقط يجب ان تستوعب النقاط السالفة و اجراء التعديلات اللازمة وفقا لمخرجاتها بما يخلق فعالية للمواجه مع الارهاب وليس اهدار الطاقات دون جدوى تذكر .

 

ادين العملية الارهابية التي ضربت مسجد العريش اشد الادانة وكل العمليات الارهابية التي ضربت مصر وكل عمل ارهابي يضرب في اليمن بما فيه ارهاب الدولة الذي يمارسه التحالف السعودي بحق المدنيين الى داخل منازلهم واسواقهم ومدارسهم وقاعات افراحهم وعزائهم وغيرها من حرماتهم ، وخالص العزاء لذوي الضحايا و لشعب مصر جميعا ولحكومة مصر ورئيسها وحفظ الله مصر و اليمن وكل بلدان العرب و المسلمين و المسالمين في العالم .